باشر بعض الكتّاب اللبنانيين في تهنئة الشاعر جوزف حرب ب"انتخابه" المفترض أميناً عاماً لاتحاد الكتّاب اللبنانيين، مستبقين الدورة الانتخابية الأخيرة المزمع عقدها نهار الجمعة المقبل. فالهيئة الادارية التي انتخبت قبل أيام كانت حصيلة اتفاق أو صفقة توافق عليها ممثلو الأحزاب والطوائف وربما المذاهب أيضاًَ. بدت نتائج الانتخاب معروفة مسبقاً وجاهزة، ولم يكن يحتاج بعض القلّة المعترضين الذين انسحبوا الى ان يخوضوا معركة في "الداخل". فاللائحة التي فازت كان يجب عليها ان تفوز بأعضائها كاملين من غير ان تبذل أي جهد. أما اللافت فهو أنّ الكتّاب الذين شاركوا في الانتخاب يمثلون أقلّ من ربع أعضاء الاتحاد: 143 كاتباً من أصل 753 عضواً ينتمون الى الاتحاد. هذه المقاطعة الفادحة تدلّ على حال التقهقر والتراجع التي يشهدها الاتحاد راهناً. وقد تدلّ على ان الاتحاد أصبح وقفاً على قلّة قليلة جداً تديرها أحزاب ثلاثة هي: أمل، الحزب القومي وحزب البعث، مع انفتاح على بعض الأحزاب اليمينية التي كانت "مغيّبة" طوال الحرب اللبنانية. لم يعد الكتّاب اللبنانيون ولا معظم أعضاء الاتحاد يتذكرون أن الاتحاد لا يزال قائماً. حتى بعض الذين تعنيهم الشؤون النقابية يئسوا من الاتحاد وانسحبوا. فهذا الاتحاد الراهن لم يعد يمثل إلا هذه "القلّة" التي تضع يدها عليه وتصادر منبره وموقعه اللذين يفترض بهما أن يكونا في صدارة المعارضة الثقافية والفكرية وفي طليعة التجديد والتغيير. فعلاً نسي معظم الكتّاب اللبنانيين أنّ لديهم اتحاداً وأنّ الاتحاد تمثله هيئة وعلى رأسها أمين عام. فالاتحاد شبه غائب وغير فاعل وغير مهيّأ حتى لأداء أقلّ الأدوار الثقافية والنقابية. البيانات القليلة التي يصدرها في "الظروف" الوطنية والفولكلورية التي يختارها تكاد لا تترك أثراً ولو ضئيلاً. أما "النشاطات" الأدبية التي يحييها فقليلة جداً ومدعاة للشفقة. المجلة التي كانت باشرت الهيئة في اصدارها توقّفت وكان توقفها خيراً ولمصلحة الأدب اللبناني... أما الظروف الحرجة والشائكة التي تتطلب من الاتحاد بياناً أو موقفاً فيغيب الاتحاد عنها من دون ان ينبس له صوت. علماً أن بعض أعضاء هيئته لا يتوانون عن تلبية الدعوات الرسمية من أي جهة أتت ولا يتلكأون عن المشاركة في التهنئة في المناسبات المعروفة وعن اعتلاء المنابر "المناسباتية". قد لا يحتاج "ملف" اتحاد الكتّاب اللبنانيين الى ان يُفتح مرّة تلو مرّة. فأموره وشؤونه باتت معروفة وكانت الاستقالة شبه الجماعية التي تمّت قبل ثلاثة أعوام خير موقف من هذا الاتحاد المعزول أدبياً وفكرياً وليس سياسياً طبعاً. ولعلّ انكفاءه قد يكون فعلاً لمصلحة الأدب والأدباء حتى وان استغل بعض اعضائه منبره ليحصدوا "مجداً" ما و"سلطة" ما، جاعلين من الاتحاد ورقة سياسية ولو ضعيفة. ولعل الدورة الانتخابية التي حصلت أخيراً إنّما حصلت بصمت شبه كلّي وكأنها تُجرى سراً. حتى أنّ أخبار الدورة لم تكن كالعادة مادة للتندر في المقاهي. الشاعر جوزف حرب سيفوز حتماً في الدورة النهائية وسيصبح أميناً عاماً للمرة الثالثة "رغماً" عن المادة 14 في قانون الاتحاد التي ما برحت، بعد تعديل القانون قبل أشهر، تمنع انتخاب الأمين العام لأكثر من دورتين متتاليتين. وقد تساءل البعض عن غاية التعديل المقصود للقانون قبل أشهر من الدورة الانتخابية من غير ان تعدّل هذه المادة. على أنّ الهيئة المنتخبة والأمين العام المزمع انتخابه هم على ثقة تامة طمأنينة تامة في أنهم لم يخترقوا القانون الذي يُعمل به بدءاً من تاريخه الجديد. وقد اجتهد البعض قانونياً بغية الطعن في الصيغة الانتخابية، لكنّ "الاجتهاد" السياسي كان أسرع وأنجع. أما القلة القليلة المعترضة فصوتها لن يكون له وقع. وقد ينسحب بعض أعضاء الهيئة المنتخَبَة حفظاً لماء الوجه القانوني لا الأدبي. أما الشاعر جوزف حرب فلا يسعنا إلا أن نهنئه مع الذين باشروا في تهنئته قبل الانتخاب... ولا يسعنا أيضاً إلا ان نهنئ الهيئة المنتخَبَة والأحزاب الثلاثة والبقية التي تمثل الطوائف والمذاهب... على أن الخشية، كل الخشية أن يأتي يوم يصبح الاتحاد فيه خلواً من الأدباء والكتّاب. حينذاك لا بدّ من رفع تمثال لهذا الاتحاد الشهيد الذي ما برحوا يمعنون في قتله منذ سنوات حتى أصبح ضحية من ضحايا الحرب الأهلية وتقاطعاتها.