وصلنا العدد الثاني من مجلة "ديوان" - مجلة الشعر العربي والألماني التي تصدر باللغتين العربية والألمانية في برلين. وتضمن العدد في قسمه العربي محوراً تحت عنوان "مستقبل الشعر" وضم آراء لعدد من الأدباء بينهم جيرار باور، بريجيته أولوجنسكي، الماركوزا، كورت درافرت. وضم العدد نصوصاً شعرية لعدد من الشعراء منهم الشاعرة النمسوية فريدريكا مايور كرولوت سايلر وأوفي كولبة وكورت درافر وجيرهالد فاكنر. وساهم في العدد الشاعر الألماني انتسنسبيرغر في مقالة تأملية بعنوان "مناجاة حائر" في حين كتب الشاعر أدونيس مقالة عن أنتسنسبيرغر هي مقدمة للترجمة العربية لديوانه طلاق الشهوات ونشرت الشاعرة أمل الجبوري مقدمتها للترجمة نفسها. أما ملف العدد فكان عن الشاعرة النمسوية انجبورا باخمان وشارك فيه عدد من الأدباء الألمان بينهم هيرالد هارتونج وهلموت بوتيغر إضافة الى نصوص مترجمة للشاعرة. وفي القسم الألماني أجاب الأدباء محمد بنيس وسيف الرحبي وكمال أبو ديب وفخري صالح عن سؤال حول مستقبل الشعر في حين كان ملف العدد عن جبران خليل جبران وتضمن مقالة للناقدة خالدة سعيد بعنوان "لغة جبران الشعرية" إضافة الى دراسات اخرى: "المرأة في حياة جبران"، "هل قرأ جبران نيتشه" لعبده وازن، و"رسالة جبران الى مي زيادة" وترجمة نص "الجمال" المأخوذ عن كتابه "النبي". وتضمن العدد أيضاً قصائد لمحمد الفيتوري وخيري منصور وعز الدين المناصرة وجواد الحطاب وزهرة العبيدي ولميعة عباس عمارة وسيف الرحبي وممدوح عدوان وعبدالقادر الجنابي وجرجس شكري. وفي العدد قراءة لسنية صالح ومفهومها للشعر مع نص شعري لها وكتب بول شاؤول عن القصيدة والحداثة وجاوره نص له أيضاً. حوار القسم الألماني مع الشاعر أنسي الحاج أجراه عقل العويط مع نصوص له، ومقالة للناقد السوري أكثم سليمان عن شاعرية مظفر النواب. أما الشاعر الضيف فكان ديرك والكوت الحاصل على جائزة نوبل عام 1992 ونشرت المجلة حواراً معه أجراه الشاعر راؤول شروت ونصوصاً من ديوانه "منتصف الصيف". وحوار العدد في القسم العربي كان مع الشاعر النمسوي راؤول شروت مع قصيدة له. وفي زاوية "فنان العدد" تزاملت لوحات جبران خليل جبران مع لوحات الروائي الألماني الحاصل على نوبل الأدب غونتر غراس مع سيرة ابداعية لكل منهما. وضم العدد في قسميه عدداً من الأخبار الثقافية وافتتاحية لأمل الجبوري رئيسة التحرير تحت عنوان "كل قارئ عدو" جاء فيها: "الترجمة هي العمود الفقري لجسد مجلة "الديوان" وكان علينا أن نتصور كل قارئ وزميل لنا هو عدو له، بمعنى كل عالم بالأمور متفرغ لها وهذا يذكرنا بمقولة الجاحظ في كتاب "الحيوان" لذلك صار علينا وفي كل ما نقدمه أن نعيد النظر حتى تحول العدد الثاني الى ورشة عمل أشبه بمختبر يساهم فيه الجميع من مترجمين وأسرة التحرير، والتحرير تقليد متعارف عليه في الغرب بين الكاتب أو المترجم ودور النشر إلا أنه غائب تماماً في العالم العربي لأن أي مقترح يقدم للكاتب يتحول لدى الكثيرين الى اعتداء على النص وصاحبه. لكننا عملنا ضمن جو مغاير تماماً العرب والألمان من أجل إزالة حجب القصيدة لإيصالها الى الآخر. ولكن ثمة قصائد تظل تمسك بحجبها وكأنها الحجاب نفسه لتتحول بعد الترجمة الى مشهد غائم، وينطبق هذا الكلام على المقالات أيضاً، ولا نعرف اذا كان الشعر العربي يقترب أو يقف عند هذا المشهد الذي تتحول الكثير من نماذجه التي يشكل البعض منها أسماء مهمة في الوطن العربي الى هياكل فقدت أعمدتها أو رسائل لا تصل الى أي قارئ. وربما تكمن العلة في البلاغة التي هي في أحيان كثيرة شحوم زائدة في جسد القصيدة التي تظل تدور في شرنقة اللغة وحدها، أما الأفكار فإنها مشظاة هنا وهناك، لكن الأمر يختلف تماماً مع الشعر الألماني الذي يبقى الكثير منه طيِّعاً في الترجمة، وهذا لا يعود الى الشعر شكلاً ومضموناً حيث ينتظم في بناء مدروس متناغم مع ما يريد الشاعر قوله وحسب، بل الى اللغة العربية وثرائها وهي تطوع الآخر ضمن سياقها. وبهذا المعنى أرجو أن لا يساء الفهم في أن كل شعر يستعصي على الترجمة هو شعر هزيل ولا كل شعر سهل في ترجمته هو شعر مهم وعظيم. تتنوع الأحكام بحسب رؤيا النص، ايقاعاته النفسية، هذه الايحاءات التي يصعب على المترجم في أحيان كثيرة نقلها الى لغة الآخر، لذلك تبقى ترجمة الشعر هي نقل الأفكار ثم صوغها في لغة غريبة عن مناخ النص الأصلي وهذه هي المهمة الحرجة التي يقوم بها المترجم الذي عليه امتلاك الاحساس باللغة وثقافة الآخر أولاً، لأن هذين الاحساسين يجعلان من الترجمة أصلاً في لحظات معينة، ليست مستحيلة ولكنها نادرة. إن الذائقة الجمالية وليست العاطفية هي التي تحدد قراءة النصوص المختارة للمجلة التي كان أحد أسباب وجودها اضاءة المشهد الشعري العربي للقارئ الألماني، إذ لم تقدم سوى دور نشر محدودة على ترجمة مجموعات شعرية عربية لا تتعدى الخمس وعلى مدى أكثر من ربع قرن في حين أن حركة الترجمة في العالم العربي مستمرة في تقديم الآداب الأخرى للقارئ العربي ضمن اطار المؤسسات، وكذلك دور النشر الخاصة. ويحظى الشعر الألماني بشيء من الاهتمام اذا ما قورن الحال بالشعر العربي، فصدور انطولوجيتين في عام واحد حال صحية ترتق هذا الخلل لكنها تبقى غير كافية للتواصل ولا نعرف لماذا هذا التهميش للشعر العربي حتى على مستوى المشاركات في المهرجانات الشعرية التي لا تعدُّ في المانيا، وكمن يخضع اليقين الى السؤال نقولها صراحة فلربما كمن السبب في النكوص في الواقعين السياسي والثقافي في العالم العربي في العصر الحديث بعد أن كانت العصور الوسطى هي العصور الذهبية للعرب سواء في حقول المعارف أو في مجال السطوة...".