حققت أسواق الأسهم العالمية، بسرية تكاد تكون مطلقة أو بالأحرى خلف الستار الكثيف من التشاؤم الذي فرضه الركود الاقتصادي، في الشهور القليلة الأخيرة، مكاسب ضخمة عوّضت بها جزءاً كبيراً من الخسائر الأكثر ضخامةً، التي لحقت بالمستثمرين ومؤسسات الاستثمار لا سيما صناديق الثروات السيادية الخليجية في 2008، العام الذي حولته أزمة المال إلى كارثة حقيقية. وتتنافس مجموعة كبيرة نسبياً من المؤشرات المهمة على قياس أداء أسواق الأسهم العالمية، ويأتي من ضمنها إن لم يكن في مقدمها، مؤشر «ستاندرد آند بورز العالمي»، ويعكس أداء 11 ألف شركة تبدأ قيمتها السوقية من 100 مليون دولار، وتتداول أسهمها في 47 بلداً. ويمثّل 25 بلداً الاقتصادات المتقدمة بينما يمثل الباقي الاقتصادات الصاعدة ومنها مصر والمغرب. ولم يكن أداء المؤشر أقل من مبهر، فبلغت قيمة المكاسب السوقية التي حققها في آب (أغسطس) الماضي تريليون دولار وناهزت حصيلة الأشهر الثلاثة الأخيرة ثلاثة تريليونات وتجاوزت أرباح الفترة منذ منتصف آذار (مارس) خمسة تريليونات. ولوضع هذا الأداء في نصابه، فإن المكاسب المحققة منذ بداية 2009 عوضت 44 في المئة من خسائر 2008 في انتظار ما ستسفر عنه الأشهر الأربعة الباقية من السنة. ويعاني المؤشر قصوراً واضحاً في تغطية أسواق المال العالمية، إلا أن أهميته تنعكس في تركيزه على الأسهم المتاحة للاستثمار الدولي بما فيها الصناديق السيادية الخليجية التي توقع محللون اقتصاديون في مركز الدراسات الأميركي «مجلس العلاقات الخارجية» أن تكون ثلاثة منها (الإمارات والكويت وقطر) تكبدت الجزء الأعظم من خسائر سهمية قدرها بنحو 350 بليون دولار، 27 في المئة من أصولها، في 2008. وانفرد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 27 في المئة من مكاسب القيمة السوقية المحققة منذ بداية 2009 أي 1.4 تريليون دولار، إلا أن الزيادة التي سجلتها عوائد البورصة الأميركية لم تتجاوز 15 في المئة بكثير ما فسر، ليس فقط ترتيب أدائها في المرتبة ال 42 من أسواق المال ال 46، وإنما أيضاً حقيقة أن الزيادة في عوائد المؤشر العالمي، باستثناء المؤشر الأميركي، جاءت مضاعفة (29 في المئة). وتصدر لائحة أكبر الرابحين بأداء يزيد على 50 في المئة من بين الدول المتقدمة، النمسا والسويد وسنغافورة والنروج، وعلى 40 في المئة لوكسمبورغ واستراليا وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وبلجيكا واليونان وبلغت نسبة ارلندا 34 في المئة وبريطانيا 29 في المئة ولم تصل نسبتا فرنسا وإيطاليا إلى 20 في المئة وتوقف أداء ألمانيا واليابان عند 14 و10 في المئة على التوالي. لكن بورصات الاقتصادات الصاعدة تميزت في شكل صارخ عندما بلغت نسبة العوائد التي حققتها منذ بداية 2009 (52 في المئة) ما يقرب من ثلاثة أضعاف النسبة التي سجلتها بورصات الدول المتقدمة (20 في المئة)، خافضة بذلك الخسائر التي لحقت بها في الربع الأخير والخطير من 2008 إلى أقل من 12 في المئة في مقابل 19 في المئة لدى الدول المتقدمة. وحلّت اندونيسيا في المقدمة بنسبة تزيد على 100 في المئة، تلتها تركيا والبرازيل 75 و74 في المئة على التوالي ثم الهند (66 في المئة) وروسيا (61 في المئة) والفيليبين (55 في المئة) وتايلند (51 في المئة) ومصر (44 في المئة). وفيما حققت الصين زيادة قوية (44 في المئة) في عوائدها معوضة كامل خسائر الربع الأخير من 2008، تقدمت ماليزيا خطوة إضافية بتحويل الخسائر إلى مكاسب. ولم يستبعد خبراء الاستثمار في مؤسسة التصنيف الائتماني والمؤشرات «ستاندرد آند بورز» احتمال تحقق مخاوف المتعاملين المتعاظمة من تعرض أسواق المال الأميركية «لانتكاسة» على عادتها في شهر أيلول (سبتمبر)، ورجحوا تراجع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى ما بين 940 و960 نقطة من مستواه الحالي فوق 1000 نقطة لكنهم توقعوا أن يستأنف المؤشر تقدمه لاحقاً محلقاً إلى مستويات جديدة.