"ثورة الجياع" في الارجنتين أرعبت المتخمين في موسكو، إذ يتابع الليبراليون الروس بقلوب واجفة اخبار الهزيمة التي لحقت بنظرائهم في أميركا الجنوبية، ووصل الأمر باقتصاديين كبار بينهم أحد مستشاري الرئيس الروسي. الى توقع انهيار روسيا وقيام نظام عسكري - بوليسي. وما عرف ب"الاصلاحات" في البلدين له اصول واحدة تمتد الى صندوق النقد الدولي ومدرسة شيكاغو الاقتصادية. وهنا وهناك تلخصت "التغييرات" في فرض سياسة تقشف صارمة على الفقراء وذوي الدخل المحدود واطلاق العنان لكبار موظفي الدولة والمرتبطين بهم للاثراء بطرق غير مشروعة. وكان وزير الاقتصاد الارجنتيني دومينغو كافالو الذي يتحمل المسؤولية الأكبر عن الأزمة الراهنة في بلاده دعي الى روسيا بهدف "انقاذها" اثناء الكارثة المالية التي أحاقت بها عام 1998 وأدت الى سقوط كومة الليبراليين برئاسة سيرغي كيريينكو. إلا أن يفغيني بريماكوف الذي عين رئيساً للوزراء بإصرار من المعارضة رفض "نصائح" كافالو وصندوق النقد وتمكن من تعديل الوضع الاقتصادي خلال فترة قصيرة قبل أن ينجح المنتفعون من السياسات السابقة في اسقاطه بسرعة. واذا كانت "الاصلاحات" أدت في الارجنتين الى انكماش اقتصادي نسبته 10 في المئة، فإنها أسفرت في روسيا عن تراجع بلغ معدله 52 في المئة في الصناعة و41 في المئة في الزراعة. ولوحظ انحسار في كل مرافق الحياة. وبدا ان الأمور أخذت تتحسن في عهد الرئيس الحالي فلاديمير بوتين إذ سجل نمو اقتصادي قدّر رسمياً بما يراوح بين أربعة وخمسة في المئة. إلا أن اندريه ايلاريونوف المستشار الاقتصادي لرئيس الدولة أشار الى أن "الأمور عادت الى المسار الذي سلكته في الأعوام العشرة الماضية". ونقلت عنه صحيفة "كوميرسانت" ان ظواهر الفساد والرشوة تزايدت "وبعدما كانت هواية أصبحت مؤسسة متكاملة". وعزا ايلاريونوف الاستقرار النسبي في العامين الأخيرين "الى ارتفاع أسعار النفط وليس الى تغير القيادة". ومضى المستشار شوطاً أبعد في توجيه انتقادات شبه مريحة الى القيادة السياسية باشارته الى أن سنتي 2000 و2001 "ضاعتا سدى" بسبب السياسة الاقتصادية. ويرى المحللون ان ايلاريونوف ربما أراد بذلك أن يحض بوتين على اقالة رئيس الوزراء ميخائيل كاسيانوف، خصوصاً أن الود مفقود بينه وبين المستشار الرئاسي. ويشير المحللون الى أن التدهور الاقتصادي قد يتزامن مع تفاقم الصراع بين ثلاث كتل أساسية، يقود الأولى مدير الديوان الرئاسي الكسندر فولوستين الذي يعد رمزاً لمجموعة "العائلة" اليلتسينية التي ورثها بوتين. أما الثانية فيمثلها اصلاحيون راديكاليون "من الطراز الارجنتيني" وأبرز قادتها حالياً يغور غايداررئيس وزراء أول حكومة قادت عملية "الاصلاحات" وزميله أناتولي تشوبايس الذي دافع بضراوة عن كافالو وعزا الأزمة الارجنتينية الى السياسة لا الى الاقتصاد. وثمة كتلة ثالثة تضم ضباط الأمن الذين عملوا مع بوتين في جهاز المخابرات وأسندت اليهم مناصب حساسة في الدولة. وفي "طاولة مستديرة" حضرها عدد من أبرز خبراء الاقتصاد والسياسة بينهم كثيرون من مستشاري الكرملين، جرت الاشارة الى تزايد "شعبية" بوتين لدى الروس إلا أن مدير "معهد العولمة" الكسندر ديلياغين قال ان مشكلة روسيا "ليس في وجود ستالين جديد يحكمها، بل المشكلة في أن هذا الستالين صغير للغاية وغير قادر حتى على وضع استراتيجية وتقرير الوجهة التي يريد ان يسير بالبلد نحوها". وتوقع ان تتفاقم الأزمة وتصل الى ذروتها في بين سنتي 2003 و2005 وان تسفر عن قيام نظام عسكري - بوليسي.