بيروت - "الحياة" - "وماذا بعد، عن درب القمر في ضيعتنا؟ لو رأيتها أنت، لعرفت كيف يعيش القمر عندنا فيها، من أول الليل الى آخر الليل. من الجبل الى البحار...". هكذا كتب الأديب اللبناني فؤاد سليمان عن تلك الدرب في احدى مقطوعاته الجميلة التي تحمل عنوان "درب القمر" وضمّها كتابه الذي يحمل العنوان نفسه. هذه "الدرب" ستنتقل من الأدب الى الواقع وستصبح درباً حقيقية يسلكها زوار قرية فيع، مسقط الأديب. مشروع "الدرب" هذا أعلن أمس في احتفال أقيم في جامعة البلمند شمال لبنان وأحيته مؤسسة "الأوديسيه" في الذكرى الخمسين لرحيل فؤاد سليمان 1912 - 1951. وتحدّث في الاحتفال: نقيب الصحافة محمد البعلبكي، الأديب سمير عطاالله، الأديب علي شلق، الشاعر غسان مطر ألقى قصيدة، الدكتور حنا عبدالله رئيس بلدية فيع، الكاتبة مارلين كنعان جامعة البلمند. وتخللت الكلمات قراءات من أدب فؤاد سليمان قدّمه في شكل ممسرح: جوزيف بو نصار وجوليا قصار ورفعت طربيه. ووزع خلال الاحتفال كراس عن مشروع "درب القمر" ومما ورد فيه: "عندما بادرت بلدة الأديب فؤاد سليمان، فيع، الى تكريم ابنها البار لم تجد اجمل من أن تسمي الدرب القديمة الممتدة على حافة الوديان التي تحيط بالبلدة باسم "درب القمر"، وهو الاسم الذي أطلقه أديبنا على هذه الدرب نفسها وجعل منه عنواناً لمقالة شهيرة من مقالاته البديعة وأصبح في ما بعد عنواناً لكتاب فريد تتداوله الأجيال اللبنانية. وبعد جهود بذلها اهل البلدة ومسؤولوها وأصدقاء فؤاد سليمان ومحبوه صدر قرار رسمي بتاريخ 22/10/1997 يحمل الرقم 57 وينص باطلاق اسم "درب القمر" على درب بلدة فيع القديمة وذلك "تكريماً للأديب الكبير فؤاد سليمان وتخليداً لذكراه". أما المشروع فيتضمن مراحل عدة هي: شق الطريق ورصفها بالحجارة، وتشجير طرفيها وإنارتها بالقناديل، إنشاء حديقة متفرعة عن "درب القمر" يرتفع فيها تمثال لفؤاد سليمان، إقامة مكتبة تضم مخطوطات فؤاد سليمان للقراء والزوار. وجاء في كلمة الكاتبة مارلين كنعان: "ثمة من يقول ان الشعر والأدب الحق خلق اليوم. كيانان بكران لا يكبِّلهما ماض ولا يرهنهما فناء. فما صنعته ريشة شاعر وخطه يراع، لا بد له أن يلج الأبد، صائراً جزءاً من السماء! في أدب فؤاد سليمان سموات وفيض ومضات سُلخت من اللحم والدم. عربدت وغزلت على نول قلمه أنهاراً جريئة من البلور والحرير والديباج والدمقس المرصع. سكنت الحروف في عمق قلبه، فوصلت على لسانه تارة كأناشيد نور، وطوراً كلسعات سوط ناري تغذيه نفحة شعر جريئة، صهرها "تموز" اللخيميائي في أتون وجده جمالية ووعياً اجتماعياً أكيداً. كتب الحقيقة كأنها وتر مشدود فأصاب الطريدة، وهي عنده كل المفاسد والقيم المنحطة التي رآها في بلد أحب، ومجتمع عمل بجهد على اصلاحه. من أجل ذلك كان أدبه ملتزماً مذاقة الحياة، من همومها اليومية وقضاياها السياسية والاجتماعية الى مدنيتها وطبيعتها "المؤنسنة". ولئن كان أدب فؤاد سليمان وشِعره منهلاً ومعيناً لا ينضبان - إن لجهة الأسلوب الجريء واللغة السلسة/ الملتهبة، أو الموضوعات ذات النكهة الخاصة - فهو بالنسبة الى كثيرين أديب الوجدانية المتمردة والأعماق والانسان الأصيل والريف والرجاء بامتياز، صاحب الخيال الشاعري والقوة والرؤية الثاقبة التي خلخل بواسطتها بُنية الجملة العربية التقليدية، ف"شَعْرَن" النثر. هو، بعد جبران، الكاتب الذي ضيَّق المسافة بين الشعر والنثر، جاعلاً من اللغة النثرية الشقيق - التوأم للغة الشعر. قلمه بركان ثائر. نقرأه، في "درب القمر" و"تموزيات" و"القناديل الحمراء" و"زغاني تموز"، بشغف ما بعده شغف. فنثره مدرسة متناسقة قائمة بذاتها.