أدهش وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف نظراءه الغربيين عندما اكد ان موسكو ستوقع مع واشنطن اتفاقاً جديداً لخفض السلاح النووي على رغم انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ اي بي ام. وجاء كلام ايفانوف اثناء مشاركته في اعمال المجلس المشترك لحلف شمال الأطلسي وروسيا الذي ناقش شكل العلاقة الجديدة بين الجانبين بعد اعتماد صيغة للتعاون مع الحلف تأمل موسكو من خلالها الحصول على حق التصويت او الاعتراض على قرارات الحلف ما يعني تمكنها عملياً من المشاركة في رسم سياسته. وكان من الطبيعي ان يشغل موضوع انسحاب واشنطن من المعاهدة جزءاً أساساً من المناقشات كون اللقاء هو الأول على هذا المستوى منذ إعلان القرار الأميركي. وأعلن ايفانوف خلال مؤتمر صحافي في ختام اعمال المجلس ان موسكووواشنطن ستوقعان في حزيران يونيو المقبل اثناء زيارة الرئيس جورج بوش الى روسيا معاهدة "ستارت 3" التي تتضمن "خفضاً راديكالياً" للرؤوس النووية التي يملكها الطرفان. وكانت موسكو قدمت اقتراحاً بخفض حاد يصل الى 1500 رأس نووي فيما تعارض واشنطن ذلك. وذكرت مصادر البنتاغون ان الولاياتالمتحدة يمكن ان توافق على خفض يصل الى 1700 - 2200 رأس نووي، غير ان ايفانوف اشار الى ان الخلاف بين الجانبين سيحل قبل موعد توقيع الاتفاق. وأثار إعلان ايفانوف انتقادات واسعة في روسيا خصوصاً من الخبراء الذين يرون ان هذا الخفض سيؤثر في قدرات روسيا النووية في شكل خطير. وزاد الطين بلة تأكيد وزير الدفاع الروسي ان موسكو لا تنوي زيادة نفقاتها العسكرية بعد القرار الأميركي. ويرى مراقبون في موسكو ان موقف الكرملين "المتراخي" يعود الى جملة اسباب منها قناعة عدد من الخبراء الاستراتيجيين ان واشنطن كانت ستنسحب من المعاهدة سواء بالاتفاق مع موسكو او من دونها، ما يعني ان على موسكو "التكيف" مع الوضع القائم، وهو ما دفع ايفانوف الى الإعلان عن ان الخطوة الأميركية كانت متوقعة منذ زمن بعيد وأن موسكو اتخذت بالفعل اجراءات جوابية منذ العام الماضي. والأهم تأكيد الخبراء على كون المشروع الأميركي لإقامة شبكة الصواريخ المضادة للصواريخ سيظل "حبراً على ورق" لسنوات طويلة مقبلة وأن التجارب الأميركية الفاشلة على اعتراض الصواريخ تثبت ذلك ما يعني انه لا يشكل تهديداً جدياً لروسيا، وذهب ايفانوف الى وصف المشروع الأميركي بأنه "وهم" وأنه "سيلاقي مصير مشروع حرب النجوم في الثمانينات". غير ان الوزير الروسي اضطر الى الاعتراف بأن ثمة مخاطر اخرى يمكن ان تترتب على الخطوة الأميركية ومنها قيام عدد من الدول باستغلال القرار الأميركي لتطوير قدراتها العسكرية. وحدد ايفانوف الهند وباكستان وإيران وإسرائيل كدول مرشحة للانخراط في سباق التسلح الجديد. وهذه ليست المسألة الخلافية الوحيدة بين الكرملين والجنرالات المتشددين في موسكو إذ ان عدداً منهم يرى ان الكرملين مضى في تقديم التنازل تلو التنازل من دون ان يحصل حتى على وعد. ولفتت إشارة ايفانوف الى ان "اتفاقات خفض السلاح لن تعتمد في المستقبل على مبدأ التوازن في الأسلحة الهجومية والدفاعية ولكن ستقرر كل دولة بنفسها متطلبات امنها" ما يعني ان الكرملين قرر ان يمضي خطوة اضافية في التسليم بحق واشنطن ان ترسم الاتفاقات الدولية وفق مصالحها الخاصة.