} بعد ليلة حامية ومملوءة بالمفاجآت وتغير التوجهات، بدأت تتضح في الأفق احتمالات التوصل الى "اتفاق ما" في "حوارات بون" في شأن الملف الأفغاني. وبدت الاختلافات وعدم تجانس تشكيلة "الجبهة المتحدة" سبباً أساسياً في تعرض مؤتمر بون الى مخاطر الفشل، عندما هبت تصريحات الرئيس الأفغاني برهان الدين رباني على قلعة بيترسبورغ، "مقر الاجتماعات" كزوبعة كادت تنسف ما بدا في ساعات ما بعد ظهر الجمعة من احتمال التوصل الى اتفاق. فيما كانت أوساط مؤتمر بون وأعضاء "مجموعة روما" يؤكدون ان اعلان التوصل الى اتفاق على "الادارة الموقتة" و"المجلس الأعلى" و"قوة حفظ السلام الدولية" بات قاب قوسين أو أدنى، عُلِم ان رئيس وفد "مجموعة الجبهة المتحدة" يونس قانوني طلب من مبعوث الاممالمتحدة الأخضر الابراهيمي وقف سير المحادثات ليعود الى كابول ويحاور الرئيس برهان الدين رباني حول ما يفترض ان يخرج من بون. وتشير بعض المصادر الى أن قانوني طلب مهلة عشرة أيام، إلا أن الابراهيمي رفض وطالب قانوني أن يعد لائحة اسماء مرشحي "الجبهة المتحدة" في وقت قياسي حيث يتم إقرار الصيغ قبل نهاية يوم أمس. واستبعد أكثر من مسؤول غربي في المؤتمر التوصل الى اتفاق ينسجم مع بنود جدول الأعمال الأساسية التي وضعتها الأممالمتحدة قبل انعقاد المؤتمر، خصوصاً بعدما برزت خلافات كبيرة بين وفد "الجبهة المتحدة" والوفود الأخرى، وبالذات وفد "مجموعة روما" الممثلة للملك السابق محمد ظاهر شاه. إلا أن الخلاف الأشد والأكثر تأثيراً على سير المشاورات في بون هو ما برز في الساعات الأخيرة بين يونس قانوني وزير داخلية "تحالف الشمال" ورئيس الدولة رباني الذي أعلن معارضته لأي اتفاق يتم خارج أفغانستان، مما دفع قانوني الى التحذير من ان الوفد ربما يقدم على ابرام اتفاق في بون من دون موافقة رباني. وقال: "اذا لم يعط الاستاذ رباني موافقته على حل وسط حول عملية سياسية انتقالية في افغانستان التي يجري التفاوض عليها في بون فاننا سنحتكم الى رأي الشعب". وأعلن "اننا الى جانب شعبنا وليس الى جانب بعض الشخصيات" من دون اعطاء المزيد من التوضيحات. ودعت الاممالمتحدة الى تجاوز "المصالح الشخصية" في مفاوضات بون، وقال احمد فوزي الناطق باسم الابراهيمي ان "مصالح الشعب الافغاني يجب ان تغلب على المصالح الشخصية والخلافات بين الاشحاص". وعلم في مقر المؤتمر ان وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر طلب من وزير الخارجية الروسي سيرغي ايفانوف الاتصال برباني واقناعه بالتعاون مع الأممالمتحدة ووفده في بون للتوصل الى اتفاق ما. وأكد مصدر غربي في المؤتمر، فضل عدم ايراد اسمه، ان "المكالمة الهاتفية تمت بالفعل" لكن لم يرشح من تفاصيلها حتى الآن أي شيء. غير ان تطورات الساعات الأخيرة والتصريحات التي أدلى بها بعض أعضاء وفد "تحالف الشمال" تشير الى أن الضغوط التي مورست على رباني أحدثت تطوراً يعد "ايجابياً" في موقفه من اتفاقات بون. وفي هذا السياق، أكد ممثل "الجبهة المتحدة" في برلين وعضو وفدها في المؤتمر جي إم جاويد "ان الوفد اتفق على فكرة تشكيل ادارة مصغرة تتولى ادارة شؤون البلاد على أن يتم تأسيس الادارة الكاملة والمجلس الأعلى في وقت لاحق في كابول". وأكد جاويد ان "لا نقاش على موقع رباني رئيس دولة افغانستان المعترف بها دولياً"، وأن "لا خلاف على عودة الملك محمد ظاهر شاه الى أفغانستان"، وان "أي مهمة توكل اليه ستكون من صلاحيات لويا جيركا الذي ستشكل في كابول". وقال جاويد: "نحن لا نرى ضرورة لوجود قوة حفظ سلام دولية في أفغانستان، لأن قواتنا تبسط سيطرتها على أكثر من 80 في المئة من الأرض الأفغانية وتوفر الأمن سواء للمواطنين أو للمساعدات الانسانية"، إلا أنه أضاف: "ينبغي أن لا نعتبر سواد الأمن بالمنطق الغربي نفسه، إذ أن هناك في أفغانستان اليوم مناطق أكثر أمناً من غيرها". وأعلن منظمو المؤتمر إرجاء الندوة الصحافية اليومية من الثانية بعد الظهر الى الثامنة مساء، مما فسّر صعوبة في الحوارات الجارية في قلعة بيترسبورغ. وفيما باتت تسود فى أروقة المؤتمر مخاوف من الفشل في التوصل الى اقرار صيغ مفيدة، فإن ديبلوماسياً ايطالياً يحضر اجتماعات المؤتمر قال ل"الحياة": "ما زلنا بعيدين عن التوصل الى اتفاق مفيد". وأضاف: "هناك اتجاهان متضادان، أحدهما يدفع في اتجاه الخروج بأي اتفاق مهما كان شكله، وهو اتجاه يمثله وفد مجموعة روماوالأممالمتحدة والدول الغربية، واتجاه آخر يسعى الى التخفيف من حدة التسرّع في اتخاذ القرارات، وهذا ما يمثله موقف تحالف الشمال". صراع الشيوخ والشباب وعلى رغم بوادر الخلاف بين رباني والزعامة الشابة ل"تحالف الشمال" الممثلة بقانوني ووزير خارجية التحالف عبدالله عبدالله، يبدو من المستبعد ان يتم الاتفاق على أي صيغة تتعارض في شكل كامل مع طروحات الاول. ولا يستبعد أن يستفحل الخلاف بين رباني وطاقمه الشاب الذي يرفض فكرة "الانقلاب" التي يحاول رباني ممارسته تجاه "الشرعية الدولية والمجتمع الدولي المعني بالملف الأفغاني المجتمع في بون في هذه الساعات". ويشير الديبلوماسي الايطالي الى أن "يونس قانوني يجد نفسه في ظرف عصيب للغاية، فهو من جانب يجد لزاماً عليه أن يتفق مع المجتمع الدولي في ايجاد صيغ الحكم الأفغاني ومن الجانب الآخر يواجه ضغطاً من قبل رباني الذي يعمل من أجل الحفاظ على موقع الزعامة والرئاسة في أفغانستان". وفيما يبدو شكلاً من أشكال المضاربة ورفع السعر في الملف الأفغاني فإن وفد "الجبهة المتحدة" يدرك جيداً انه "ليس مسموحاً له افشال هذا المؤتمر" الذي يعتبره الجميع "فرصة ذهبية تاريخية لن تتكرر"، لا سيما أن ثمة حاجة ملحة لإقرار صيغة وطبيعة الحكم في أفغانستان عشية انعقاد مؤتمر للدول المانحة في الخامس من هذا الشهر في برلين. ويرى ديبلوماسي ايطالي "إن وجود حكومة شرعية معترف بها أمر أساسي للبدء بانفاق الأموال والمساعدات التي خصصها المجتمع الدولي لإعادة اعمار أفغانستان". ويضيف: "ان عدم وجود هذه الحكومة يعني ارجاء العمل في برنامج المساعدات الدولية". وعما اذا كان التعامل من قبل المجتمع الدولي سيجري مع حكومة رباني ونوعية الطرق التي سيتم من خلالها ارسال المساعدات الانسانية، قال الديبلوماسي الايطالي: "تشكيل الادارة الجديدة هو الحد الأدنى الذي يمكن القبول به، وهو شرط أساسي لإيصال المساعدات المالية والمباشرة ببرنامج اعادة اعمار أفغانستان، وعلى عكس ذلك سيظل المجتمع الدولي يواصل ارسال المساعدات الانسانية الى أفغانستان من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بالضبط كما كنا نفعل إبان حكومة طالبان التي لم يجر الاعتراف بها أبداً". وعما إذا كانت حكومة رباني الحالية تعتبر بالطريقة نفسها التي اعتبرت بها حكومة "طالبان"، قال الديبلوماسي: "حكومة رباني معترف بها دولياً وفي الأممالمتحدة إلا اننا مجتمعون هنا في بون للخروج بحكومة وادارة جديدتين لتولي ادارة شؤون أفغانستان في المرحلة الانتقالية".