هنالك حاجة الى وقفة لاجراء حساب ولو بسيط لبعض مما جلبته القيادات الانفرادية النزقة على شعوب المنطقة. الحساب يجب ان يُجرى ليس ابتغاء الثأر ومحاكمة هذه القيادات المزعومة، بل الاهم من ذلك تلمس طريق للخروج من الحال الراهنة. ولكي لا نترك الامور تقال هكذا دون عنوان، يجب على القيادات الفلسطينية، على جميع فصائلها المختلفة، دون استثناء، ان تجتمع ليل نهار حتى تخرج، بصيغة مقبولة، على الشارع الفلسطيني اولا ثم على المجتمع الدولي ثانياً. لأنه من دون التعامل باستراتيجيا واضحة المعالم مع المجتمع الدولي، لن يصل الفلسطينيون الى اي مكان آمن. وللوصول الى صيغة من هذا النوع هنالك حاجة الى اختراق حاجز الخوف والوقوف صراحة امام الناس لقول الحقيقة مهما كانت هذه مُرة. يجب وقف حالة الانفراد في اتخاذ القرارات على الساحة الفلسطينية، لأن هذه الانفرادية المزمنة لا يمكن ان تكون صيغة لمجتمع عصري يريد ان يتحرر من الاحتلال الغاشم وان يتواصل مع العالم المحيط به. هنالك حاجة الى الحديث صراحة الى المجتمع الفلسطيني من جهة، والكلام صراحة الى الرأي العام العالمي من الجهة الاخرى، وفوق كل ذلك يجب وضع استراتيجيا للحديث الى الرأي العام الاسرائيلي الذي تتجاهله الزعامات السياسية والثقافية الفلسطينية الى درجة بلغت حد الفضيحة. في الكثير من الاحيان يبدو للمراقب ان الزعامات الفلسطينية لا تتحدث الى الرأي العام في العالم العربي اكثر مما تتحدث الى الرأي العام العالمي والاسرائيلي على وجه الخصوص، ناسيةً انعدام رأي عام في العالم العربي ذي الانظمة المستبدة. ان القيادات التي لا تولي الرأي العام الاسرائيلي اي اهتمام خاص، هي نفس القيادات التي تبدأ في اللحظات الحرجة باستصدار البيانات الموقعة واستجداء الرأي العام الاسرائيلي. والحال بالنسبة الى الفلسطينيين يجب ان تكون معكوسة، اي ان الحديث الاول يجب ان يكون مع الرأي العام الاسرائيلي، ومع القوى الاسرائيلية التي في وسعها التأثير على اتخاذ القرارات في اسرائيل. اذ انه، في نهاية المطاف، فقط مع هذه القوى يجب ان يبنى التصور للعلاقات بين الشعبين في هذه البقعة من الارض. هذا اذا كان الحديث عن حل يقسم البلاد الى كيانين وطنيين مستقلين حديثاً صادقاً اصلاً وليس مجرد لعبة فذلكات سياسية للفوز ببعض النقاط امام الرأي العام الدولي. الحديث الصريح للرأي العام الاسرائيلي ليس سهلاً، اذ يتطلب ذلك حديثاً صريحاً امام الرأي العام الفلسطيني اولا. ولما كان حديث من هذا النوع من قبل الزعامات الفلسطينية معدوماً تقريباً في الساحة الفلسطينية، ولانعدام الاستراتيجيا الفلسطينية الطويلة الامد، تصبح السياسات الفلسطينية مجرد خطوات ترقيعية لأزمات داهمة. غير انه ليس في وسع هذه الترقيعات الواهية ان تستر عورات الأزمة الجذرية في التفرد النزق باتخاذ القرارات. منذ حرب حزيران يونيو 67 تبدل عشرة رؤساء حكومة في اسرائيل، وحين رأى مناحم بيغن، على سبيل المثال، في العام 82 كيف اختلطت أوراق اللعبة في حرب لبنان وتزايد عدد القتلى من الجنود الاسرائيليين، قرر الاستقالة والاعتكاف في بيته فلم يخرج امام الرأي العام الاسرائيلي حتى يومه الاخير. هل هنالك زعيم عربي او فلسطيني يستقيل من منصبه طوعاً؟ الم يئن الاوان لايجاد قيادة جماعية فلسطينية تكون مسؤولة امام شعبها بعد كل هذه العقود من التدهور المتعاقب منذ النكبة؟ هل تبقى الامور على هذه الحال؟ للإجابة عن هذا السؤال هنالك حاجة الى خلق شجاعة اخلاقية، وكسر حاجز الخوف في صفوف الزعامات الثقافية والاجتماعية والسياسية الفلسطينية التي ما فتئت تنقل الشعب الفلسطيني من مأزق الى آخر خلال عقود من الزمن، من دون ان تفكر حتى بالاستقالة او طلب الاحالة على التقاعد.