مساء الثلثاء الماضي، اعلنت اسرائيل ان السلطة الفلسطينية بدأت "جدياً" بمكافحة الارهاب، واعتبرت ان من واجبها "مساعدة" السلطة فأقدمت فجر الاربعاء على قتل خمسة فلسطينيين في خان يونس… لم يقل اي ناطق اميركي طالما ان الولاياتالمتحدة هي "المراقب الدولي" الوحيد عبر الجنرال انتوني زيني ان اسرائيل ارتكبت عملاً ارهابياً، ولم تلقَ عملية القتل هذه اي ادانة ولم يطلب من ارييل شارون وعصابته بذل جهد مئة في المئة لوقف العمليات الارهابية. ومساء الثلثاء نفسه طلب زيني من اسرائيل التزام وقف الهجمات على السلطة الفلسطينية لمدة 48 ساعة لتمكين هذه السلطة من متابعة تنفيذ الاجراءات التي قررتها. كان هذا الطلب هو الخطوة الاكثر واقعية و"حكمة" من الجانب الاميركي منذ زمن طويل، باعتبار ان "وقف العنف" لن ينجح اذا لم يطبّق من الجانبين… ولم يقل اي ناطق اميركي بعدئذ ان اسرائيل لم تبالِ بما طلب منها، اي انها لا تتعاون مع المبعوث الاميركي. وبالتالي فلا احد يلومها، فهي "دولة" ويحق لها ما لا يحق ل"سلطة"، بما في ذلك ان لا تحترم اي اتفاق. بعد ظهر الاربعاء حصلت عمليتان انتقاميتان قتل فيهما عشرة اسرائيليين، فانطلقت الأبواق كلها تدين وتستنكر وتستهجن هذا الذي حصل. صباح ذلك اليوم لم يطلب اي مسؤول اميركي ولا حتى الجنرال المتقاعد نفسه شيئاً من شارون، وفي المساء طلب الجميع من عرفات ان يفعل المستحيل. باختصار، هناك ترخيص دائم لقتل الفلسطينيين، حتى لو كانوا اطفالاً او مدنيين لا علاقة لهم بالعمل العسكري، اما اذا قُتل اسرائيلي فلا بد ان تقوم القيامة. هذه معادلة سقيمة تتبناها الولاياتالمتحدة لحماية حليفتها وتفرضها على المجتمع الدولي. يصحّ ان نشكك في ان الادارة الاميركية وحكومة شارون تريدان فعلاً وقف العنف. فمثل هذا الهدف لا يتحقق بأن تتبنى واشنطن حرفياً ارادة مجرم مثل شارون، لأن الاخير برهن مراراً ان خطته هي تدمير السلطة الفلسطينية وليست العودة الى المفاوضات. فإذا كان المجتمع الدولي يتطلّع الى احياء عملية السلام، واذا كان الطريق الوحيد لذلك هو ما يسمى "وقف العنف" فإن هذا العنف هو اسرائيلي قبل ان يكون فلسطينياً. وهذا ما لا يرغب الاميركيون في فهمه وإدراكه، ولذلك فإن مهمة بيرنز زيني ستدور الى ما لا نهاية في حلقة مفرغة. فالاميركيون لم يجدوا اجابة عن السؤال: كيف يمكن ان تجبر طرفاً على وقف العنف اذا كان الطرف الآخر مستمراً في ممارسة العنف بتطرف غير مسبوق؟ وبالتالي: كيف يمكن زيني ان يضمن التزام السلطة الفلسطينية تنفيذ اجراءات ضد "الارهابيين" اذا كانت اسرائيل مصممة على تحدي هذه السلطة وتجاوزها؟ بعد شهور من التركيز الاسرائيلي على اعتبار الرئيس الفلسطيني مسؤولاً شخصياً عن العمليات، انتقلت حكومة اسرائيل الى استخلاص النتائج: طالما انه مسؤول فهو مرشح للاطاحة. هذا منطق شاروني شخصي ما كان لادارة جورج دبليو ان تسايره. ليس سراً ان عرفات يستطيع ان "يطبّع" الوضع الفلسطيني، ولكنه يحتاج الى مساعدة حقيقية، وليس شارونية. وليس سراً انه يستطيع معالجة الوضع من دون ان يتبع المنهج الاسرائيلي لهذه المعالجة. اما الامعان في تعجيزه فلا يعني سوى ان الاميركيين والاسرائيليين اختاروا سيناريو الفوضى في المناطق الفلسطينية. ما الذي يدعو واشنطن الى السير في خطة شارون لاطاحة عرفات طالما انها، على ما يقول العارفون، غير معجبة بشارون اصلاً؟ لا شيء يمكن ان يشحذ تطرف مجرم الحرب الاسرائيلي مثل التصريحات الاميركية المقززة التي تبرر جرائمه، ولا شيء يمكن ان يردع مجرم الحرب هذا اكثر من كلمة اميركية مسؤولة. من يبحث عن جذور العنف والتطرف يكون متعمداً التعامي والتغابي اذا لم يرَ جرائم شارون واكتفى برؤية رد الفعل الفلسطيني عليها.