رأى نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الاحد ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يؤخر قيام الدولة الفلسطينية بعدم وقفه العنف وعدم اعتقاله العناصر الفلسطينية الاسلامية المسؤولة عن تنفيذ هجمات انتحارية داخل اسرائيل. ولكن تشيني يفترض هنا افتراضين أولهما، وهو المتعلق بقدرة عرفات على وقف العنف، افتراض خاطئ بل تعجيزي لأسباب واضحة ليس أقلها أهمية استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي منهجياً مقار قوى الأمن الفلسطينية بغارات جوية وقصف بالصواريخ الى درجة ان هذه القوات التي يطلب منها اعتقال "مطلوبين" لاسرائيل باتت شبه مشتتة لا مقار لها. يضاف الى ذلك ان اسرائيل بحصارها للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية تعطل حركة قوات الأمن الفلسطينية من مكان الى آخر لأداء المطلوب منها. لكن العنصر الأخطر في افتراض تشيني ذاك هو ان عرفات يجب ان يوظف قوات أمنه لمصلحة اسرائيل وتنفيذ مطالبها، فيما لا يخفي شارون وقادته العسكريون واعضاء حكومته نيتهم هدم اركان السلطة الفلسطينية وتدمير مؤسساتها والتوغل في الأراضي الخاضعة لسلطتها من دون مراعاة للاتفاقات الموقعة. ويبدو ان تشيني لا يقرأ تصريحات شارون المنشورة في مطبوعات اميركية أو انه قرأها ولا يريد أخذها في حساباته. ذلك ان شارون نصب نفسه رئيساً لدائرة تعيين القيادة الفلسطينية أو اجراء تعديلات فيها كما يحلو له، وقد صرح لمجلة "نيوزويك" في عددها الصادر أمس بأنه "لم يقرر بعد هل اسقاط عرفات مناسب أم لا". وقال: "في هذه المرحلة لم نتخذ بعد هذا القرار" مضيفاً ان "من الصعب ... التوصل الى اتفاق مع عرفات الذي هو ارهابي حقيقي". اذن فالسطر الأخير عند شارون هو ان "عرفات ارهابي حقيقي". والواقع أبعد ما يكون عما يقوله شارون الذي هو الارهابي الحقيقي الذي هندس مذبحة صبرا وشاتيلا في العام 1982، وهو الذي وضع خطة تدمير السلطة الفلسطينية وخطة المذابح الصغيرة المتدرجة التي تنفذها حكومته ضد الفلسطينيين يومياً منذ وصوله الى الحكم في آذار مارس الماضي. وبالطبع فإن الاسرائيليين هم الذين اختاروا شارون زعيماً لهم ولو كان الخيار للفلسطينيين أو لقضاء دولي عادل لكان شارون سجيناً الآن بصفته مجرم حرب ومرتكب جرائم ضد الانسانية. ومن الواضح ان القيادة الفلسطينية تعي ان حكومة شارون اتخذت قراراً استراتيجياً بضرب السلطة الفلسطينية سواء امتثلت لمطالبها باعتقال عناصر وقادة من "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وغيرهما أم لم تمتثل. وليس أدل على ذلك من قول شارون نفسه ان قواته ستعتقل المطلوبين لاسرائيل اذا لم يعتقلهم عرفات، مع ادراك شارون بالطبع انه يقيد يدي عرفات بضرب الشرطة الفلسطينية عامداً متعمداً. وهدف شارون واضح جلي يتلخص في انه لا يريد التفاوض ليس فقط مع قيادة فلسطينية يرأسها عرفات وانما مع أي قيادة فلسطينية مطلقاً لأنه لا يتصور ان يأتي يوم يعيد فيه منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة كاملتين الى اصحابهما الشرعيين أو يفكك فيه أي مستوطنة يهودية زرعها في تلك الأراضي. قد يتصور اعادة أربعين في المئة فقط من الضفة من دون ان يزيل اي مستوطنة فيها أو في قطاع غزة، وهذا هو ما يتحدث عنه عندما يقول انه يقبل بقيام دولة فلسطينية. اما كلام نائب الرئيس الاميركي عن "تأخير" عرفات قيام الدولة الفلسطينية فهو ايضاً افتراض خاطئ خال من الموضوعية. ذلك ان شارون هو الذي يؤخر وقف النار ويعمل يومياً لتقويض السلطة الفلسطينية ومؤسساتها من اجل انهاء فرص تحولها مستقبلاً الى دولة. ثم ان الكلام الاميركي كله عن دولة فلسطينية يظل كلاماً مشبوهاً ما دامت اميركا تنتصر لاسرائيل في كل الاحوال، سواء كانت ظالمة أو مظلومة، ما دامت تسمح لها باستخدام أسلحة اميركية الصنع في قتل الفلسطينيين ودك مؤسساتهم وتخريب بيوتهم. لقد انضم الاميركيون الى ارهاب الدولة الاسرائيلي والوحشية الشارونية.