القبض على (6) مخالفين في عسير لتهريبهم (132) كجم "قات"    النصر يفوز بصعوبة على الرياض بهدف ساديو    بالاتفاق.. الهلال يستعيد الصدارة    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    لحظات ماتعة    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا عزاء للمهزومين في افغانستان
نشر في الحياة يوم 10 - 12 - 2001

يوم السبت 1/12 تم القضاء على تمرد قلعة جانغي الذي تباينت الآراء حول أسبابه والأسلوب الذي اتبع في التعامل معه. اذ وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية الأحداث بأنها مذبحة لا يمكن تبريرها وشبهتها بمذبحة ماي لاي التي ارتكبتها القوات الاميركية في فيتنام. هذا وان لم تبد صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية حكماً اخلاقياً، الا ان مراسلتها حول القلعة أحصت عشرات الجثث لمتمردين كانت ايديهم مربوطة الى الخلف. وأحصت مراسلة "الغارديان" اكثر من ستين جثة في فناء القلعة كانت أيديهم مربوطة الى الخلف. وقد دعت منظمة العفو الدولية "تحالف الشمال" والولايات المتحدة وبريطانيا الى فتح تحقيق عاجل في مقتل الأسرى الاجانب ومعظمهم من العرب والباكستانيين. اما الناطق الرسمي باسم المركز الصحافي الاميركي في اسلام اباد فرفض وصف الأحداث بأنها كانت مجزرة، وبرر انها كانت معركة فعلية، هذا على رغم التفاوت الكبير في عدد القتلى لدى الطرفين، حيث قتل معظم الأسرى البالغ عددهم ستمئة، بينما قتل من قوات تحالف الشمال حوالى العشرين. وعندما سئل وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد عن تمرد قلعة جانغي، أبدى استغرابه للمطالبة بفتح تحقيق في ملابسات المجزرة.
وقد بدأت خلفية أحداث هذه القلعة بعدما قررت قوات "طالبان" البالغ عددها حوالى ستة آلاف مقاتل في مدينة قندوز، آخر معاقل "طالبان" في الشمال الاستسلام، وقد ضمت هذه القوات ستمئة من المقاتلين الاجانب الذين ظل مصيرهم غامضاً ضمن اتفاقية الاستسلام لمقاتلي "تحالف الشمال". فقد سمح للافغان من قوات "طالبان" بالرجوع الى قراهم بعد تخليهم عن أسلحتهم، بينما تم نقل هؤلاء المقاتلين الاجانب بشاحنات الى قلعة جانغي قرب مدينة مزار الشريف، ولم يكن النقل منظماً، ولم يجرد الأسرى من أسلحتهم بشكل كامل.
وقد رأى بعض المراقبين بما في ذلك صحيفة "الحياة" ان استسلام المقاتلين الاجانب يثير عقدة لحكومات الدول التي ينتمي اليها هؤلاء. فقد كتبت بالعنوان العريض يوم الاحد 25/11 "استسلام قندوز يثير عقدة محاكمة مقاتلي القاعدة". وكان ذلك في اليوم نفسه الذي بدأ فيه التمرد. وقد تباينت الروايات عن أسباب التمرد إلا أنها اتفقت على ان ضابط الاستخبارات الاميركية مايكل سبان، الذي أرسل ليتحقق من انتماء الأسرى لتنظيم القاعدة ومدى قرب علاقتهم ببن لادن، أساء تقدير الأمور إما باستفزاز الأسرى أو انه قد أسيء فهم أوامره من قبل الأسرى. وقد بدأ التمرد بعدما أمر سبان الذي كان برفقة مصورين من وكالة الانباء باقتياد اثنين من الأسرى الى فناء آخر للاستجواب، والذي فهمه الأسيران على انه كان مسيرة الى ساحة الإعدام وأن الكاميرات تواجدت لتصوير اعدامهما، فما كان منهما الا أن هاجماه، واستطاع أحد الأسرى ان يفجر قنبلة في اللحظة التي رمى نفسه على سبان. وتمكن زميل هذا الضابط الاميركي من الهرب والاتصال بالسفارة الاميركية في اوزبكستان التي أرسلت الطائرات الاميركية التي قامت بإلقاء القنابل العنقودية على الأسرى في مواقع مختلفة من القلعة، حيث ظل كثير منهم مقيد اليدين طوال فترة التمرد، مما يدل على ان التمرد اقتصر على مجموعة من الأسرى وان الغالبية فوجئت بقصف الطائرات والمدفعية والصواريخ. ولم تتمكن هذه النيران الكثيفة من القضاء على مقاومة الأسرى بشكل كامل، فقامت قوات تحالف الشمال بصب الديزل في السراديب التي اختبأ الأسرى فيها. وكانت المفاجأة انه حتى بعد هذا، ظل بعض الأسرى على قيد الحياة، وخرجوا في اليوم السابع للتمرد من الفناء، بعدما تم اغراقه بتحويل قناة مياه اليه. وكان عددهم حوالى 85، خرجوا الى السطح منهكين، بعضهم جراحه خطيرة. كان معظمهم من العرب والباكستانيين والشيشان والأوزبك ومعهم اميركي واحد.وقد ساعد وجود أفراد الصليب الاحمر على تأمين حاجتهم الضرورية من الغذاء والدواء، والأهم من ذلك على تسجيل اسمائهم. وفي هذا اليوم نفسه قام الصليب الاحمر بدفن 175 جثة لبعض زملائهم الذين قضوا نحبهم في القصف.
دفعت ظروف القتال وفداحة الخسائر في الأرواح منظمة العفو الدولية الى طرح أسئلة عدة، من أهمها: 1- لماذا لم يتم نزع أسلحة الأسرى بالكامل بعد استسلامهم؟ 2- هل كان ممكناً ان يتم اخماد التمرد باستعمال قوة أقل؟ أي هل كانت كثافة النيران متناسبة مع الغرض المطلوب؟ 3- كيف تطلق النيران بكثافة على مجموعة من الأسرى أغلبها كان مقيداً؟ 4- هل سيلاحق الذين عبثوا بجثث الأسرى القتلى؟
فقد شاهد العالم كيف ان جنود تحالف الشمال لم يتوانوا عن خلع أسنان القتلى من الأسرى الذين انتشرت جثثهم حول القلعة.
لذا فقد شكلت المجازر التي ارتكبت في قلعة جانغي منعطفاً في رؤية العالم لسلوكيات الأطراف المتحاربة. فاستنكار جريمة ايلول سبتمبر ومعاقبة من كان وراءها لا يتطلبان ان يكون الضمير الانساني انتقائياً في حساسيته، والصورة التي سوّقت بكثافة بأن "كل أفراد قوات طالبان متجانسون في البأس والقسوة والتجربة ما هي الا صورة مركبة بعيدة عن الواقع". فبعض الأسرى الذين لقوا حتفهم لا تتجاوز أعمارهم السابعة عشرة، واوضحت المقابلات مع ناجين من هذا الجحيم ان كثيراً منهم في مقتبل العمر، وأنهم لم يلتحقوا ب "طالبان" إلا في تشرين الأول اكتوبر الماضي ومن دون اي خبرة قتالية. قدم هذا الشباب المسلم من مدن وقرى بعيدة جداً عن قندهار وقندوز وبلخ استجابة لوهم أصبح حلماً لديهم :أن يكونوا جزءاً من إمارة افغانستان الاسلامية، التي شكلت لهم نواة للمدينة الفاضلة، بعدما تشربوا في سن مبكرة ثقافة لاتاريخانية خارجة عن مسيرة الزمان، تزين لهم الموت وتنفرهم من الحياة.
لا شك ان هؤلاء الشبان يعطون صورة لشخصيات مأسوية، فقد تخلوا عن أهلهم وأوطانهم لينتهوا في مدينة قندوز، ليتخلى عنهم رفاقهم من الطالبان الافغان كانوا جاؤوا لنجدتهم. كان يمكن ان تكون حياتهم غير ذلك، وان يكونوا في بلادهم أطباء أو محامين أو عاملين. كان يمكن ان يكونوا فلاحين أو شعراء أو مهندسين أو فنانين. ثم كان يمكن ان تكون نهايتهم غير ذلك بعد استسلامهم في قندوز. ان يحقق معهم ويسجن بعضهم، وان يعاد تأهيلهم في ديارهم التي هجروها بحثاً عن أنفسهم أو عن وهم أصبح حلماً. كان يمكن ان لا تكون نهايتهم مقتولين، مربوطة ايديهم الى الخلف، تشوه أفواههم الساكتة أزاميل اخوانهم في الاسلام، خالعة اسنانهم الذهبية.
تناقلت وكالات الانباء الكثير عن مايكل سبان الضابط في وكالة الاستخبارات المركزية. ولد في ولاية الاباما الاميركية، والتحق بالوكالة منذ سنتين بعد خدمة ثماني سنوات في البحرية. لديه طفل واحد من زوجته الثانية شانون، واثنان من زواجه السابق، راتبه السنوي حوالى 50 ألف دولار. وصفه جيرانه بأنه كان رجلاً هادئاً قريباً من عائلته، وقيل ان مدينة ماناس بارك التي تعيش فيها عائلته كلها حزينة. التف أهلها جميعاً حول العائلة لمؤاساتها. هذا وستضاف نجمة على حائط خاص في مبنى وكالات الاستخبارات المركزية تخليداً لذكراه، لتنضم الى نجوم سابقة مخلدة ذكرى الآخرين الذين فقدوا في خدمة الوكالة.
وفي شمال افغانستان يستمر الصليب الاحمر في البحث عن الجثث في أطراف القلعة، ليدفن اصحابها بعيداً عن أهلهم الذين سيظلون لسنوات أو ربما لعقود حالمين برؤياهم، راجين ان يكونوا قد تمكنوا من النجاة بحياتهم، متمنين ان يكونوا على قيد الحياة، وأنهم يعيشون في أوزبكستان أو طاجيكستان، أو ان يكونوا قد عبروا الى الصين أو منغوليا. وستلتفت أمهاتهم الى أي كلمات تدعي بأن ابنها قد شوهد في جلال آباد أو اسلام آباد أو في الحرم الشريف. أما هؤلاء الأسرى الذين كتبت لهم حياة جديدة، بعد هجرة وحروب وأسر وتمرد وجوع وجحيم، فسيتبدد الحلم الذي عانوا المشقات لتلمس طريقه، وسيرجع المحظوظ منهم مخذولاً الى أهله، ولن يجدوا من يعزيهم بفقدان رفاقهم في قلعة جانغي. فلا عزاء للمهزومين في هذه الحرب.
* كاتب وباحث كويتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.