للوهلة الاولى تثير الاشارات الاخيرة الآتية من دمشق الكثير من الحيرة والاسئلة خصوصاً لدى مقارنتها مع خطوات سابقة اقدم عليها النظام السياسي في شكل متدرج منذ بداية السنة الجارية، من هذه الاسئلة: كيف يمكن تفسير اطلاق اكثر من مئة معتقل سياسي بعد مرور اسابيع على اعتقال عشرة من المعارضين السياسيين؟ ولماذا كان معظم المفرج عنهم من الاسلاميين، بل ان بعضهم كان من قيادة "الاخوان المسلمين" وشارك في التخطيط لانقلاب عسكري، في وقت تشن "مصادر امنية" حملة قوية على "وثيقة الوفاق" التي اصدرتها قيادة "الاخوان" في الخارج؟ كيف يمكن تفسير ذلك بالقياس الى ما قالته "اوساط مطلعة" بأن احد اسباب اعتقال المعارض رياض الترك هو "التناغم" الذي ظهر بينه وبين المراقب العام ل"الاخوان" صدر الدين البيانوني؟ بل، كيف يمكن قراءة اطلاقهم بعد ايام على تركيز اعضاء في "اللجنة الامنية" حديثهم مع اعضاء في "حزب العمل الشيوعي" قبل ساعات من اطلاقهم على خطر الاسلام السياسي، وتشددهم حيال "الاخوان المسلمين"؟ لماذا لم تذكر الصحف الرسمية الثلاث خبر صدور العفو بعدما كانت نشرت في العام الماضي خبر الافراج عن 600 معتقل سياسي؟ ولماذا تم تسريب الخبر الى صحيفة "الفداء" الحموية خلال زيارة وزير الاعلام عدنان عمران الى مدينة حماه؟ ما هو المعنى السياسي لقرار الرئيس بشار الاسد اصدار العفو في الذكرى السنوية ل"الحركة التصحيحية" التي تسلم بعدها الرئيس الراحل حافظ الاسد الحكم في العام 1970؟ بالنسبة الى المعتقلين السياسيين: هناك كلام عن احتمال صدور أحكام قاسية في حقهم تراوح بين السجن مدة خمس سنوات والاعتقال المؤبد، لكن في ضوء ذلك ما هي اسباب السماح للديبلوماسيين الاجانب والمراسلين بحضور جلسات المحاكمات؟ وكيف يمكن تفسير قرار هيئة الدفاع عن النائبين محمد مأمون الحمصي ورياض سيف دعوة رئيس البرلمان عبدالقادر قدورة عضو القيادة القطرية في "البعث" الحاكم ووزير الداخلية نائب الحاكم العرفي محمد حربة لتقديم شهادتيهما؟ وهل سيكتفي محامو الدفاع بطلب شهادة هذين المسؤولين الكبيرين ام انهم سيطلبون شهادات آخرين، خصوصاً في ضوء استناد الادعاء في ادلته على "تقارير امنية مغفلة التواقيع"؟ وهل "سيوافق" رئيس المحكمة القاضي جاسم محمد جاسم على حضور قدورة وحربة الجلسات المقبلة؟ وفي حال وافق، ماذا سيقولان؟ وما هي طبيعة الاسئلة التي سيوجهها القاضي وهيئة الدفاع؟ وما حدود القوة السياسية والقانونية التي ستحملها شهادة رئيس البرلمان ونائب الحاكم العرفي؟ لقد وافق القاضي جاسم على تسليم نسخة كاملة من ملف قضية سيف والحمصي الى هيئة الدفاع. لكن هل سيستمر الانفتاح والشفافية اللذان تتمتع بهما جلسات المحاكمة للنائبين الحمصي وسيف تكمل ما بدأته المنتديات الثقافية - السياسية؟ هل ستكون الشهادتان بمثابة نقاش بين الاصلاح والتشدد؟ في حال حصل ذلك، هل يمكن الاستمرار في هذا النقاش؟ هناك تقويم ايجابي للديبلوماسيين والمراسلين لسير الجلسات، وهناك تطور ايجابي في سير الجلسات واجراءاتها الشكلية ما شكل حصانة اضافية لها تماما كما حصل مع المنتديات، لذلك هل سيكون مصير هذه المحاكمات مماثلا لمصير المنتديات... بالاصطدام بجدار عدم القدرة على الاستمرار الى آخر الطريق. والانغلاق-الانكفاء؟ الايام وحدها هي القادرة على الاجابة عن معظم هذه التساؤلات، غير ان ما يمكن قوله الى الآن هو: ان تصادف اطلاق 600 معتقل في العام الماضي ونحو مئة في السنة الجارية وتزامن اغلاق سجن المزة العسكري في العام الماضي، والكلام عن اغلاق القسم السياسي من سجن تدمر العسكري مع ذكرى تسلم الرئيس الراحل الحكم يترجمان مصطلح -مبدأ "التجديد في ظل الاستمرارية" وان ما يحصل من انفتاح واصلاح "ليس انقلاباً على الماضي بل بناء عليه". لكن هذا بدوره يطرح تساؤلات كثيرة عن الحدود الفاصلة بين "التجديد" و"الاستمرارية"!