ربما لا أنتهي من كتابة هذه السطور، أو ينتهي القارئ من قراءتها حتى تكون وقعت عملية انتحارية جديدة ضد هدف اسرائيلي في الأراضي المحتلة أو اسرائيل نفسها، فقد أصبحت هذه العمليات الثابت الوحيد في وضع يتغير فيه كل شيء آخر باستمرار. هل تحتاج اسرائيل إلى عملية انتحارية اخرى، أو عشر عمليات، أو مئة، قبل أن تقتنع بأن اسلوبها في التعامل مع الفلسطينيين غير مجدٍ، بل هو يغذي التطرف من الجانبين، فيلتقي آرييل شارون وعصابته مع الفئات الفلسطينية المتطرفة في سعي مشترك لتقويض فرص السلام. شارون جاء الى الحكم قبل ثمانية أشهر وهو يعد الاسرائيليين بتوفير الأمن لهم، غير ان هذا الأمن انهار تماماً بين يديه. وهو لم يجد وسيلة لتحقيق الأمن سوى العودة الى سياسة الاغتيالات التي مارسها عندما كان مسؤولاً عسكرياً عن المنطقة الجنوبية في السبعينات. وجاء الرد عليه الشهر الماضي باغتيال الوزير العنصري رحبعام زئيفي، فكان أول وزير اسرائيلي يغتاله الفلسطينيون منذ تأسيس اسرائيل. وأعلنت حكومة شارون بعد قتل زئيفي أن دخول المناطق "ألف" سيخلق "وضعاً جديداً"، ثم زعمت انها اتخذت "خطوات حاسمة جريئة" ستأتي بنتائج "سريعة". وطبعاً لم يحدث شيء من هذا، على رغم أن الحكومة والجيش يقولان انهما يعملان على مكافحة "الارهاب" 24 ساعة في اليوم. اليوم وبعد ثمانية أشهر على شارون في رئاسة الوزارة الاسرائيلية يجد الاسرائيليون انهم من دون أمن أو سلام، مع اقتصاد منكمش الى درجة قيام تظاهرات ومواجهات مع العاطلين عن العمل. لعل المأساة في الوضع الحالي هي ان الاسرائيليين يعرفون أن شارون فشل، إلا أنهم يرفضون البحث عن بديل له أو لسياسته، فاستطلاعات الرأي العام كلها تظهر ارتفاع نسبة تأييده بين الناخبين، فكأن الاسرائيليين الذين يفترض فيهم ان يكونوا حسني التعليم واذكياء يتصرفون مثل حيوان "اللمنغ" بالقفز من على الصخر الى حتفهم في الماء. ويؤيد الاسرائيليون شارون وهو يفشل على كل صعيد ويمارس "لا سياسة"، فهو عالق بين قاعدته اليمينية المتطرفة واليسار داخل الائتلاف، وهو لا يستطيع ارضاء أي من الطرفين، وبدل أن يحل مشاكله مع ياسر عرفات، فهو يقضي وقته في مراقبة وزير الخارجية شمعون بيريز، وهذا يحتاج الى التفاوض مع رئيس الأركان شاؤول موفاز، قبل أن يتفاوض مع الرئيس الفلسطيني. أما المستوطنون فيكادون يقنعون أكثر الفلسطينيين اعتدالاً بتنظيم عملية انتحارية، وهم يعتدون على المواطنين الفلسطينيين بتواطؤ الجيش، وأحياناً بمساعدة مباشرة منه. وما تقوله جماعات حقوق الانسان الاسرائيلية عن المستوطنين كافٍ. إذا ترك الاسرائيليون والفلسطينيون وحدهم فهم سيسيرون نحو انتحار جماعي أو متبادل، وقد اثبت الطرفان انهما عاجزان عن طلب السلام وحدهما، ومن دون مساعدة خارجية أو ضغط كبير. هذه هي الحقيقة التي يجب ان تراها الادارة الاميركية، فلا حقيقة في المنطقة غيرها، وهي تعني أن تفرض الادارة على الطرفين التفاوض، ثم تساعد على اكمال المفاوضات، فلا يركب أي من الطرفين رأسه ليعود الى القتل، ثم تشارك مشاركة فاعلة في الحل، ولو اقتضى الأمر ارسال قوات اميركية ودولية للفصل بين الجانبين في البداية، والى ان تستقيم امور الدولة الفلسطينية. الرئيس بوش بدأ من النهاية في موضوع المفاوضات فهو قال ان دولة فلسطينية تعيش بسلام مع اسرائيل كانت دائماً في رؤية الولاياتالمتحدة. وزاد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان الدولة الفلسطينية هذه يجب أن تكون قادرة على البقاء. اذا كانت هذه هي النهاية، فما على الادارة الاميركية إلا أن تعود بخطواتها الى خلف، لتصل الى نقطة البداية، وهي المفاوضات. شارون يقول انه يريد أن يقود المفاوضات مع الفلسطينيين، وهو اذا فعل فالمفاوضات ستنتهي بالفشل حتماً. لذلك فالدور الاميركي المباشر والمستمر ضروري لانقاذ اسرائيل والفلسطينيين مما يدبر شارون والمتطرفون من كل جانب. والحل السلمي يفيد الجميع، بما في ذلك الدول العربية والولاياتالمتحدة نفسها، وقد سمع المسؤولون الاميركيون مباشرة من القادة العرب ان القضية الفلسطينية تبقى قضية العرب الأولى، وان من شأن حلها ان يحل أكثر من نصف مشاكل الولاياتالمتحدة في المنطقة، ان لم يكن كلها، فالحل سيمنع ارهابيين من نوع أسامة بن لادن، من ركوب موجة العطف على الفلسطينيين للخروج من الطريق المسدود الذي دخله بالارهاب الفالت من كل عقال ضد مدنيين أبرياء. في غضون ذلك، ستكون هناك عملية انتحارية اخرى وعمليات، قبل أن يقتنع الاسرائيليون بالحاجة الى البحث عن سياسة حقيقية لانهاء الصراع بشكل كامل يضمن عدم عودته.