طهران - "الحياة" - وضعت مواقف المحافظين والاصلاحيين في إيران تجاه الأزمة الأفغانية سياسة طهران على المحك لاستشراف آفاقها في شأن تطورات الحرب الأميركية في أفغانستان، ومصير العلاقة بين إيرانوالولاياتالمتحدة، في ضوء المستجدات الدولية التي خلفتها تداعيات التفجيرات في نيويوركوواشنطن. ويبدو أن سياسة "الحياد الايجابي" الإيراني تجاه العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان، يتجاذبها اتجاهان من دون أن تنعطف حتى الآن إلى أي منهما: الأول يدفع باتجاه مواقف أكثر تشدداً من الإدارة الأميركية بعدما أدت الأسابيع المنصرمة من الحملة العسكرية إلى ظهور واشنطن بمظهر ضعيف في أفغانستان، حيث يزداد عدد القتلى من المدنيين، ولا تلحق أضرار كبيرة بحركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن. وما يعزز هذا الاتجاه هو محاولة واشنطن إدارة الظهر إلى طهران في اقتراح الحلول لمستقبل أفغانستان، والتركيز الأميركي على الدور الباكستاني، إضافة إلى ازدياد احتمالات استقرار القوات الأميركية قرب الحدود الإيرانية، أي في دول آسيا الوسطى والقوقاز، واحتمال بقاء بعضها في أفغانستان. ويرى دعاة التصعيد، ومنهم وزير الدفاع الإيراني الأدميرال علي شمخاني، ورئيس القضاء هاشمي شاهرودي ومعظم شخصيات التيار المحافظ، ان رفع سقف الموقف الإيراني سيؤدي إلى تراجع واشنطن أمام طهران، خصوصاً في ظل حال الضعف الأميركي التي ظهرت خلال هذه الفترة. ويحبذ هذا الرأي أيضاً مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، الذي دخل على خط استبعاد أي احتمال لفتح حوار مع الإدارة الأميركية أو إقامة علاقات معها. أما الاتجاه الثاني، ويعبر عنه علناً بعض الشخصيات الاصلاحية، فيدفع باتجاه المرونة مع واشنطن، وعدم الاكتفاء بسياسة "الحياد الايجابي"، والسعي إلى فتح حوار مباشر مع الإدارة حول أفغانستان. لكن الهدف النهائي من هذا الحوار يبقى بالطبع إعادة العلاقات مع الولاياتالمتحدة. وجاءت التوصية بالحوار المباشر مع واشنطن عبر اللجنة البرلمانية الإيرانية الخاصة، المكلفة درس الوضع الأفغاني، لتعكس ذلك الاتجاه في شكل مؤسساتي. وحاولت اللجنة تمرير توصيتها في البرلمان للمصادقة عليها، كي تعطي زخماً لديبلوماسية حكومة الرئيس محمد خاتمي، لكن تدخل الرجل الأول في النظام، أي المرشد خامنئي قطع الطريق. وتفيد مصادر مطلعة أن خاتمي أخذ على بعض أنصاره تسرعهم في الدعوة إلى حوار مباشر مع الإدارة الأميركية، وتشير إلى أنه دعاهم إلى النظر في الأحداث الحالية بعيون إيرانية لا أميركية. ما يجمع الاتجاهان المتناقضان في إيران هو دعوتهما إلى ترك سياسة "الحياد الايجابي" أو "الحياد الفاعل"، والخوض في مرحلة أكثر جرأة في التعاطي مع الأزمة. ويتمسك خاتمي بموقفه الداعي إلى الاستمرار في السياسة الحالية، ويصف أداء الديبلوماسية الإيرانية بأنه جيد ومؤثر، مما يعني عدم التصعيد مع واشنطن وعدم المرونة لمصلحة "طالبان" أو مماشاتها. وهذا التوجه، أي الحفاظ على "الحياد الفاعل"، يؤجل الحديث عن الحوار المباشر مع واشنطن إلى موعد غير محدد، لكنه يترك الباب مفتوحاً أمام قنوات اتصال إيرانية - أميركية غير مباشرة، هي مجموعة دول 6"2 تضم إيران وأميركا وروسيا والدول المجاورة لأفغانستان، ومجموعة اجتماع جنيف تضم واشنطنوطهران ودولاً أوروبية وممثلي القوى الأفغانية، وقناة ثالثة تتمثل في اللقاءات التي يجريها مندوب إيران لدى الأممالمتحدة مع أعضاء في الكونغرس الأميركي طلبوا لقاء نواب إيرانيين. وشكلت زيارات الوفود الأوروبية والآسيوية أحدث قناة اتصال إيرانية - أميركية، ولا يمكن اغفال ايجابيتها لدى واشنطنوطهران. لكن الموقف الذي يشكل قاعدة الحد الأدنى المطلوب إيرانياً من أميركا هو خطوات "عملية" تثبت فيها تعديل سياستها. ومثل هذا التطور سيساعد الاصلاحيين وعقلاء التيار المحافظ في اتخاذ خطوات ايجابية، وترى مصادر ديبلوماسية أجنبية، تلعب دوراً أشبه بالوساطة، أن الرهان الأميركي العلني على الفريق الاصلاحي لشق طريق نحو إيران، يصطدم بهواجس المحافظين، مما يزيد الأمور تعقيداً. وفي ظل سيطرة قادة المحافظين على مفتاح الكلمة الفصل في العلاقة مع واشنطن، تبقى الأحداث المتوقعة رهناً بالسياسة الأميركية نحو إيران. إذ أن فرص تحقيق اختراق ايجابي في العلاقة بين الجانبين، تزداد يوماً بعد آخر، وتلزم كل الأطراف الإيرانية بالاجماع على نقطة واحدة: مفتاح العلاقات هو بين يدي الرئيس جورج بوش.