«فار مكسور»    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله أنس رفيق "أسد بانشير" يروي ل"الحياة" فصولاً من تجربته الأفغانية . قصة التقرير الذي يتهم مسعود ب"العمالة" وسجن العرب مع ... الحمير ! "مذبحة فرخار" تطيح جهود الشيخ عزام وتسقط حكومة المجاهدين الحلقة السادسة
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2001

} يكشف عبدالله أنس في الحلقة السادسة من تجربته الأفغانية قصة الاتهامات الموجهة الى أحمد شاه مسعود ب"العمالة". ويتحدث عن الجهود التي بذلها الشيخ عبدالله عزام لجمعه مع زعيم الحزب الإسلامي غلب الدين حكمتيار، وكيف وقعت "مذبحة فرخار" وأطاحت ليس فقط اللقاء بينهما، بل أيضاً حكومة المجاهدين برمتها.
عُدت الى باكستان بعدما حلت معركة الشمال بين المجاهدين في شكامش صلحاً. وعاد معي قاري السعيد وبقية العرب الذين التحقوا بأحمد شاه مسعود. إذ كان بعضهم سبقنا بشهور الى بيشاور للعلاج إثر إصابتهم في معركة مديرية النهرين، كما حصل مع "أبو عبيدة البنشيري".
صُدمت بما رأيت في بيشاور سنة 1987. شعرت بأن "مكتب الخدمات" لم يعد البيت الوحيد الذي يُشرف على تسيير شؤون العرب. كان "بيت الأنصار" قد تأسس، ووجدت نوعاً من الجرأة في أوساط العرب على الشيخ عبدالله عزّام. لم تعد له تلك الهيمنة المطلقة التي كان يملكها عليهم منذ بداية الجهاد. تكاثرت مضافات العرب وتزايدت أعدادهم. لاحظت ان تشكيلة ساحة العرب في بيشاور باتت تشكيلة أخرى. لكن الشيخ عبدالله بقي مُحتفظاً ب"مكتب الخدمات". بقيت معه شهرين أو ثلاثة ثم عدت الى مسعود.
بعد فترة من بقائي معه في فارخار، انتقلنا الى بانشير. هناك جمع مسعود عدداً كبيراً من قادة جماعته، من كل الشمال الأفغاني، للخضوع لدورة تدريبية. كانوا قرابة 70 قائداً. مدة الدورة عشرة أيام، سلّمني فيها جانب الوعظ الديني. وكان هناك ضابط يقدّم دروساً في الشؤون الاستراتيجية، وآخرون يُقدمون دروساً في شؤون مختلفة، في حين كان يعطيهم مسعود دروساً في تجربته القتالية. في اليوم الخامس للدورة، جاء اتصال باللاسلكي من الشيخ عبدالله عزام في بيشاور. وأخبرني مسعود ان رسالة الشيخ تطلب مني أن أحضر الى بيشاور "على جناح السرعة". ثم أضاف: لماذا لا تقول للشيخ عبدالله ان ينتظرك بضعة أيام فقط ريثما تنتهي الدورة. فقلت له: إذن سأبقى حتى انتهاء الدورة وأعود الى بيشاور.
ولكن في اليوم التالي تلقينا رسالة ثانية باللاسلكي من الشيخ تسأل: هل تحرّكت أم لا؟ وكان الرد أنني لم أتحرّك، وجاء الجواب بسرعة أن عليّ ان انطلق فوراً... فعدت الى بيشاور. وكنت أنزل عادة في منزل الشيخ عبدالله وأمضي معه معظم الوقت. شرح لي إثر وصولي سبب استدعائي. قال: هناك تقرير وقّعه 20 عربياً من الشباب الذين كانوا معك في الشمال، مفاده أن مسعود عميل، وفاتح مضافات للفرنسيات يسبحن في جبهاته وبين جنوده، وانه يقتل العرب، وهو عدو الجهاد في أفغانستان، وانه فتح سجناً يضع فيه العرب والحمير جنباً الى جنب. وأضاف: وقّع التقرير 20 عربياً. لكنني قلت لهم إننا أرسلنا شخصاً إلى مسعود ولم يذكر لي في يوم من الأيام هذه الأمور التي تتكلمون عنها. بل كل كلامه خلاف ما تقولون. فلا استطيع قبول شهادتكم إلا بوجوده.
وتابع: استدعيتك لهذا الغرض. لدينا الآن جلسة مُخصصة لهذا الأمر، فتعال وواجههم، فمعظمهم كان معك. توجهت إلى الاجتماع فرأيت أن بين الذين يتبنون هذه الدعاية قاري سعيد. لم يكن بين موقّعي التقرير سوى 3 أو 4 عاشوا معي عند مسعود. بعضهم رأى مسعود لساعات فقط، في حين ان بعضهم الآخر لم يره أبداً.
وكان بين الذي لفت انتباهي ان غالب الروايات التي أوردها موقّعو التقرير كانت تُوعز الى شخص اسمه محمد هارون هو أحد مُعدّيه. لفت انتباهي ان هذا الإسم يتكرر دائماً، فسألتهم: من بينكم محمد هارون؟ فهذا الإسم لم يمرّ عليّ. فرفع قارس سعيد يده وقال: أنا محمد هارون. فقلت له: كيف تريد ان تقدّم شهادة باسم آخر؟ فأنت معروف باسم قاري سعيد، لكنك تقدّم الشهادة باسم آخر لا يعرفه أحد. فإذا كانت شهادتك حقيقية لماذا لا تؤديها باسمك المعروف؟ وإن كانت شهادتك باطلة، فيجب ان تتحمل مسؤوليتك.
قلت له: هل رأيت ما تشهد عليه؟ أجاب: لا لم أر، لكنني سمعت. فقلت: أنت شاهد في التقرير، فكيف تنقل كلاماً بما سمعت ولم تر؟ لقد عشت معي في مناطق مسعود قرابة سنتين، فكيف تعتمد على ما يُقال لك؟ ومن الذي قال لك؟ أنت من يجب ان تقول للناس، لا هم من يقولوا لك.
دام النقاش قرابة ثلاثة أيام. وأذكر ان بين الاخوة الذين كانوا موجودين ووجّه اليهم الشيخ عزّام - رحمه الله - السؤال شقيق قاري سعيد واسمه عبدالرحيم وكان يعيش معي في الشمال. سأله الشيخ عبدالله: هل تؤيد انت هذه الروايات ضد مسعود؟ فرد: أنا الآن بين شقيقي وحبيبي والحقيقة. والحقيقة هي انني لم أر هذه الروايات كلها.
وأذكر ان بعد هذه الحادثة التقى قاري سعيد بمسعود واعتذر له عما بدر منه. لكنني اكتشفت ان التقرير تُرجم الى العربية والانكليزية والباشتونية والفارسية، كأن هناك أيادي أخرى حرّكت الأمر لتشويه صورة الرجل. وتبيّن لي أن وراء ذلك الاستخبارات العسكرية العليا الباكستانية ال"آي. أس. آي" بهدف تشويه صورة أحمد شاه مسعود.
عزام يزور مسعود
عندما كثرت الإشاعات ضد مسعود وكثر الكلام عليه بين قادح ومادح، قرر الشيخ عبدالله ان يزوره بنفسه ليطلع على حقيقة الأمر. فذهب في تلك الزيارة التاريخية التي قام بها برهان الدين رباني عام 1988 لقادته في الجمعية الإسلامية شمال أفغانستان. وكانت اول زيارة له بعد انقطاع دام 15 عاماً.
جال الشيخ عبدالله مع رباني في المناطق الأفغانية، والتقى مسعود وكنت أنا أتولى الترجمة بينهما. قال الشيخ عزّام في بداية اللقاء: أريد ان أقول لك إنني مررت بثلاث مراحل معك: الأولى مرحلة بغضك والدعاية ضدك وكنت أستقي فيها المعلومات من منافسيك الذين يقولون عنك انك فرنسي وتقوم بهذا الأمر أو ذاك. وكتبت ضدك رسالة صغيرة بعثت بها الى بيروت للطباعة، ولكن قدر الله ان ضاعت في الطريق بعدما تعرّض الأخ الذي حملها لحادثة. هذه الفترة الأولى التي مررت فيها ناصبتك العداء. اما المرحلة الثانية فكانت مرحلة التوقف في حقك، لا مدحاً ولا ذماً، وهي عندما زارك أخونا نور الدين أحد العرب الذين أُرسلوا الى مسعود ونقل إلينا صورة عنك. أما المرحلة الثالثة فكانت مرحلة حبك والاندفاع في نصرتك، وهي المرحلة التي جاءنا فيها عبدالله أنس بعد زيارته لك. اعتبرنا الآن أحبابك، وما قيل في حقك نعتبره كذباً.
وعاد الشيخ عبدالله الى بيشاور بعدما بقي معه قرابة شهر ونيف، ووضع كتيّباً بعنوان "شهر بين العمالقة" حكى فيه قصته مع مسعود. عاد الشيخ عزّام من بانشير والشمال الأفغاني مقتنعاً بأن الحل في أفغانستان لا يمر سوى عبر جمع أحمد شاه مسعود وغلب الدين حكمتيار. وكان التقى خلال جولته مع رباني قادة الحزب الإسلامي الذين دعوتهم الى مناطق مسعود. فجاؤوا على رغم الحساسيات بينهم وبين الجمعية الإسلامية.
جولة مع حكمتيار ومذبحة فرخار
صار التقارب بين حكمتيار ومسعود بالغ الأهمية عند الشيخ. وصادف ان قرر حكمتيار، بعد قرابة أربعة شهور أو خمسة من جولة رباني في شمال أفغانستان، ان يزور بنفسه مناطقه في الداخل. إذ انه كان على اتصال دائم بقادة الحزب الإسلامي على الجبهات القريبة من الحدود الباكستانية، مثل جلال آباد وخوست. لكنه كان منقطعاً عن كثيرين من قادته في عمق أفغانستان. وقد طلب حكمتيار من الشيخ عزام ان يرافقه في جولته مثلما رافق رباني. فوجوده لا بد من أن يُعطي بُعداً معنوياً مهماً للجولة، نظراً الى التقدير الكبير الذي يحظى به الشيخ في صفوف الأفغان. وبالفعل، دخل الشيخ مع حكمتيار مناطق الحزب الإسلامي في ضواحي كابول ومناطق الشرق. وكنت أُرافقهما في الجولة بناء على دعوة من حكمتيار.
وليس سراً ان الشيخ عزام كان يُراهن منذ فترة على جمع حكمتيار بمسعود. ورأى بلا شك ان الفرصة مواتية الآن، خصوصاً ان حكمتيار موجود في وسط افغانستان ولايتي باروان وكابيسا ومسعود في مقراته التي لا تبعد أكثر من يومين أو ثلاثة سيراً. ولكن كان عليه ان يُقنع أولاً حكمتيار بذلك. ففاتحه بضرورة حصول لقاء بينهما. وألح عليه مُثيراً الموضوع في كل يوم تقريباً. لكن بعض قادة الحزب سعوا الى ثنيه عن قبول الطلب وصاروا يهونون من شأن مسعود.
ودفع ذلك الشيخ عزام الى القول لحكمتيار في إحدى المرات: أريد ان أضرب لك مثلاً: الفرق بينك وبين بعض قادتك هو كأبناء بعث بهم أبوهم الى مكان بعيد يأتون منه بأمانة. لكن المكان بعيد ومخيف، فبدل القول لأبيهم إننا لن نذهب قالوا له ذهبنا وهم في الحقيقة لم يذهبوا. فبقيت الأمانة في مكانها، ولم يُصدِقوا أباهم. وأنتم لم تصدقوا حكمتيار في نتائج الخير التي يمكن ان يثمرها لقاؤه مع مسعود.
في النهاية، بعد جهد مضن اقتنع حكمتيار باللقاء، وأعلن موافقته عليه في أثناء وجوده عند الاستاذ عبدالصبور فريد، أكبر قائد في الحزب الإسلامي في كابول وضواحيها باروان وكابيسا وسالانغ. وكانت المنطقة التي يُشرف عليها الأقرب الى مناطق مسعود. فقال لي الشيخ عبدالله: لقد انتهت مهمتي الآن، فبيّض لنا وجهنا وأقنع مسعود باللقاء. فقلت له: لا تهتم. سأقنعه. وهو كان آنذاك في فارخار في ولاية تاخار، وتبعد عن امكان وجودنا مسيرة أربعة أيام.
حضّرت ملابسي وما احتاج اليه في سفري وتحركت. ولكن بعد ثلاث ساعات تلقيت اتصالاً باللاسلكي. قال لي الشيخ: إرجع. سألته: لماذا؟ قال: سأخبرك عندما تعود.
رجعت فرأيته جالساً مع حكمتيار. سألته: طلبت مني العودة وأنا في بدء الرحلة. قال: قبل قليل بث راديو ال"بي. بي. سي." ان 39 قائداً من الجمعية الإسلامية ذبحوا على يد سيد جمال قائد الحزب الإسلامي في شمال أفغانستان. كل الأمور التي رتّبناها انقلبت رأساً على عقب، وبوادر الصلح التي عملنا من أجلها تبخّرت.
حصلت تلك المذبحة يوم 9 تموز يوليو 1989. كان سيّد جمال، وهو قائد كبير في الحزب الإسلامي يتنافس مع المهندس بشير على قيادة المنطقة الشمالية، عقد صُلحاً مع قادة مسعود على ان يعبر منطقته مجاهدو الحزبين من دون حراسة. لكنه تحين الفرصة وخان العهد واستغل مرور قادة الجمعية من دون سلاح في منطقته، فذبحهم مثل النعاج واحداً تلو الآخر.
قال الشيخ عبدالله إن خبر المذبحة سيكون قاصماً لكل الجهود التي بُذلت للتقريب بين حكمتيار ومسعود. وتوجه الى حكمتيار قائلاً: ما الحل الآن؟ فرد: لا أعرف.
قال لي الشيخ: لن تذهب لوحدك الى مسعود، سأرافقك. فهذه كارثة كبرى، وإذا لم نستطع تداركها، فإن آثارها ستكون كارثة على الأفغان.
ثم طلب أن يُجهّزوا لنا الخيل وانطلقنا في اتجاه مناطق مسعود. وصلنا اليه بعد أربعة أيام في منطقة ورسج فبادر الشيخ عبدالله عندما التقاه: إنني أخاف على عبدالله أنس. فالمنطقة محتقنة، ويشعر الناس هنا بأنه السبب في الصلح الذي سمح للسيد جمال بالغدر بالمجاهدين.
قال الشيخ: يجب احتواء هذه المصيبة بأي ثمن، لأن ما سينبني عليها كله دمار. فرد مسعود: إنني في حرج كبير. أنت تعلم انه لو حدثت الكارثة في بانشير وتعرض قادتي هناك لمذبحة مثل هذه لتصرفت بالأمر لأنني بانشيري. أما ما يربطني بالقادة هنا في ولاية تارخار وفي الشمال فهو ارتباط حزبي، ولا ولاء شخصياً بيني وبينهم وبالتالي لا أملك أن أسمح بدمائهم. بل لو قلت لهم عفا الله عما مضى فأنا نفسي سأُطرد من الشمال ولن يعترف أحد بي قائداً. الأمر ليس في يدي.
ثم تحدث مسعود عن أن أحد قادته، ويدعى صفي الله، قُتل في مكمن للحزب الإسلامي، وان قادة بانشير أرادوا الانتقام له فمنعهم، قائلاً: إذا قتلتم مجموعة من الحزب الإسلامي لن يعود صفي الله. فقولوا رحمة الله عليه.
قال له الشيخ عبدالله عندذاك: إذن طبّق هذا النموذج على الوضع الآن. فأجابه: لا تنسَ ان صفي الله بانشيري وأنا تنازلت عن دمه. أما الآن فالمقتولون من تارخار وبادخشان، وما يربطني بهذه المنطقة فقط انني من الجمعية الإسلامية وهم منها. ولكن لا ولاء عرقياً أو قبلياً لي عليهم. الأمر صعب جداً. أنا نفسي حائر كيف اتعامل مع هذه الأزمة. إذا تركت الحبل على عنانه ستشتعل معركة لا يستطيع أحد وقفها. وإذا لم أردّ فإن ولائي سينتهي في الشمال.
عودة الشيخ ورد مسعود
ظل الشيخ عبدالله ثلاثة أيام يُحاول تهدئة الإجواء وتطويق الفتنة. لكن المنطقة كانت تعيش غلياناً. فجاءني مسعود وقال لي: أخ عبدالله، أنت تعلم أن مذبحة فرخار كارثة سمع بها العالم الإسلامي كله. والناس تعلم أن الشيخ عبدالله عزام موجود عندنا. فمن العيب الكبير أن رجلاً بهذه الهيبة والاحترام يكون موجوداً وتبدأ المعارك في أفغانستان ولا يستطيع وقفها. فهذا انتقاص من هيبته. وأنا لا استطيع وقف المعارك التي ستحصل. الأمر على وشك الانفجار حتى من دون أمري. هناك احتقان. لذلك لا أحب ان تشتعل الحرب وهو بيننا ولا يستطيع وقفها. فما رأيك لو أعدته الى باكستان.
أبلغت الشيخ بما حصل. فطلب ان تُجهّز لنا قافلة للعودة الى باكستان. ولكن قبل ان يغادر المنطقة طلب من مسعود تعهّداً. قال له: أريدك ان تعاهدني على ألا تتجاوز الحرب الجاني. فقال له مسعود: لك عليّ ذلك.
انطلقت قافلتنا في اتجاه الحدود الأفغانية - الباكستانية. ووصلنا بعد مسيرة أيام الى نقطة تشترال الحدودية. هناك سمعنا أن مسعود ردّ بالفعل على مذبحة فرخار، لكنه بقي وفياً لتعهدّه للشيخ عزام. إذ أن العملية التي بدأت مع صلاة الفجر واستغرقت أقل من نهار انتهت باعتقال المتهم بارتكاب المذبحة سيّد جمال وشقيقه سيد ميرزا وأحد أقربائهما.
عندما سمع الشيخ عبدالله بالخبر - وكان مصدره كالعادة في أفغانستان راديو ال"بي بي سي" باللغتين الباشتونية والفارسية - ركب سيارته وعاد الى بيشاور، في حين قفلت أنا عائداً الى الشمال.
وعلى رغم أن الرد انحصر بهؤلاء الثلاثة، إلا أن تداعيات مذبحة فرخار زادت من سوء علاقة الفصائل الأفغانية بعضها ببعض وأدت الى سقوط حكومة المجاهدين الموقتة التي شكّلوها بعد انسحاب السوفيات في 1989. وكانت تشكلت برئاسة صبغة الله مجددي في راوالبندي في بيشاور واعترفت بها السعودية في 10 آذار مارس 1989. ولكن لم تكد تمر شهور قليلة على تشكيلها حتى وقعت المذبحة في فرخار يوم 9 تموز يوليو. فأعلن برهان الدين رباني في احتفال تأبيني للضحايا في بيشاور، يوم 18 تموز، تجميد عضوية حكمتيار في حكومة المجاهدين، علماً انه كان مُكلفاً منصب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية. فرد حكمتيار في 5 آب اغسطس بإعلان حل الحكومة كلها، قائلاً إنها فاقدة الاعتبار.
سيّد جمال
رجعت الى الشمال وكانت بيني وبين سيد جمال صداقة. فهو عزيز قوم. أبلغني مسعود انه موجود في السجن ينتظر محاكمة العلماء، إذ كان يُصرّ على عدم قتل أحد ما لم يعرضه على القضاء. ذهبت اليه ووجدته والأغلال في يديه ورجليه. قلت لقاضي التحقيق: هذا قائد زرته في بيته مراراً وتكراراً يوم كان تحت إمرته ألفا مجاهد، فلا أحب ان أزوره في زنزانته، فهل تمانع في ان تأتي به الى مكتبك هذا لكي يبقى على شرفه أمامي على الأقل؟ فقال: لك ذلك. أتوا به بعدما نزعوا الأغلال من يديه ورجليه. تبادلنا التحية، وكان معنا شقيقه شاه ميرزا. طلبت من المحقق ان يتناول معنا الغداء أيضاً. فتغدينا. حزّ كثيراً في نفسي الذل الذي وصل اليه سيد جمال. كان مفروضاً ان توجه الجهود الى الخصم بدل الصديق. فقلت له انني سأبيت عنده في غرفة سجنه. وبت عنده فعلاً. لأنه صديق وزرته مراراً عندما كان قوياً عزيراً في منطقته.
قلت له: ما طلبك يا سيد جمال؟ أجاب: لو صرف عليّ مسعود 500 مليون دولار لما كان أسر قلبي كما أسره وأنا أسير عنده. إنني القى معاملة لا أحلم بها. إنهم يكرمونني تكريماً كبيراً.
سألته: وما هو طلبك غير هذا؟ أجاب: أريد قليلاً من اللوز والزبيب المجفف. فذهب واشتريت ما طلب من السوق.
ثم سألته: وغير هذا، ما هو طلبك؟ أجاب: قل لمسعود أن يطلق سراحي ويعطيني فترة أسبوع وأعدك بأنني سأقضي له على خصمه "الانجنيير بشير" القائد الثاني للحزب الإسلامي في شمال أفغانستان.
كان هناك تنافس بين بشير وسيد جمال على القيادة في الشمال الأفغاني. وبعد أسر سيد جمال، خلا الجو للمهندس بشير. وكتعويض طلب سيد جمال ان يُطلق مسعود سراحه ويمنحه اسبوعاً ليُحضر له بشير "حياً أم ميتاً".
قلت له: أنا مستعد لأي وساطة، أما أن أتوسط لك لكي تقتل مسلماً فأنا اعتذر. لا أوافق على خروجك من السجن إذا كان تبغي قتل مسلم.
وبقي سيد جمال في السجن قرابة خمسة شهور حتى صدر عليه الحكم في 24 كانون الأول ديسمبر 1989. بعد خمسة شهور من مذبحة فارخار في تموز، عُلّق سيد جمال وشقيقه وشخص آخر على حبل المشنقة في ساحة عمومية في تارخار. انتهت الأزمة في الشمال ولم تقع الحرب. لكن المذبحة خلّفت ظلالاً على علاقات المجاهدين، على رغم ان حكمتيار دانها ووصفها بأنها غدر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة