سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الله أنس رفيق "أسد بانشير" يروي ل"الحياة" فصولاً من تجربته الأفغانية . سألت الشيخ عزام من الرجل فأجاب إنه أسامة بن لادن ... لكنه لا يذهب إلى أفغانستان كان المجاهدون يأتون إلى باكستان للتدريب والتسلح ويعودون كالنمل لمقاتلة السوفيات الحلقة الأولى
يروي عبدالله أنس، أحد أوائل العرب الذين التحقوا ب"الجهاد الأفغاني"، تجربته في أفغانستان في حلقات تنشرها "الحياة" بدءاً من اليوم. يتحدث فيها عن قصة التحاقه بالجهاد في بداية الثمانينات، وتعرّفه إلى الشيخ الفلسطيني عبدالله عزام، الأب الروحي للعرب الأفغان والذي تزوج من ابنته لاحقاً، ثم انتقاله الى داخل أفغانستان والتحاقه بأحمد شاه مسعود، "أسد بانشير" وتحوله على مدى سنوات "اليد اليمنى" له. أُعلن الجهاد في أفغانستان إثر دخول القوات الروسية هذا البلد عام 1979. لكن المعركة الأولى لم تبدأ في ذلك العام. إذ ان الجهاد الأفغاني مرّ بمرحلتين: الأولى مرحلة قيام "الحركة الإسلامية" في جامعة كابول بزعامة برهان الدين رباني والبروفسور عبد الرسول سياف وغلب الدين حكمتيار والمهندس حبيب الرحمن والمهندس أحمد شاه مسعود. ثار هؤلاء على نظام داود، ولكن لم يُكتب لهم النجاح. اتفقوا بعد فشل حركتهم مع ذو الفقار علي بوتو، الزعيم الباكستاني، على ان يقوّيهم ويساعدهم في الرجوع الى داخل بلادهم لمقاومة نظام داود الذي كان وصل الى السلطة بإنقلاب عسكري على الملك ظاهر شاه عام 1973. وهكذا التقت مصلحتان: مصلحة الأفغان المسلمين الذين يريدون مقاومة النظام الشيوعي، ومصلحة بوتو الذي أراد ان يحارب النظام في كابول من خلال هؤلاء لمصالح حدودية. إذ كان يريد ان يُحقق مصالح البشتون في المنطقة التي يسكنونها والمعروفة باسم بشتوشستان. لكن الأمة لم تكن مشاركة في الجهاد الأفغاني في تلك الفترة لأنه كان لا زال جهاد نخبة تمثلت في "الحركة الإسلامية" ضد داود والشيوعيين الذين استولوا على السلطة آنذاك. لكن داود استطاع تقريباً القضاء على الحركة، وانتهى الأمر بقادتها، مثل حكمتيار ورباني ومسعود، لاجئين في بيشاور، قرب الحدود الباكستانية - الأفغانية. ظل الأمر على هذه الحال حتى وقوع الإنقلاب على داود ومقتله. عندها دخل الروس أفغانستان بدباباتهم في 1979، فكانت الشرارة التي فجّرت الشعب الأفغاني ثورةً على "الروس الملاحدة" الذين احتلوا بلاده. وكان يُقال في ذلك الوقت ان موسكو تريد ان تضم أفغانستان الى الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى المنضوية تحت لواء الاتحاد السوفياتي. في حين ذهبت تحليلات أخرى إلى ان السوفيات يريدون الوصول الى "المياه الدافئة"، أي الخليج حيث منابع النفط. حرّك دخول الروس الرأي العام الأفغاني، من العلماء الى المواطنين العاديين. فهب الشعب كله هبة رجل واحد لإسقاط الحكومة الشيوعية بقيادة تاراقي في كابول. ووجد ذلك صدى لدى الرأي العام الباكستاني، وامتد الى صفوف الأمة الإسلامية قاطبة. كما وجد، لأسباب أخرى، قبولاً لدى الأميركيين والغرب عموماً. وهكذا، عندما تورط الاتحاد السوفياتي في المستنقع الأفغاني شاركت جهات عدة في مقاومته، ولكن كل واحدة منها كانت تقاومه لهدف معيّن خاص بها. في تلك الأجواء، عندما كانت القضية الأفغانية تحظى بدعم واسع في صفوف الأمة الإسلامية، كان هذا العبد الضعيف عبد الله أنس المولود سنة 1958 يعيش في زاوية من زوايا الجزائر. كان إمام أحد المساجد في بعلباس، غرب البلاد. تحمس إلى فكرة الجهاد. رأى ان قضية أفغانستان هي قضية شعب يُدمّر، ودولة إسلامية تكاد تُلحق بالجمهوريات الأخرى في آسبا الوسطى التابعة للاتحاد السوفياتي الشيوعي. هذه كانت الدوافع الكبرى التي حرّكت عندي الرغبة في دعم الجهاد الأفغاني. لكن هناك سبباً آخر مباشراً ساهم في دفعي الى المشاركة فعلياً عام 1983. إذ انني دخلت في يوم من أيام ذلك العام مكتبة عامة في مدينة بلعباس ووجدت عدداً من أعداد مجلة "المجتمع". ووجدت لدى تصفّحي صفحاتها الداخلية فتوى للدكتور الفلسطيني عبدالله عزام تنص على ان الجهاد في أفغانستان "فرض عين" على الأمة الإسلامية. لم يكتفِ بالفتوى من عنده، بل حوّلها الى علماء آخرين لتأييدها، مما يجعل لها صدى أوسع في الأمة. وصادقت عليها فعلاً مجموعة من العلماء أذكر منهم الشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين والشيخ القرضاوي وعبدالله ناصح علوان والشيخ حسن أيوب. بعد قراءتي تلك الفتوى قررت ان استجيب لها، وكان ذلك أواخر 1983. كنت قررت سابقاً أداء العمرة مطلع 1984. فعقدت العزم على ان أذهب الى المملكة العربية السعودية وانتقل من هناك الى أفغانستان. اللقاء الأول مع الشيخ عزام التقيت قدراً في مكةالمكرمة الشيخ عزام. رأيت رجلاً كما قال عنه أحد الشعراء في الخليج بعد استشهاده رحمه الله: "طلعة يوسفية، وعزم عُمري، وحُسام خالدي". كان فعلاً يتميّز بجمال رزقه الله إياه، وصاحب عزيمة لا تلين. كما انه كان حاسماً بتبنيه الجهاد وتحريكه الأمة في سبيل ذلك. رأيت الرجل من بعيد. إقتربت منه، وكان يتضلع من ماء زمزم في مكة. قلت له: هل أنت الشيخ عبدالله عزّام؟ كنت رأيته في صورة من قبل، ولكن لم يتأكد لي انه هو. فرد: نعم، أنا عبدالله عزام. وكان معه أبناؤه الثلاثة، محمد وحذيفة وابراهيم، وكان عمر ابنته التي صارت زوجتي في 1990، نحو خمس سنوات. لكنني لم أكن أعرف ان القدر سيجمعنا لاحقاً، بعد أكثر من عشر سنوات. قلت له: قرأت في مجلة "المجتمع" الفتوى التي عرضتها على العلماء ووافقوا عليها وفحواها ان الجهاد في افغانستان "فرض عين". أجابني: نعم، نحن أفتينا بذلك. فقلت له: إذا أراد شخص ان يذهب الى افغانستان، فما الذي عليه ان يفعل؟ أجاب: الأمر بسيط جداً. إنني موجود هنا الآن لفترة قصيرة وسأعود الى إسلام آباد بعد أسبوع. هذا رقم هاتفي في العاصمة الباكستانية. اتصل بي إذا جئت الى باكستان وسأربطك بقادة الجهاد في أفغانستان. لم يكن الشيخ عزام يومها انتقل نهائياً الى بيشاور للمشاركة في الجهاد. إذ كان لا يزال استاذاً جامعياً في إسلام آباد. وكان يُقسّم وقته ثلاثة أيام يجمع فيها كل محاضراته في جامعة إسلام آباد، وينتقل الى بيشاور لثلاثة أيام أخرى يمضيها بين قادة الجهاد ويتعرّف عن كثب إلى عُمق القضية الأفغانية. قال لي: هل تحتاج الى شراء تذكرة للنزول الى إسلام آباد. قلت له: الحمد لله، عملتُ هنا مرشداً للحجاج وأعطوني راتباً يكفي لشراء تذكرة وتجهيز نفسي. فقال: إذن، هذا رقم هاتفي، وإنني في انتظارك، إن شاء الله، عندما تصل الى إسلام آباد. الرحلة الى باكستان بعد 15 يوماً اشتريت تذكرة للسفر على متن الخطوط الجوية الكويتية. سافرت من السعودية الى كراتشي. وأذكر انني صُدمت بما شاهدت. فما ان نزلت الى المدينة حتى رأيت أموراً عجيبة لم أكن أتوقعها. كنت أمشي في الشارع ويمشي معك كل ما خلق الله. ترى واحداً ينام في الشارع. ترى "المرسيدس" بموديلها الأخير تعبر الشارع والى جابنها بغل! ترى رجلاً يتسول في الطريق والى جانبه آخر يرتدي بذلة وثالثاً يفترش الرصيف محوّلاً إياه مكاناً لتناول الطعام! كان مشهداً لم أره في حياتي. ومهما قيل في الجزائر، فإن الأمر فيها لم يكن أبداً على هذه الدرجة من السوء. تعجّبت للأمر، وشعرت يومها بغربة شديدة. كل شيء جديد عليّ. لا أعرف اللغة الأوردية ولا الانكليزية، إذ ان الثقافة في الجزائر فرنسية. وبقيت في كراتشي أقل من يوم. وتمكنت من شراء تذكرة عبر طائرة أخرى الى إسلام آباد. عندما هبطت فيها كان الوقت مساء. اتصلت بالشيخ عزام، رحمه الله، على الرقم الذي اعطاني إياه. قلت له: هل تذكر "أنس الجزائري" الذي قابلك قبل أسبوع في زمزم، وأعطيته رقمك؟ أريد ان التحق بالجهاد في أفغانستان. رد عليّ: هل تعشيت؟ قلت له: لا. فقال: سأنتظرك على العشاء. ركبت سيارة أجرة من المطار الى بيته في حي الاستاذة في إسلام آباد، وهو حي راق. استغرقت الطريق قرابة 20 دقيقة. عندما دخلت عليه، وجدت مجموعة من الشباب. إذ كان بيته يعج الزوار، سواء من طلابه او من الشباب الذين يريدون ان يستفتونه في العلم. قال لي بعد العشاء: لا اعتقد بأنك إذا نزلت لوحدك الى بيشاور ستستطيع التعرّف إلى مكاتب المجاهدين، سواء حكمتيار او رباني او سياف. إنني سأنزل اليها بعد يومين وسآخذك معي. اللقاء مع أسامة بن لادن في اليوم الذي سبق نزولنا الى بيشاور، شاركت في غداء عند الشيخ. كان يتغدّى معنا رجل لم أكن قد رأيته في اليومين الماضيين اللذين أمضيتهما عند الشيخ. كانت تلك المرة الأولى التي أراه فيها. ولا أعرف هل كان وصل لتوه الى إسلام آباد، أم كان فيها. لكنني لم ألحظه سوى على الغداء. عرّفني الشيخ عزام وقتها بضيفه قائلاً: هذا "أبو عبد الله" أسامة بن لادن، وهو من الشباب الذين يحبون نصرة الشعب الأفغاني. تعرّف أحدنا إلى الآخر في تلك الجلسة، لكنه كان تعارفاً سطحياً. ولم أره في تلك الفترة سوى على الغداء، إذ انه لم ينزل معنا الى بيشاور. سألت الشيخ عزام عنه، فقال لي انه لا ينزل الى افغانستان، إذ يأتي من جدة ويمضي هنا يوماً أو يومين ثم يعود الى المملكة العربية السعودية. ولم أحاول ان أساله لماذا، لأن الأمر لم يكن يعنيني ولم تكن له أهمية كبرى. سافرنا الى بيشاور في اليوم التالي. نزلنا في طائرة صغيرة أنا والشيخ عزام، وزوج ابنته الكبرى، ومهندس معماري كان يريد أن يعرض خدماته على المجاهدين. وصلنا ليلاً، واستقبلنا مكتب الشيخ سياف الذي كان في ذلك الوقت أمير "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان" بعدما فوّضت إليه فصائل المجاهدين تمثيلها. عرّفنا الشيخ عبدالله إلى الشيخ سياف الذي قال: ستذهبون الآن معنا. في القضية الأفغانية حتى الآن 12 عربياً وأنتم ثلاثة فأصبحتم 15. نعم، كان هذا عدد كل متطوعي الأمة الإسلامية في الجهاد الأفغاني في تلك الفترة. انتقلنا في البداية الى قرية بابي وكان فيها، الى جانب الأفغان، 12 عربياً أذكر بينهم "ابو الجود العراقي" وشقيقه. قدّمني الشيخ عبدالله اليهم، كما قدّم عربيين آخرين. وكانت بابي خاضعة للشيخ سياف وفيها مخيم اسمه "مخيم البدر". وبانضمامنا نحن الثلاثة الى هذا المخيم، صار عدد العرب فيه 15. وكنا جميعاً "ضيوفاً"، إذ ان المخيم هو للأفغان. وكان الشيخ هو من أعطاني في تلك الفترة إسم "عبدالله أنس". كنت أُطلق على نفسي من أيام الجزائر إسم أنس إعجاباً به، على رغم ان إسمي هو بوجمعة. ولكن في بيشاور، صار الشيخ يُقدّمني إلى المجاهدين قائلاً هذا "أنس. هذا عبدالله أنس". قال لي: عبدالله أنس؟ فقلت له: لا بأس. عبدالله أنس. في اليوم الثاني، كان الشيخ عبدالله عزام يبيت عند الشيخ سياف. وكنا نحن في المخيم على وشك البدء بصلاة العشاء. قدّمني المجاهدون، فصلّيت فيهم صلاة العشاء. وكان مكبّر الصوت يغطي القرية بأسرها. بعد نصف ساعة من انتهاء الصلاة، فاجأنا الشيخ عبدالله والشيخ سياف بدخولهما المعسكر. قال الشيخ عبدالله: من صلّى بكم العشاء؟ فرد أحد الشباب: الجزائري هذا. فتوجه الى الشيخ سياف: ألم أقل لك إن هذه التلاوة ليست تلاوة أفغانية. فردّ سياف مازحاً: أوتظن أن الأفغان جُهال لا يقرأون القرآن وأنتم العرب فقط من يستطيع قراءته؟ ثم أضاف: استمر في الصلاة في الشباب. وهكذا بدأت أصلّي بهم. لكنني كنت أعرف انني لم آت لأجلس في بيشاور. كنت أريد مشاركة فعلية في الجهاد، وان اتعرف إلى أفغانستان وما يدور فيها، وما الذي يمكن ان نقدّمه. طبعاً، كان للسن دوره، إذ لم أكن تجاوزت 24 عاماً وكنت ممتلئاً حماسة. تدربنا في معسكر بابي على السلاح بطريقة تؤهل واحدنا للقيام بعمل عسكري داخل أفغانستان. كانوا يعطون المجاهد رشاش كلاشنيكوف ويدربونه على طريقة استخدامه في حال تعرّضت قافلة المجاهدين لمكمن روسي. لكنه لم يكن تدريباً عسكرياً محترفاً كالذي يُعطى في الكليات الحربية. كانوا يُعلموننا المبادئ الأساسية لئلا نقع في الأسر. لكن هذه الأمور كنت أعرفها أصلاً لأنني أديت "الخدمة الوطنية" في الجيش الجزائري. بعد شهرين من وجودنا في قرية بابي، زارنا الشيخ عبدالله وقال: يا شباب، نريد الآن أن نوزّعكم في داخل أفغانستان. نريدكم على شكل جماعة التبليغ. لكن خروجكم سيختلف عن خروج هذه الجماعة. نريدكم ان تخرجوا الى داخل الولايات الأفغانية لكي نعرف حقيقة ما يدور فيها. إذ كانت الصورة آنذاك تلك التي ينقلها الإعلام الغربي. وهذا بالفعل ما تحققت منه بنفسي. إذ كنت العربي الأول الذي يصل الى مزار الشريف في شمال أفغانستان، لكنني عندما وصلت وجدت مجموعة من الفرنسيين سبقتني الى هناك بأربع سنوات. كم هم متقدمون على الأمة الإسلامية، حتى في قضاياها! وأوضح الشيخ عزام للشباب أن من يريد الدخول الى أفغانستان "فهذه فرصته"، إذ ان هناك قوافل للمجاهدين تتأهب للتحرك الى الداخل، ويمكن ترتيب دخول من يرغب من العرب ضمن هذه القوافل. وأضاف: من يريد منكم ان يخرج لشهر أو لستة شهور فله ذلك. انتم من يختار المناطق التي تريدون الذهاب اليها. أمامكم المناطق الحدودية، أو المناطق الغربية، أو الشرقية، أو الشمالية. فكنت أنا من الذين رفعوا أيديهم، وقلت إنني اريد المناطق الشمالية البعيدة على حدود الاتحاد السوفياتي. فقال لي الشيخ عبدالله، وكان معه أحد العلماء الأفغان ويدعى مولوي عبد العزيز، وهو من مزار الشريف، إن قافلة ستتحرك الى شمال أفغانستان، وتحديداً مزار الشريف، بعد عشرة أيام. وطلب مني أن أُجهّز نفسي للالتحاق بها. كانت قوافل المجاهدين تأتي من داخل أفغانستان. يأتي المجاهدون بالمئات، وأحياناً بالآلاف، من دون سلاح. ثم تتولى الحكومة الباكستانية الإشراف على تسليحهم وتدريبهم. وكان المجاهدون يتوزعون على سبعة أحزاب أكبرها إثنان: الحزب الإسلامي بزعامة غلب الدين حكمتيار والجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني. وكان هذان الحزبان القوة الضاغطة الأساسية داخل افغانستان. بعد أن ينتهي تدريب المجاهدين وتسليحهم داخل باكستان تبدأ الرحلة الى الداخل. كانت كل قافلة تضم 200 - 300 مقاتل. كانوا يعودون "مثل النمل": هذه قافلة جيلاني، وهذه قافلة محمد نبي، وتلك قافلة حكمتيار، وهذه قافلة سياف. وكانت هذه القوافل تسير طبعاً في ظل قصف عنيف يمارسه الروس الذين يحاولون قطع الطرق على المجاهدين. لكن لم يكن ذلك ممكناً، فالشعب كله هب للجهاد. كانت القافلة المتوجهة الى مزار الشريف تابعة للجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني. ومن بين أفرادها كنا نحن العرب فيها ثلاثة فقط: السوري أبو أُسيد، والكويتي ضياء الرحمن، وأنا. توجه الشيخ عبدالله إلينا قبل انطلاقنا في القافلة وقال: تعلمون أن الأفغان يُقاتلون عدوهم الآن في شكل أحزاب، وليس تحت راية حزب واحد أو جيش واحد وقيادة واحدة. هم أحزاب، ولا نُحب ان تتأثروا بحزب على حساب الآخر. ثم أعطاني رسالة وأمّرني على المجموعة وقال لي: ما أن تصل الى مزار الشريف، في اليوم الثالث او الرابع، بحسب ما تُيسّر لك ظروفك، لا بد من أن تزور "أمير" الحزب الإسلامي في المنطقة. فالولاية لا تكون خاضعة فقط لحزب واحد وإنما لكل الأحزاب. هناك شخص إسمه مولوي عبدالسلام. يجب ان تذهب لزيارته لئلا يظن أن العرب يقفون مع حزب ويهملون حزباً آخر. نحن ضيوف على الشعب الأفغاني كله. فإذا بتنا ليلتين عند الحزب الإسلامي يجب أن نبيت ليلتين عند الجمعية لئلا نُحسب على طرف. حفظنا هذه التوجيهات وذهبنا. وضعونا في قافلة وكان الشتاء على الأبواب.