وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    يوم مجيد لوطن جميل    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    بلادنا مضرب المثل في الريادة على مستوى العالم في مختلف المجالات    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتجار بأطفال من لبنان وعمليات التبني الغامضة... "الحياة" تفتح ملفاً لم يقفله توقف القتال . مستشفى في بيروت وأطباء ورجال دين ضالعون في تسفير الأطفال الى أوروبا 2 من 3

من يرغب في اعادة تتبع الأوضاع التي جرت عمليات التبني في ظلها منذ بداية سبعينات القرن الفائت وصولاً الى منتصف ثمانيناته في بيروت، عليه ان يطرق أبواباً عدة، اذ لا يبدو ان عمليات التبني و"شراء الأطفال" قد تمت بأسلوب واحد. فبعض العائلات المتبنية لجأت الى دور الأيتام والى المحاكم الانجيلية، وبعضها الآخر توجه مباشرة الى مستشفيات ذاع صيتها في ذلك الوقت في بيروت واشتهر نشاطها في مجال بيع الأطفال وربما سرقتهم. وبين هذين النموذجين ثمة أساليب اخرى سنعرض لبعض منها في هذا السياق.
والتبني عبر المحكمة الانجيلية لا يعني بالضرورة التقيد بقوانين التبني الرسمية، فالوصول الى المحكمة كانت تسبقه اجراءات ترتسم حولها الكثير من علامات الاستفهام. الأوراق التي في حوزة الشباب والشابات المتبنيات، والتي زودهم بها أهلهم الذين تبنوهم توضح الكثير من جوانب عمليات التبني، لكنها أيضاً تثير الكثير من الشكوك. كما ان بعضها الآخر يثبت حجم التزوير الذي رافق الكثير من عمليات التبني.
ربما من المفيد هنا إيراد تفاصيل أوراق قضية شابة متبناة. واسمها الهولندي أنيميك التي سبق ذكرها في الحلقة الأولى من هذا التحقيق. روت هان، والدة انيميك، انها كانت تعمل مع زوجها في المملكة العربية السعودية عندما حدّثها صديق لها كان يعلم بعدم مقدرتها على الانجاب ان في امكانها تبني طفل من لبنان.
جاءت هان وزوجها الى بيروت وتوجها الى مستشفى الجامعة الاميركية ولكنهما لم يجدا من يساعدهما هناك، وتضيف والدة أنيميك: "نصحونا بعد ذلك بالتوجه الى مستشفى "الأشرفية"، حيث التقينا مدير المستشفى الذي أبدى استعداده لتلبية طلبنا. عدنا الى المملكة السعودية وبعدها اتصل بنا هذا الشخص وقال انه عثر لنا على طفلة. جئت بادئ الأمر لوحدي فأدخلني طبيب من المستشفى الى غرفة فيها مدة ثلاثة أيام، وفي هذه الأثناء حضر زوجي، وخرجنا من المستشفى وبحوزتي الطفلة، وإفادة من المستشفى والطبيب تؤكدان انني أنجبت أنيميك فيها. وبعد ذلك قمنا زوجي وأنا بتسجيل الطفلة في القنصلية الهولندية على أساس انني والدتها الطبيعية". ولم تعد هان تذكر المبلغ الذي دفعته لقاء ترتيب هذه العملية، ولكنها قالت ل"الحياة" إنهم ربحوا منها بعض المال.
التقرير الذي يثبت ان أنيميك الإبنة الطبيعية للعائلة الهولندية، هو في حوزتها الآن، وهي زودت "الحياة" بنسخة منه، والطبيب الذي أعطاه هو الدكتور ادمون ق.، اختصاصي في الأمراض الداخلية، والجراحة العامة في مستشفى الأشرفية البرنس سابقاً كما وقع الطبيب تقريره. والنص هو "أنا الموقع أدناه الدكتور ادمون ق. أصرح بأن السيدة كيفن هان زوجة السيد هنس ادوارد وكلاهما من الجنسية الهولندية وضعت في مستشفى الأشرفية طفلاً أنثى بتاريخ 13/3/1974 وهي تمتاز بصحة جيدة".
"الحياة" وبعد أكثر من 25 سنة على الواقعة تمكنت من العثور على عيادة الدكتور ادمون ق.، اذ بعد ان ترك العمل في مستشفى الأشرفية، انتقل الى عيادة خاصة في منطقة الدورة.
العيادة في مبنى سكني قديم على تقاطع طرق، ومقابل محطة "أبو آرتين" الشهيرة في منطقة الدورة. وفي الساعة الخامسة بعد الظهر كان الطبيب وحيداً في عيادته الواسعة والقديمة التجهيز والأثاث. رجل في العقد السادس من عمره يجلس وحيداً أمام التلفزيون في الغرفة المخصصة للسكرتيرة. انه الدكتور ادمون ق.، وبعد ان أطفأ التلفزيون لم يبق الا صوت المروحة الكهربائية. لم يكن لديه أدنى فكرة عن سبب زيارتنا كما قال، ونفى ما كانت أنيميك قالته ل"الحياة" من انه رفض ان يعطيها موعداً عندما جاءت الى لبنان قبل نحو سنتين لتبحث عن أهلها. ادمون ق. اكد انه هو من كتب التقرير، لكن ذاكرته لم تسعفه كثيراً. كل ما قاله انه كان طبيباً للأمراض الداخلية في المستشفى، وخريجاً جديداً من معاهد أرمينيا، وكانت السيدة أولغا البرنس صاحبة المستشفى طلبت منه تحرير هذا التقرير، وهذا ما فعله. وأضاف "السيدة برنس لم يكن لديها الحق بأن تكتب تقارير لأنها كانت داية قابلة، وفي حينه قلت لها انني لا استطيع ان أصرح انني ولدتها، ووضعت عبارة ان السيدة الهولندية وضعت مولوداً ولم أقل انني أنا من أشرف على ولادتها". وأوضح ادمون ق. انه لا يحتفظ بسجلات لمرضاه في مستشفى الأشرفية، خصوصاً انه ترك المستشفى بعد ان شعر ان لصاحبتها ميولاً للعمل خارج القانون، وذكر ان السيدة أولغا البرنس توفيت. وأشار الى ان زوجة ابنها كانت تعمل لديها في المستشفى ولا بد من ان تكون على علم بهذه القضية وبغيرها.
ستتكشف لاحقاً تفاصيل اضافية عن هذه المستشفى وعن الوظائف التي أدتها في عمليات تبنٍ غير شرعية استمرت حتى العام 1992. تقع هذه المستشفى في مبنى حجري أصفر في شارع السيوفي في منطقة الأشرفية، وهي على رغم انها مقفلة منذ سنوات فإن اللافتات التي تعلن عن خدماتها المتنوعة ما زالت موضوعة على جدرانها ومدخلها. فهي تحتل الطابق الأول من بناية ساني صاغية الحجرية الصفراء وبعد وفاة السيدة برنس انتقلت ملكيتها الى أبنائها ومنهم انطوان سعادة وزوجته جورجيت التي سبق أن عملت ممرضة في المستشفى.
أما بالنسبة الى الطبيب ادمون ق.، فأفاد مصدر في نقابة الأطباء رداً على سؤال ل"الحياة" عن معنى الافادة التي اعطاها، انه لكي يعطي طبيب داخلي او جراح إفادة من هذا النوع عليه ان يكون قرأ افادة الطبيب النسائي وعاين الأم بعد الولادة أو يجب ان يكون قد حضر الولادة. وبما ان السيدة هان لم تلد أصلاً، ولم يفد ادمون ق. عن حضوره الولادة علمت "الحياة" من مصادر قانونية ان على نقابة الأطباء استدعاء هذا الطبيب والتحقيق معه في ظروف اعطائه هذه الافادة.
في موقف للسيارات مقابل للمستشفى المقفل كان يقف انطوان نجل السيدة برنس. رجل في العقد الخامس من العمر، وجهه وقسماته لهما ملامح المتقاعدين، فهو يقف الى جانب صاحب دكان صغير كأنهما يقضيان وقتاً بانتظار ذهابهما الى منزلهما.
عندما علم اننا صحافيون وجئنا لمقابلته في أمر نرغب في طرحه عليه لوحده، بادرنا بسؤالٍ عما إذا كنا في صدد البحث عن طفل متبنى أو شاب جاء يبحث عن أهله، وعندما جاءه جوابنا بالإيجاب، ردّ بأن ليس لديه أي معلومات عن هذه القضايا، وان والدته توفيت وهي من كان يمكن ان يساعدنا. لم يكن يبدو عليه انه قاطع في رفضه الحديث في الموضوع، الأمر الذي دفعنا الى الاصرار على متابعة الأسئلة، وعندها قال إن زوجته يمكن ان تفيدنا اكثر فهي كانت تعمل مع والدته في المستشفى.
في الموعد المحدد لم يكن الزوجان سعادة في حالة انتظار. ففي منزلهما المحاذي للمستشفى كان انطوان مستلقياً امام التلفزيون في حالة ارتخاء ونعاس طفيف وكانت الزوجة في المطبخ تنجز اعمالاً منزلية. لم يعلمها انطوان بالموعد ولكنها لم تفاجأ. كانت اجوبة السيدة جورجيت متقطعة ومقتضبة ولا يمكن ربطها بسياق. فقالت إن بحث المتبنين عن اهلهم أشبه بالبحث عن سمكة في بحر. وأضافت "كنت أعمل في المستشفى من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية بعد الظهر وعندما كانت تحصل حالة ولادة غير شرعية، أي ان الحمل حصل من أب مجهول كنا نرسل الطفل الى الملجأ. وفي الحرب كانت هذه الحالات كثيرة، ولم أعد أذكر التفاصيل... كثير من الأمهات كنا نأخذ بطاقات هوياتهم ولكنني أعتقد انها كانت مزورة، ففي ذلك الحين لم تكن الصور الشمسية توضع على بطاقات الهوية". السيدة سعادة وزوجها اكدا ان سجلات مستشفاهم احترقت جميعها في الحرب بعد ان قصف المبنى اكثر من مرة. لكن هذا الأمر نفاه صاحب المبنى الذي أكد ان مبناه لم يقصف ولم يصب بأي قذيفة خلال الحرب اللبنانية. وقالت جورجيت انه خلال سنوات الحرب كانت تحصل أمور كثيرة ولم يكن أحد يدقق فيها، وان قسيساً من آل الشميل كان يأتي الى المستشفى ويأخذ الأطفال غير الشرعيين الى ميتم تابع للكنيسة الانجيلية ليصار الى تبنيهم لاحقاً.
ورواية سعادة وزوجته، المتقطعة تبدو خالية من أي تماسك لا سيما انهما حاولا حصر عمليات التبني في فترة الأحداث اللبنانية في حين تؤكد المستندات التي في حوزة "الحياة" انها، أي هذه العمليات، بدأت قبل اشتعال الحرب اللبنانية، ولم تنته بانتهائها، خصوصاً ان حكماً قضائياً كان صدر بحق السيدة برنس في العام 1998 في قضية محاولتها بيع طفل، وفي الحكم تفاصيل اخرى عن معرفة ابنها انطوان وزوجته بهذه القضية. فإذا اضفنا نفي صاحب المبنى لما قالاه من أن سجلات المستشفى احترقت يصبح امر اخفائها معلومات حول هذه القضية أمراً ممكناً.
ودمغة مستشفى الأشرفية موجودة على أوراق الكثير من الأطفال المتبنين، فهذا السيد ويليمسون الذي تبنى طفلين حصلت ولادتهما في المستشفى المذكور، في المرة الأولى جرت عملية التبني عبر وسطاء وفي المرة الثانية جاء مباشرة الى المستشفى وأجرى بنفسه العملية.
حيثيات الحكم على مالكة مستشفى البرنس في قضية بيعها طفلا بمساعدة والده
حيثيات الحكم الذي صدر في حق السيدة أولغا الحايك صاحبة مستشفى "البرنس" والذي يثبت انها كانت مستمرة في دورها في قضية بيع الأطفال حتى العام 1992. والحكم اصدرته محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي جوزف غمرون وعضوية المستشارين احمد حمدان وسامي صدقي، ننشره هنا كما هو لما يتضمنه من تفاصيل لمحاولة بيع احد الأطفال:
"وفيه لم يحضر احد وبحضور ممثل النيابة العامة أُظهر الحكم التالي علناً
باسم الشعب اللبناني
ان محكمة الجنايات في جبل لبنان ...
وبعد اطلاعها على مضبطة الاتهام الصادرة بتاريخ 21/10/1993، وعلى ادعاء النيابة العامة، وعلى كافة الاوراق، ولدى التدقيق والمذاكرة، تبين انه اسند الى المتهمين:
1- اولغا مخايل الحايك والدتها مريم مواليد 1930، من الاشرفية اوقفت وجاهياً بتاريخ 21/8/1992، وأخلي سبيلها في 18/3/1993، ثم ادخلت السجن في 7/3/1997.
2- انطوان شحادي جعجع والدته نزهة مواليد 1965 من سكان الدورة. اوقف وجاهياً في 21/8/1992، وأخلي سبيله في /5/5/1993.
بالنسبة للأولى:
الجنايتين المنصوص عليهما في المادتين 492 و495 ق.ع. معطوفتين على المادة 497 منه، لاقدامها في مناطق من جبل لبنان وخارجه، على خطف وإخفاء احد الاطفال بهدف ابعاده عن والدته وبيعه من الغير، ومن ثم اعادته اليها قبل صدور الحكم، والجناية المنصوص عليها في المادة /569/ق.ع.، لاقدامها على حجز حرية الطفل المذكور، والظن عليها بالجنحة المنصوص عليها في المادة 655، لاقدامها على ارتكاب جرم الاحتيال بحق الجهة المدعية.
وبالنسبة للثاني:
الجنايتين المنصوص عليهما في المادتين 492 و495 معطوفتين على المادة 219 منه، لاقدامه على التدخل في جنايتي الخطف والاخفاء المرتكبتين من التهمة الأولى.
وبنتيجة المحاكمة العلنية، الوجاهية والغيابية، تبين ما يلي:
اولاً: في الوقائع:
كانت المتهمة اولغا الحايك، وهي مالكة لمستشفى "البرنس" في منطقة الاشرفية، على صداقة متينة بالمتهم انطوان جعجع. وكان الاثنان يلتقيان على موائد الميسر حيث أنفقا مالهما وساءت احوالهما المادية، فراحا يبحثان عن وسيلة يستطيعان من خلالها جني الارباح.
وتبين ان زوجة المتهم انطوان كانت حاملاً، وعلى وشك ان تضع مولودها، فاتفق زوجها مع المتهمة اولغا على بيع المولود لقاء مبلغ من المال يتقاسمانه. وتبين ان المدعيين نديم بركات وزوجته شكرية جبور، وهما محرومان من الانجاب، كانا قد علما بالتواتر انه بامكان المتهمة ان تؤمّن لهما مولوداً ليقوما بتبنّيه، وذلك لأن بعض الفتيات اللواتي كنّ يحملن بصورة غير مشروعة، فيحضرن الى مستشفى المتهمة حيث تتم ولادتهن، ثم يتخلين عن مولودهن اتقاءً للعار، فتقوم المتهمة اولغا الحايك بتسليم هؤلاء الاولاد غير الشرعيين الى من يود ان يتبناهم. ولما حضر المدعي نديم بركات وزوجته الى مستشفى المتهمة وأبلغا الاخيرة رغبتهما بتبني احد الاولاد، رأتها هذه فرصة سانحة لتنفيذ ما كانت قد اتفقت عليه مع المتهم انطوان جعجع بالنسبة لبيع ولده فور ولادته، فودعتهما بتدبير امر التبني لهما لقاء مبلغ عشرة آلاف دولار يدفعانه لها، فوافقا على هذا العرض.
وخلال شهر تموز يوليو من العام 1992، وتنفيذاً لما هو متفق عليه مع المتهمة، احضر المتهم انطوان جعجع زوجته الى مستشفى "البرنس" لوضع مولودها، ولما شعرت الزوجة سميرة الحليس بالمخاض ادخلت الى غرفة العمليات وقد احضرت لها اولغا طبيباً للاشراف على توليدها، إلا ان عملية الولادة تعثرت فتم نقل الزوجة الى مستشفى ضهر الباشق من قبل ابن المتهمة، الشاهد انطوان سعادة، حيث اخضعت لعملية قيصرية وضعت الى اثرها بتاريخ 28/7/1992، مولوداً ذكراً اسمته ربيع، وبقيت حوالى الاسبوع في مستشفى ضهر الباشق ثم انتقلت مع مولودها، ودائماً بواسطة الشاهد سعادة، الى مستشفى "البرنس" في الاشرفية، حيث كان بانتظارهما، لاتمام الخطة الموضوعة، المتهمان اولغا الحايك وأنطوان جعجع. وحضر الى المستشفى المذكور المدعيان الراغبان في التبني، فأوهمتهما المتهمة بأن لديها ولداً تود والدته التخلي عنه كونه غير شرعي، وعمدت بالتواطؤ مع المتهم انطوان الى اخذ طفله ربيع خلسة عن والدته وسلّمته الى الزوجين وهما يجهلان حقيقة امره، وقبضت منهما مبلغ عشرة آلاف دولار اميركي، دفعت منها لأنطوان جعجع مبلغ اربعة آلاف دولار، واحتفظت بالرصيد، بعد ان اوهمت الزوجين المدعيين ان المبلغ المدفوع منهما هو لتأمين مصاريف المستشفى ومصاريف انجاز معاملات التبني، وقد عمد المتهم انطوان الى ايهام زوجته بأن طفلهما قد توفي نتيجة اصابته باليرقان، فأخذت الاخيرة تبكي وتُوَلول مصرّة على مشاهدة جثة طفلها. فرقّ قلب العاملة في المستشفى، الشاهدة شفيقة صادق لها، وكانت على اطلاع بما جرى، فأخبرت الأم عن مكان وجود طفلها عند آل بركات، وأعطتها عنوان منزل هؤلاء، ولما جابهت زوجها بهذه الحقيقة اضطر الاخير للرضوخ عند ارادة زوجته، ورافقها الى منزل المدعيين في البوشرية مطالبَين باستعادة ولدهما. إلا ان الزوجين المدعيين، وكونهما لا يعرفان والدي الطفل الحقيقيين، رفضا تسليم المتهم وزوجته الطفل ظناً منهما ان في الامر احتيالاً، وتوجها الى مستشفى "البرنس" في الاشرفية حيث سلّما الطفل الى المتهمة اولغا الحايك التي وعدتهما بإعادة مبلغ العشرة آلاف دولار اميركي اليهما ولكنها لم تفِ بوعدها، وأعادت الطفل الى ابويه، وقد نسيت الأم مصابها عند رؤيتها ولدها يعود اليها، وأسقطت حقوقها الشخصية عن المتهمين.
وتبين ان المتهم انطوان أعاد مبلغ الأربعة آلاف دولار التي قبضها من المتهمة اولغا الحايك، الى الجهة المدعية التي اسقطت عنه حقوقها الشخصية، وتابعتها بحق المتهمة الحايك التي اقرّت في التحقيق الاولي انها قبضت مبلغ العشرة آلاف دولار من قبل المدعيين لقاء مصاريف تبنيهما طفل وضعته عندها امرأة تدعى فاطمة حسين، وأنها اعادته في ما بعد الى والدته، وأن لا علاقة لابن المتهم انطوان الذي قيل لها انه مات وحرر لها والداه ورقة بذلك، بهذه القضية. غير ان المتهمة المذكورة عادت وأنكرت اقوالها الأولية، في الافادتين اللتين ادلت بهما لدى قاضي التحقيق، وأمام هذه المحكمة، مصرّة على عدم اخفاء اي طفل عن أمه....
ثانياً: في القانون:
حيث ان المحكمة، بعد احاطتها بواقعات هذه القضية كاملة، قد توفرت لديها قناعة كافية بأن المتهمة اولغا الحايك قد اقدمت خلال عام 1992، وبتسهيل من المتهم انطوان جعجع، على تخبئة ولد الأخير المولود حديثاً، وإبعاده بالحيلة عن والدته، بهدف بيعه من المدعيين كريم بركات وزوجته شكرية جبور، كما استعملت الوسائل الاحتيالية بحق هذين الاخيرين بإيهامهما ان الطفل المسلّم إليهما، والراغبين في تبنّيه، هو لقيط ولا اهل له حاملة اياهما بذلك على دفع مبلغ من المال،
وحيث ان هذه القناعة قد نبشت وترسخت في ذهن المحكمة بما يلي:
1- افادة الأم المدعية سميرة الحليس لدى قاضي التحقيق، على اثر اكتشافها الخطة التي تم بموجبها ابعاد ولدها عنها....
2- اعتراف المتهم انطوان جعجع لدى قاضي التحقيق، مؤيداً بذلك افادته الاولية، بأنه "اتفق مع اولغا الحايك على بيع طفله"، ... وأنه "قبض مبلغ اربعة آلاف دولار من طوني برنس ابن اولغا كنتيجة لهذه العملية، وأن كل هذا الموضوع كان يتم باشراف اولغا" ولكن هذه الاخيرة هددته عندما طالبها بولده.
3- افادة الشاهدة شفيقة صادق، العاملة في المستشفى آنذاك، لدى قاضي التحقيق، ان المتهمين اولغا الحايك وانطوان جعجع "اتفقا على بيع الطفل ربيع، وأن المدعيين نديم بركات وزوجته حضرا واستلما الطفل من المستشفى، مؤكدة بأن هذا الطفل هو ابن انطوان وسميرة جعجع وليس غيره".
4- افادة الشاهد انطوان حبيب سعادة ابن المتهمة اولغا، في التحقيق الأولي "انه علم ان والدته وأنطوان جعجع متفقان على بيع ولده، وأنه يعتقد ان والدته ألزمت انطوان بتوقيع ورقة بوفاة الطفل، وأنهم يكذبون وهم داخلين بالضرب، اي ببيع الطفل، وأنه في اليوم التالي علم ان والدته تصرفت بالطفل وقبضت عشرة آلاف دولار".
5- افادة الشاهدة جورجيت عقيقي، زوجة طوني سعادة، في التحقيق الأولي، بأنها شاهدت آل بركات "يخرجون من المستشفى ومعهم الطفل حيث انه لا يوجد في المستشفى طفل آخر".
وحيث ان تراجع الشاهدين الأخيرين، لدى قاضي التحقيق وأمام المحكمة، عن اقوالهما الأولية، بشكل كلي، وتصريحهما بأنهما لا يعرفان شيئاً عن القضية، هو امر يثير الريبة والاستغراب، خاصة وأن المتهم انطوان جعجع بالذات، ومجمل واقعات القضية، تجعل اقوالهما الأولية، وليس غيرها، قابلة للتصديق، وبالتالي فان المحكمة ترى اهمال هذا التراجع.
وحيث ان تخبط المتهمة اولغا الحايك، عبر مراحل التحقيق والمحاكمة، في تناقضاتها لدليل آخر يعزز ما توصلت اليه المحكمة من ثبات في قناعتها....
وحيث ان المحكمة لا تتوقف، عند لجوء المتهمة اولغا الحايك الى التحايل باصرارها على القول بأن المتهم انطوان وزوجته سميرة وقّعا لها ورقة بوفاة ولدهما احتفظت بها، الأمر الذي يحمل المحكمة على التساؤل، ما هو مبرر تحرير تلك الورقة للمتهمة اولغا؟ وفي حال صحة هذا التحرير، ألا يبدو ذلك دليلاً اضافياً على ضلوع المتهمة في عملية ابعاد الطفل ربيع جعجع عن والدته بحمل هذه الاخيرة على الاعتقاد بأن طفلها قد مات؟ وإلا فلماذا لم تطلب المتهمة، وهي صاحبة مستشفى وملمّة بكل هذه الامور، وثيقة رسمية بوفاة طفل في مستشفاها؟ أوَليس تهرّب المتهمة اولغا الحايك عن الاجابة عن تلك الاسئلة امام المحكمة، متذرعة بوضعها الصحي السيئ آنذاك، وبعدم وعيها، مدعاة للاهمال؟
وحيث ان جميع تلك الأدلة، مقرونة بكافة الاسئلة المطروحة آنفاً، انما تدل دلالة واضحة لا تقبل الشك، على عملية ضلوع المتهمين اولغا الحايك وأنطوان جعجع في ارتكاب الجرائم المنسوبة اليهما،
وبالتالي، يكون اقدام المتهمة اولغا الحايك لجهة تخبئة الطفل ربيع جعجع، وإبعاده عن امه بالحيلة، مشكلاً للجنايتين المنصوص عليهما في المادة 492 ق.ع. والمادة 495 منه فقرتها الثانية،...
وحيث ان فعل المتهم انطوان جعجع لجهة اقدامه على مساعدة المتهمة اولغا الحايك ومعاونتها على الافعال التي هيأت الجريمة المرتكبة منها، والموصوفة اعلاه، وقبوله عرض الاخيرة بارتكاب هذه الجريمة ابتغاء للحصول على مصلحة مادية متمثلة بمبلغ من المال قبضه لقاء ذلك، يؤلف جرم التدخل في الجنايتين المرتكبتين من المتهمة، الامر الذي يجعل فعله منطبقاً على المادتين 492 و495 ق.ع....
وحيث ترى المحكمة تضمين المتهمة اولغا الحايك مبلغ خمسة عشر مليون ليرة لبنانية بدل عطل وضرر الجهة المدعية: نديم بركات وزوجته،
لهذه الأسباب
وبعد الاستماع الى الادعاء، والنيابة العامة، والدفاع، والمتهمة التي اعطيت حق الكلام الاخير،
تحكم المحكمة بالاجماع:
اولاً: بتجريم المتهمة اولغا مخائيل الحايك بجناية المادة /492/ق.ع.،
وبإنزال عقوبة الاشغال الشاقة بها لمدة خمس سنوات،...
ثانياً: بحبس المدعى عليها اولغا مخائيل الحايك مدة سنة وبتغريمها اربعماية الف ليرة لبنانية، سنداً للمادة /655/ق.ع.،
على ان تنفذ بحقها فقط العقوبة الجنائية المخفضة، لوحدها، وهي حبس سنة وثمانية اشهر بحقها، وعلى ان تحسب لها مدة توقيفها.
ثالثاً: بعدم تجريمها بجناية المادة /569/ق.ع.،
وبإعلان براءتها من هذه الجناية لعدم كفاية الدليل،
رابعاً: بتضمين المحكوم عليها مبلغ خمسة عشر مليون ليرة للمدعيين نديم ملحم بركات وشكرية عازار جبور، مناصفة بينهما.
خامساً: بتجريم المتهم انطوان شحادي جعجع بجناية المادتين 492 و495 ق.ع. معطوفتين على المادتين 219 ق.ع.، و497/251 منه.
وبإنزال عقوبة الاشغال الشاقة به لمدة سبع سنوات،
وبتخفيضها سنداً للمادة 497/251 ق.ع. الى اربع سنوات اشغال شاقة.
وبتجريده من حقوقه المدنية ومصادرة امواله وأملاكه وإدارتها بواسطة الحكومة وإنفاذ مذكرة إلقاء القبض بحقه....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.