سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تنشر وقائع ورواية الجهة التي ساعدت على التبني . أطفال لبنانيون تبنتهم عائلات من هولندا والنروج وآسوج يسألون ويعقدون مؤتمراً في بيروت ويريدون اكمال حكايتهم
قبل أشهر جاءت تاليتا اللبنانية الاصل الهولندية بالتبني الى بيروت برفقة طبيبها، حاملة اوراقاً تثبت اصولها وموضحة ان عائلة هولندية تبنّتها عام 1978 واصطحبتها إلى هولندا حيث نشأت وتعلمت. وإلى الطبيب والأوراق اصطحبت نتفاً من حكايات سمعتها من والدتها بالتبني آملة في ان تساعدها في العثور على اهلها الحقيقيين. وكانت "الحياة" نشرت قصة مجيء تاليتا الى بيروت والطبيب الذي رافقها بسبب اصابتها بمرض تلاسيميا، علماً ان اجراء فحوص على الاهل ومعرفة الخصائص التي يورثونها لأبنائهم جزء من علاج هذا المرض. وفي هولندا يعيش نحو 75 طفلاً لبنانياً اصبحوا شباناً وشابات وتشبه ظروف تبنّيهم إلى حد كبير ظروف تبني تاليتا. وكذلك يعيش اطفال بأعداد كبيرة، هذه حالهم، في آسوج والنروج. وجميعهم يعلم بأصله اللبناني، لكنهم يجهلون تماماً من هم اهلهم. فشروط التبني بحسب الجهة التي كانت واسطة تبنّيهم ان تقطع أي صلة بين الاهل المولدين والأهل المتبنين. وكل هؤلاء الاطفال اعضاء في "جمعية اطفال الأرز" التي يقول ناشطون فيها انهم في صدد تنظيم رحلة لهم الى لبنان لتعريفهم اليه، وإقامة مؤتمر للمتبنين من اصل لبناني. اما حكاية تالتيا او حكاياتها عن عائلتها بالولادة التي بلغتها متواترة عبر اهلها الذين تبنوها، ففيها الكثير من الاشارات التي يمكن ان تساعد في العثور على والديها الحقيقيين. ولدت تاليتا في 5 شباط فبراير 1978، العاشرة ليلاً، في رأس بيروت، وأشرفت على الولادة الطبيبة سلمى قباني ذكر اسمها في شهادة الميلاد في مستشفى ترجح الوالدة بالتبني ان تكون في رأس بيروت ايضاً. وفي 6 نيسان ابريل اصدرت شهادة ميلاد رسمية لها، ذكر فيها انها مجهولة الأب والأم، ووقّعها شاهدان هما ادوار حاوي ولد عام 1913 في بيروت وشاهين ميلان ولد عام 1925 في بيروت ايضاً ووقّعها مختار رأس بيروت جرجي ربيز. وفي حوزة تاليتا حكايتان عن اهلها، الاولى تقول ان والدتها كانت مدرّسة للغة الفرنسية في احدى مدارس بيروت الخاصة، وأن والدها كان جندياً في الجيش اللبناني قتل خلال الاحداث، وتسببت الحرب في اقفال المدرسة التي كانت مصدر رزق الوالدة. وفي هذه الاثناء ولدت تاليتا ولادة مبكرة 7 أشهر وكانت حالها الصحية سيئة ما استدعى وضعها في غرفة الأوكسجين شهرين وبقاؤها في غرفة الأوكسجين شهرين يؤكده تقرير في حوزتها موقّع من الطبيب نسيب همام. وفي هذه الاثناء تركت الأم المستشفى وذهبت الى شقيقتها الكبرى، ثم غادرت الى الشطر الشرقي من العاصمة. وخلال هذا الوقت كانت عملية التبني حصلت. اما الرواية الثانية فهي ان والدتها لم تكن متزوجة، ولجأت عند وضعها وليدتها الى ملجأ علمت انه يسهّل عمليات التبني. وقالت والدة تاليتا بالتبني "ان الام وقّعت كتاب تخلّ عن الطفلة، قبل ان تسلّمها، وأن الذين انجزوا المعاملات وأخذوا تعهداً من الأم بعدم المطالبة بمولودتها تقاضوا 20 ألف دولار، فضلاً عن مصاريف المستشفى والولادة وبعض الرشاوى التي دفعت للإسراع في انجاز الأوراق الرسمية". وفور انجاز المعاملات توجه الوالدان بالتبني، أي آل دانتوم، الى السفارة الهولندية في بيروت وسجلا الطفلة على اسمهما، وكانا برفقة عائلة هولندية اخرى جاءت الى بيروت وتبنت طفلاً آخر. وفي رواية تاليتا لتبنّيها ولحياتها في هولندا، ثمة سيدة لبنانية رافقت العملية وكل عمليات التبني التي حصلت من عائلات هولندية لأطفال من لبنان. وهذه السيدة كانت معروفة في الاوساط الاجتماعية في بيروت من خلال مهنتها كمدرّسة في احدى اهم المدارس فيها. وكانت لها علاقات عبر زوجها بدور للأيتام وهي تقيم اليوم في هولندا، ويناديها الأطفال المتبنّون هناك ب "الجدة". وكل ما قالته للسيدة دانتوم عندما اتصلت بها وأبلغتها رغبة تاليتا في معرفة اهلها في لبنان، ان والدتها قد تكون على قيد الحياة لكنها لا تعرف عنها شيئاً. "الحياة" اتصلت بنجل السيدة اللبنانية الجدة الذي اكد "ان دور والدته في عمليات التبني التي حصلت كان ايجابياً وأن هدفه تأمين ظروف حياة افضل لهؤلاء الاطفال في كنف عائلات هولندية، في وقت كانت الحرب تلتهم كل شيء في لبنان". وقال "ان العائلات التي تبنت اطفالاً كانت من هولندا وآسوج والنروج، وأكثرهم اعضاء في جمعيات انسانية شرعية مسجلة في وزارات العدل في تلك الدول، كانت تكفل الازواج الراغبين في التبني لدى وزارات العدل بعد ان تكون اجرت تحقيقاً في اوضاعهم النفسية والاقتصادية وتأكد لها انهم لا ينجبون. اما في لبنان فيتم الامر على الشكل الآتي والكلام لنجل السيدة الجدة: "فتاة غير متزوجة وحامل تركت مولودها امام ميتم او في مستشفى حيث وضعته، توقّع لدى ادارة المستشفى او لدى القابلة القانونية او الطبيب كتاب تخلٍ وتنازل عن الطفل، وهذا امر قانوني، في هذا الوقت يتصل المستشفى بمندوبة الجمعيات الخيرية الهولندية او الآسوجية او النروجية في لبنان، وهي السيدة الوالدة التي تكون في حوزتها لائحة بأسماء العائلات التي ترغب في التبني، وسبق ان تقدمت بطلبات لهذه الغاية، فتتصل بإحداها وتبلغها ان ثمة طفلاً جاهزاً وعلى العائلة الحضور الى بيروت لإجراء المعاملات اللازمة وتسلّمه. وتتم المعاملات عبر المحكمة الروحية المشرفة على دار الايتام بعد ان يكون الطفل نقل اليها وهذا امر مطلوب حتى يتم انجاز معاملات تثبت انه لقيط والمستشفى، اذ يفيد ان الطفل متروك وبلا اهل. اما اكلاف هذه العملية فهي قيمة الرسوم المتوجبة على اجراء المعاملات في الدوائر الرسمية، وبدل للمحامي الذي انجزها، وغالباً ما يدفع الأهل المتبنون مصاريف المستشفى وقيمة بقاء الأم فيها، ومصاريف طبابة الطفل". ويؤكد نجل "الجدة" ان العائلات التي ترغب في التبني "يجب ان تثبت عجزها عن الانجاب، وأن فرق العمر بينها وبين الطفل المتبنى يجب ألا يقل عن ثلاثين سنة، اضافة الى الشروط النفسية والاقتصادية التي تثبت تمكنها من تربية الطفل في شكل جيد". ويؤكد "ان الأم الحقيقية تتخلى عن مولودها للقابلة القانونية او الطبيب او المستشفى بموجب تنازل خطي. ويجب ألا يحصل اي اتصال بينها وبين العائلة المتبنية، فيكون الحاجز بينهما الطبيب او القابلة القانونية او المستشفى. ويجب ألا يكون اي اثر لاسمها في الوثائق والأوراق لأسباب عدة منها المشكلات التي تحدثها رغبة الطفل المتبنى عندما يكبر في التعرف الى اهله. فالأم التي وضعت المولود لا تعرف اين ذهب ابنها، والأم التي تبنت لا تعرف من أين اتى. والعائلات التي تتبنى تبلغ الأطفال في اول وعيهم انهم متبنون وأنهم من اصل لبناني". ويضيف "ان الاطفال مرتاحون جداً في هولندا وفي الدول الاخرى. ومن يرغب منهم في زيارة لبنان تؤمّن له عائلته ذلك. وخلال السنتين المقبلتين ستنظم "جمعية اطفال الأرز" رحلة لهؤلاء المتبنين الذين تتفاوت اعمارهم اليوم بين 16 و27 سنة الى لبنان، وسيقضون فيه شهراً كاملاً يعقد خلاله مؤتمر للمتبنين من اصل لبناني، على غرار مؤتمر المتحدرين من اصل لبناني، خصوصاً ان الكثيرين منهم مهتم جداً بما يحصل في الشرق الاوسط ولبنان". ويشدد نجل "الجدة" على "ضرورة التمييز بين الإتجار بالأطفال الذي حصل في شكل واسع في لبنان، وما قامت به والدته من مساعدة لهؤلاء الاطفال وللعائلات التي تبنتهم". وقال "اؤكد ان الاطفال يعيشون في هذه الدول في شكل ممتاز وراق، فيما هناك عمليات تبنٍ نعلم بها، وتحصل في الفيليبين وشرق آسيا وكولومبيا وفنزويلا من عائلات اميركية وكندية. فتذهب هذه العائلات الى هذه الدول وتشتري الأطفال، اي ان كلفة التبني تفوق بأضعاف الكلفة الحقيقية. ثم ان هناك عائلات فرنسية اعرفها شخصياً جاءت الى لبنان واشترت اطفالاً. وأنا اعرض هذه الوقائع لتجنّب الخلط بين التجارة بالأطفال وعمل هذه المؤسسات المعروفة والشرعية والمتابعة من الدول الموجودة فيها". وبين رواية النجل ورواية تاليتا وأوراقها والصور التي في حوزتها والإفادات التي جمعتها "الحياة"، سياقات غير متوازية وقد لا تنسجم، وينفي بعضها الآخر. فهو من جهة أكد ان العائلات التي تتبنى يجب ان تثبت عدم قدرتها على الانجاب، في حين اكدت تاليتا ان آل دانتوم الذين تبنوها كانوا انجبوا طفلين قبل ان تحصل عملية التبني. اما لجهة التحقيق النفسي الذي يجرى على العائلة المتبنية، فأكدت تاليتا ان منزل آل دانتوم عانى مشكلات كثيرة وأن سيد المنزل كان يعتدي عليها وعلى والدتها بالتبني بالضرب ما أدى إلى انفصالهما عنه. وبقي ان الجهة التي تقاضت مبلغ ال 20 ألف دولار، وقالت السيدة دانتوم انها دفعتها في مقابل عملية التبني، ما زالت مجهولة. فيما عملية التنازل الخطي الذي تحرره الأم للمستشفى وينص على تخلّيها عن مولودها امر غير قانوني ولا يمكن ان يحصل بحسب ما أكد ل"الحياة" محامون وقضاة لبنانيون. ويمنع القانون ايضاً اي مستشفى او طبيب من تسليم طفل الى دار للأيتام يعلم المستشفى او الطبيب من هم اهله، وأنجبته امرأة في هذا المستشفى وأشرف على الولادة طبيب معروف. ومعرفة المستشفى والطبيب بأم تاليتا التي وضعتها امر مؤكد، خصوصاً ان وضعها في غرفة الأوكسجين يعني انها لم يعثر عليها على مدخل دار للأيتام او في اي مكان آخر، بل حصلت ولادة مبكرة في مستشفى مكّنت الاطباء من وضعها فوراً في غرفة الأوكسجين، وإلا لما بقيت الطفلة على قيد الحياة. والغريب في موضوع تاليتا ان تقرير الطبيب يقول ان اهلها بالتبني طلبوا منه خلال اقامتها في غرفة الأوكسجين الاشراف عليها. ونص التقرير على الآتي حرفياً: "انا الموقّع ادناه الدكتور نسيب همام ألغي تكليفي في شأن العناية العقلية والجسدية والمالية بتاليتا دانتوم والمحرر منذ ولادتها بتاريخ 5 شباط فبراير سنة 1978، وأسلّم هذه المهمة الى الأهل بالتبني الذين كلّفوني بها. هذا بعد دفع كافة التكاليف المالية من تاريخ 5/2/1978 وحتى تاريخ 6/4/1978". وهذا يعني ان الأهل المتبنين أوكلوا الى الطبيب امر رعاية تاليتا يوم ولادتها، وأنهم كانوا ينتظرون هذه الولادة وسبق لهم ان حضروا الى بيروت قبل حدوثها. وفي حوزة تاليتا صور التقطت لها ولعائلتها التي تبنتها في بيروت اثناء عملية التبني. والصور تضم ايضاً الى والدتها بالتبني اشخاصاً تعتقد هي انهم عائلتها، خصوصاً تلك الصورة التي التقطت على مدخل دار الايتام. وأكد مختار رأس بيروت كمال جرجي ربيز نجل المختار الذي وقّع وثيقة الولادة ل"الحياة" فور مشاهدته الصورة ان العائلة التي تضمها هي عائلة فلسطينية تهجّرت خلال الحرب الى شارع المكحول بالقرب من مكتب المختار، وأن اسم الوالد الذي يظهر في صدرها "ابو محمد"، وهو مقيم هذه الايام في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية ويتردد احياناً على الشارع ليطمئن الى جيرانه السابقين. لكن المختار نسي اسم عائلة "ابو محمد". والمعطيات التي تجمعت من الوثائق والروايات يربطها خيط ربما كانت له دلالة وربما ساعد في العثور على اهل تاليتا. وهي ان مكتب المختار الذي وقّع شهادة الولادة هو في شارع المكحول، ومنزل السيدة "الجدة" أيضاً في الشارع نفسه. وكذلك منزل العائلة التي تعتقد تاليتا انها عائلتها وأشار المختار الى معرفته بها، ثم ان عيادة الطبيب نسيب همام، الذي اعطى الافادة الصحية والنفسية للمولودة، في شارع جان دارك الملاصق لشارع المكحول. وتبقى اسئلة كثيرة في حاجة الى اجوبة بعضها في حوزة الذين ما زالوا احياء ممن وردت اسماؤهم في وثائق تاليتا، خصوصاً ان والدتها بالتبني اعلمتها ان الطبيب كان له دور في عملية التبني، وان المستشفى يملكه شخص من آل اليازجي، وهي نقلت منه الى مبنى للشقق المفروشة برفكت هوم كان يقيم فيه عشرات من العائلات الهولندية التي قصدت بيروت لتتبنى اطفالاً. وهناك اسئلة اخرى ايضاً قد تجد اجوبة عنها في وثائق السفارة الهولندية في بيروت التي يؤكد كثر انها كانت طرفاً في عمليات التبني. والسؤال الاخير: هل ما كان يحدث هو مساعدة لهؤلاء الاطفال وللعائلات التي تبنتهم ام انها عمليات اتجار بالاطفال حصلت في بداية الحرب اللبنانية؟ الأطفال بلا شك نقلوا الى ظروف حياة افضل من تلك التي كانت تفرضها الحرب، وفعلة التخلي عن الاطفال قام بها اهل لن تمكنهم ظروفهم من تأمين حياة لهؤلاء تشبه الحياة التي عاشوها في هولندا. لكنهم كبروا، وهم يواجهون اليوم في مجتمعاتهم، كما تؤكد تاليتا، معضلة انهم متبنون، في الكثير من وجوه الحياة. فهي التي لا تخلو من جاذبية حادة، تقول ان صورتها عن نفسها وعن شكلها ومعالم جسمها بموجب معايير الجمال التي اكتسبتها في ذلك المجتمع غير ايجابية ومضطربة ومشوشة وان ملامحها المتوسطية تجعلها دائماً عرضة لأسئلة تصعب الاجابة عنها. ومنذ صغرها تعلم انها متبناة، وتدرك الاختلاف الحاد بين سمرتها وبياض اصدقائها او شقرتهم. هي تريد ان تكون هولندية وشعورها بهولنديتها لن يكتمل كما تقول الا عندما تتعرف الى اهلها. وتقول "اريد ان اكمل لهم حياتي لكي اصبح هولندية".