أبرزت المحادثات التي أجراها وفد المجموعة الأوروبية مع رئيسي الجمهورية اللبنانية إميل لحود والحكومة رفيق الحريري وجود تنسيق أميركي أوروبي - روسي، لتحريك العملية السلمية كان عبّر عنه رئيس وزراء بلجيكا غي فيرهوفشتات ورئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي. وجاء الموقف الأوروبي متطابقاً، الى حد كبير، مع اطار الحل المطروح لأزمة الشرق الأوسط الذي أعلنه وزير الخارجية الاميركية كولن باول. وفي معلومات "الحياة" ان فيرهوفشتات وبرودي، بادرا خلال اجتماعهما بالحريري الى طرح مجموعة من الأفكار لاعادة تحريك العملية السلمية، جاءت بمثابة نسخة طبق الأصل عن الأفكار التي قدمها باول بعد دقائق من بدء الاجتماع الأوروبي - اللبناني، واطلع عليها المجتمعون من خلال ما بثته وسائل الاعلام العربية والاجنبية. وأبلغ الوفد الأوروبي الحريري بحسب معلومات "الحياة" ان كلام باول، وان لم يكن يحمل جديداً حيال ما سماه بوقف الارهاب، في اشارة الى الانتفاضة في داخل فلسطينالمحتلة، فانه في المقابل تضمن افكاراً متقدمة عندما تطرق الى ضرورة قيام دولة فلسطينية تتعايش مع دولة اسرائيل التي يتوجب عليها انهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية ووقف بناء المستعمرات واعتبار القرارين 242 و338 اطاراً عاماً للحل. ولم يخف الوفد امتعاض رئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون، من التحرك الذي يقوم به، كاشفاً النقاب عن ان المحادثات التي أجراها معه شابها جو من التوتر والحدة، لكن شارون سرعان ما هدأ ليبلغ الوفد انه وافق على تشكيل الوفد الاسرائيلي للتفاوض مع الفلسطينيين في موضوع وقف اطلاق النار. وأبدى الوفد الأوروبي تفهماً لوجهة النظر اللبنانية في شأن رفض اللائحة الاميركية التي تتضمن الدعوة الى تجميد أرصدة "حزب الله" في المصارف، لكنه دعا الى التهدئة، لتفادي الدخول في مواجهة مع الولاياتالمتحدة. وأعرب عن اعتقاده بأن للائحة اهدافاً سياسية اعلامية وان هناك اعتبارات أملت على واشنطن ادراج اسم الحزب تتجاوز الساحة اللبنانية. وبدا ان الوفد الأوروبي يتصرف حيال اللائحة الاميركية وكأنها مطروحة من باب تسجيل الموقف، مؤكداً تفهمه للموقف العربي الرافض ربط تحريك العملية السلمية بوقف اطلاق النار في الأراضي المحتلة. ولفت الى انه لعب دوراً في خفض المدة التي كان اقترحها شارون من أسبوع الى ثلاثة أيام للتأكد من سريان مفعول التهدئة. وكان لافتاً أيضاً ان الوفد الأوروبي تحدث بارتياح عن أهمية التنسيق القائم بين أوروبا وروسيا والولاياتالمتحدة لتحريك العملية السلمية، معتبراً ان كلام باول يصلح اساساً لاطلاق مبادرة دولية. الا ان الأهم يبقى في اعلان برودي عن توقيع اتفاق الشراكة الأوروبية - اللبنانية في بروكسيل في غضون الأسبوعين المقبلين. وأبدى الحريري ارتياحه للاعلان، مؤكداً ل"الحياة" انه دليل ثقة بلبنان وتكمن أهميته في التوقيت الذي اختير رداً على الذين يزعمون ان بلدنا أصبح محاصراً، اضافة الى انه يقلل من حجم الحملات التي تشن من حين لآخر ضد لبنان". واعتبر الحريري أيضاً ان الاعلان يعني "ان هناك رغبة أوروبية صادقة في التأكيد ان لبنان ليس متروكاً وان المجموعة الأوروبية حرصت على منحه شهادة ايجابية تدحض الاعتقاد السائد بأن لبنان يتعرض لضغوط بسبب موقفه الذي يميز فيه بين الارهاب والمقاومة". وأضاف: "ان الموقف الأوروبي الذي شكل دعماً سياسياً للبنان في المحافل الدولية يمهد الطريق لمتابعة الجهود لعقد مؤتمر باريس - 2 بمشاركة أوروبية أوسع اضافة الى المشاركة العربية". ورداً على سؤال أكد الحريري ان "باريس - 2" سيعقد في مطلع العام الجديد، لافتاً الى ان هناك موافقة مبدئية على مشاركة الاطراف المعنية، "لكن لبنان لن يحدد موعده النهائي وبالتشاور مع هذه الاطراف قبل ان ينتهي من الاستعدادات الجارية ليعطي المؤتمر النتائج المرجوة منه". الى ذلك، قال مصدر وثيق الاطلاع على عملية التسوية ل"الحياة" ان المرحلة الجارية تشهد تضافر بعض العناصر الداخلية والخارجية التي من شأنها زحزحة الموقف الاسرائيلي، وتتمثل في ان السياسة الامنية التي وعد بها شارون وصلت الى طريق مسدود وأصبح شارون نفسه مهدداً داخل حزبه حزب ليكود من منافسه بنيامين نتانياهو، فيما تزداد ازمة الكساد الاقتصادي. وعلى الصعيد الخارجي فان الوفاق الحاصل على مستوى كل الاطراف الدولية المؤثرة من شأنه زيادة الضغط على اسرائيل وربما التأثير في موازين القوى السياسية داخلها". وكان الاتحاد الأوروبي اكد في بيان اصدره أول من أمس من بيروت "عدم وجود حاجة الى مبادرات جديدة". وألحّ على "وجوب تقيد الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بتنفيذ تقرير ميتشل وخطة تينيت وطالبهما بوقف العنف وتجميد نشاط الاستيطان". وكانت محادثات الترويكا الأوروبية مع شارون في القدسالمحتلة شهدت توتراً عالياً بسبب اتهامات أطلقها شارون ضد الاتحاد الأوروبي ونسب اليه تمويل مشتريات اسلحة للفلسطينيين، كما انتقد المسؤولون في الحكومة الاسرائيلية ووسائل الاعلام بلجيكا لأن القضاء فيها تجرأ على دعوة شارون للحضور امام غرفة الاتهام يوم 28 الشهر الجاري في بروكسيل للاستماع الى نص الاتهام الموجه اليه من أهالي ضحايا صبرا وشاتيلا. واعتبر شارون المسار القضائي في بلجيكا محاولة لمحاكمة اسرائيل والشعب اليهودي، وهو ما رفضه فيرهوفشتات بكل شدة قائلاً انه يتمسك باستقلال السلطات الثلاث وعدم التدخل في شؤون القضاء.