ما هي العلاقة بين قرار محكمة دبي أخيراً تبرئة شركة كومبيوتر من تهمة القرصنة، ومناهضة العولمة؟ الأرجح انها الملكية الفكرية والخلاف على كيفية تطبيق قوانينها في مجال العلم والمعرفة، بما في ذلك التكنولوجيا الرقمية. وتتلخص القضية التي نظرت فيها محكمة دبي بأن شركة معلوماتية محلية اشترت نسخة واحدة من نظام التشغيل "ويندوز - 2000" وبرنامج "أوتوكاد" للرسم الهندسي، واستنسخت الشركة النظام والبرنامج، ووضعت النسخ في الكومبيوترات التي تنتجها. ورفع "اتحاد محترفي الكومبيوتر" دعوى ضد الشركة، صُنِّفَتْ فيها النسخ على أنها غير شرعية وتنتهك الحقوق الفكرية. ولكي تحسم الأمر، استشارت المحكمة مهندس كومبيوتر معتمداً. وأعلن المهندس ان ما قامت به الشركة يشبه قراءة كتاب على الانترنت، ولا ينتهك أي حقوق. وأثار القرار نقاشاً مهماً، وخشي البعض من تحوّله الى سابقة قانونية. ويُذكر القرار بنقاشات شائكة عن حقوق الملكية الفكرية، التي هي من أبرز القضايا في مناهضة العولمة، منذ انتفاضة سياتل التاريخية في العام 1999. حينها، بلغ تشدّد الشركات في حقوق الملكية، أن أعلنت احدى شركات البريد الالكتروني ان لها حقوقاً حصرية في عبارة "لقد تلقيت بريداً الكترونياً"، أو You'Ve gote - mail. ورأت الشركة ان العزم على اخراج فيلم يحمل عنوانه هذه العبارة هو انتهاك لحقوقها! ولاحقاً، صدر هذا الفيلم، ولم تحرك الشركة ساكناً لأسباب كثيرة من ضمنها الهزة القوية التي أحدثتها تظاهرات سياتل. وفي العام 2000، شرَّعت حكومة جنوب أفريقيا انتاج أدوية محلية الصنع لعلاج مرض "الإيدز" واحتجت الشركات العملاقة في صناعة الأدوية، لأن تلك الأدوية لها التركيب نفسه الموجود في أدوية تنتجها هي، وتذرعت بحقوق الملكية الفكرية، أولم تكن هي من اكتشف أدوية علاج الايدز، فكيف "تجرؤ" شركات محلية في بلد عالمثالثي على نسخها؟ وتصلّبت حكومة جنوب أفريقيا، فالإيدز يحصد أرواح مواطنيها حصداً. وما لبثت الأممالمتحدة أن ساندت موقف حكومة جنوب أفريقيا. والنتيجة؟ تحوّلت هذه المسألة الى سابقة ايجابية استخدمها معارضو العولمة في محاولة رسم حدود أمام تسلُّط شركات العولمة وانفلات جشعها. وما لبثت البرازيل ان حذت حذو جنوب أفريقيا، بمباركة ضمنية من الأممالمتحدة. حدود الملكية الفكرية؟ ما هي المشكلات التي تُناقش في مسألة حقوق الملكية الفكرية؟ الأرجح ان مؤيدي العولمة ومعظم مناهضيها يتفقون على ضرورة صوغ قوانين للملكية الفكرية في اطار حماية الابداع والابتكار. ويُمثّل الحق في المعرفة وضرورة نشرها "الطرف الآخر" في هذا النقاش، خصوصاً في ظل الفجوة العلمية الهائلة بين الدول المتقدمة والدول النامية. وفي مجال المعلوماتية، تبدو المسائل أكثر وضوحاً، فمن أهم وعود الانترنت والكومبيوتر انتشار المعلومات والمعارف والعلوم، وذلك من أهم أسباب انتشارهما. ويؤدي التشدد في تطبيق حماية الملكية الى نسف هذه الوعود على نحو مريب تماماً. وينادي مناهضو العولمة بأن تُراعى الأوضاع الاقتصادية والعلمية والاجتماعية في الاتفاقات الدولية التي ترعاها منظمات عالمية مثل "المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية" WIPO ويبو. ولا يتعلق الأمر بمسألة الهوية أو القومية، بل هو اقرار بحقيقة التفاوت في المعرفة والعلم على مستوى العالم. وتحوز الشركات مختبرات وعلماء لا تحلم دول العالم الثالث، أفراداً ومؤسسات، بمضاهاتها. ويزيد في تعقيد الأمور، ان نظام العمل داخل "منظمة التجارة العالمية" يفترض المساواة في العلم بين الشركات والدول النامية. فعلى سبيل المثال، يُطلب من هذه الدول تقديم أدلة علمية وبراهين في حال خلافها مع الشركات العملاقة. وأبسط وصف لهذا المطلب هو "مساواة بين غير متساوين"، أي انه من سبل غياب العدالة. ولم يكن غريباً ان يصب مناهضو العولمة دوماً جام غضبهم على "منظمة التجارة"، وكذلك على الاجحاف في استخدام ذريعة الملكية الفكرية. ومنذ انتفاضة سياتل، ليّنت الشركات مواقفها، وباتت أقل تشدداً، وتقبل بعضها مسألة مراعاة خصوصية أوضاع كل بلد على حدة. وفي المجال المعلوماتي، تقدمت بعض الشركات العالمية بمبادرات لتحرير تبادل المعلومات والوصول اليها. ووصل الأمر الى حد صوغ شعار "المعلومة مجانية"، ولو ان الأمر لم يلق تجاوباً كافياً. وفي المقابل، حدث تشدد واضح في تقييد حرية تبادل ملفات الموسيقى من نوع MP3، وهو ما أظهره حكم القضاء الأميركي في قضية شركة "نايستر". وفي كل تحرك لمناهضة العولمة، يبرز الاصرار على نشر المعلومات وحرية الوصول اليها، ومحاولة تقليص الهوة العلمية والرقمية. ويشكل هذا الأمر رديفاً لمطالبة مناهضي العولمة بإلغاء ديون العالم الثالث أو تخفيفها. ويهدف كلا المطلبين الى حفز النمو والتطور في الدول النامية. ويمكن النظر الى بعض الرمزية في صدور حكم القضاء في دبي أثناء عقد جولة أخرى من محادثات منظمة التجارة العالمية، في دولة قطر. وكأن كلا الأمرين يشيران الى ضرورة دخول العرب الى معترك فرز المصالح واقامة التوازنات، بعيداً من اللفظية والكلامية التي سادت خطاب النظام العربي عقوداً. [email protected]