توقع المدير العام لمنظمة العمل العربية الدكتور ابراهيم قويدر هجرة معاكسة للعمالة العربية في الفترة المقبلة بدأت بوادرها مع عودة الطلاب إثر تحرشات عنصرية سادت الغرب عموماً، والولاياتالمتحدة خصوصاً، عقب العمليات الانتحارية ضد نيويورك وواشنطن في ايلول سبتمبر الماضي. وقدر قويدر أعداد العمالة العربية المهاجرة ب15 مليون شخص ما يوازي عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي. حول انعكاسات الأزمة الأخيرة في الولاياتالمتحدة وحربها المعلنة ضد الإرهاب كان هذا الحوار. ما هي انعكاسات الأزمة الحالية في العالم على سوق العمل العربية؟ - بدأت هذه الانعكاسات بالفعل في شكل ملامح ومؤشرات، وبعدما كنا ندرس مع الاتحاد الأوروبي وضع العمالة العربية المهاجرة لجهة الحقوق والواجبات وتنظيم الحركة والسفر والهجرة المنظمة وغير المنظمة وأوضاع المهاجرين، أصبح الموضوع مختلفاً تماماً حتى بالنسبة الى المهاجرين الذين يحملون جنسية بلاد المهجر. فهؤلاء يشعرون وكأنهم جُرّدوا من هذه الجنسيات لشعورهم بالقلق. ونتوقع حدوث هجرة معاكسة في الفترة المقبلة، وهي بدأت بعودة طلاب المعاهد والجامعات باعتبار ان ليست لديهم ارتباطات كبيرة. وعندما تتفاقم الأمور ويشعر العامل المهاجر بعدم الاستقرار في مجتمع الغربة ويعاني من نظرات عنصرية، فإنه سيفكر جدياً في العودة إلى وطنه الأصلي. من هذا المنطلق بدأنا تشكيل فريق بحث لدرس اثر الهجرة العكسية على الأقطار العربية وإمكان الاستفادة من الخبرات العائدة، وإمكان تكيف العائدين في الأقطار العربية، والإمكانات التي تسمح للعائدين بأداء عملهم وبالتقنية والتكنولوجيا نفسها الموجودة في دول المهجر. كيف ستكون تأثيرات هذه العودة المحتملة على الركود الاقتصادي؟ - ثبت الآن أن ما حدث في 11 أيلول سبتمبر الماضي أثّر في الاقتصاد العالمي في كل الدول بعيدة كانت أم قريبة، وسواء كانت لها علاقات اقتصادية او سياسية جيدة بالولاياتالمتحدة أم لا. وعندما نقارن ما واكب انهيار الاتحاد السوفياتي بما يجري الآن، نجد الفرق شاسعاً لجهة الآثار الاقتصادية للأحداث الاخيرة. وهذا دليل على أن الخطوات التي خطتها الولاياتالمتحدة والعالم الغربي في برامج العولمة وسياسة احتكار الاقتصاد والسوق الواحدة أصبحت حقيقية ومؤثرة، اذ حدث تأثير مفاجئ في كل دول العالم، ونعتقد أن هذا التأثير سيؤدي الى ارتفاع البطالة في العالم عموماً وفي الوقت نفسه سنتأثر به نحن في الوطن العربي. ما هي الحلول البديلة؟ - التكامل العربي ووحدة الصف وأن نكون كتلة اقتصادية في مواجهة هذا الظرف. هذا كلام حقيقي وصحيح رغم أننا من كثرة ما استمعنا إليه من دون ظهور أي بوادر تجسده على أرض الواقع بفعل ملموس أصبح فيه نوع من المزايدة، ولكن للأسف ليس عندنا حل غير ذلك وقد تكون هذه الأزمة سبباً في تنفيذه، لأن الأزمات أحياناً تخلق أفعالاً إيجابية. المقومات الاقتصادية في الوطن العربي بإمكانها أن تحقق عيشاً كريماً لجميع ابنائه داخل الوطن. ليس لدينا حل أو بديل ثان لأنه - شمالاً أو جنوباً، غرباً أم شرقاً- سنجد أنفسنا أمام رؤية تتطلب منا العمل من خلال الوطن العربي. اثر الأحداث خصوصاً إذا طال أمدها سيكون كبيراً على الوطن العربي خصوصاً على سوق العمل في الوطن العربي. كنا نجري حساباتنا على أساس أن النفط سينضب بعد فترة معينة وتأثيرات ذلك، لكن الظرف الجديد قد يؤدي إلى تغيير هيكلية سوق العمل، وفي الوقت نفسه يؤثر في المسارات الاقتصادية التي تنعكس من دون شك على شكل ونوع المهنة المطلوبة داخل اقطار الوطن العربي. كيف تنعكس الأزمة على الجاليات العربية في أوروبا وأميركا عموماً وعلى العمال العرب المهاجرين خصوصاً؟ - لو صنفنا الجاليات العربية في اميركا والعالم عموماً، فإن جزءاً كبيراً منها ضاقت به سبل العيش في وطنه وخرج يبحثو عن سبل عيش جديدة وهذا حال العدد الأكبر من العمالة العربية المهاجرة، ثم العقول المهاجرة التي بدأت بدورات دراسية وتخرجت في جامعات الغرب وتفوقت علمياً فتم استقطابها أو هي استقرت برغبتها، أو عادت الى الوطن ووجدت الامكانات في بلدانها لا تسمح لها باستمرار البحث والعمل في تخصصها فعادت الى الغرب. أما الجزء الثالث فهم المهاجرون لأسباب سياسية أو عقائدية، ورعاهم الغرب لفترة زمنية، رغم أن من بينهم متهمين في أقطارهم العربية بجرائم ومطلوبين عن طريق الانتربول، واحتضنهم الغرب من مبدأ الحرية والتسامح، وحقوق الإنسان المطاطية التعبير. هذا الجزء الثالث شكّل أزمة حقيقية كان لها تأثيرها على المهاجرين الآخرين الذين يمثلون الغالبية. آن الأوان أن تبدأ الدول العربية التفكير جدياً في أن جزءاً كبيراً من المهاجرين إذا تفاقمت الأزمة سيفكرون في العودة. وإذا لم يرجعوا على الأقل سيتغير موطن المهجر إلى مكان أقل توتراً وعنصرية وأقرب جغرافياً للوطن العربي، ومن المؤكد أن هذا الحراك سيحدث، والقلق الذي تعيشه الجاليات العربية مزعج بشكل غير عادي. هل من دور لمنظمة العمل العربية في مواجهة هذه التحديات؟ - بدأنا في التحرك مع الأمانة العامة للجامعة العربية، ودار نقاش قبل الأحداث الأخيرة ببضعة شهور مع الأمين العام السيد عمرو موسى حول العرب في المهجر. وتناولنا هذا الملف من زاوية العمالة والعمل والحقوق، وتم التفكير في مفوضية خاصة لهذا الملف تسمى "مفوضية العرب في المهجر" تهتم بشؤونهم وتبلور موقفاً عربياً فيه، حتى لا تتم مناقشة قضايا العرب في المهجر عن طريق كل بلد على حدة وإنما في إطار المؤسسة الأم. من هذا المنطلق وبعد حدوث الأزمة الأخيرة وضعنا استراتيجية لمواجهتها. ما هي إحصاءات أرقام العمالة في المهجر؟ - إلى حد ما لدينا أرقام ومصادرنا فيها ليست عربية وإنما دول المهجر. لدينا ما يزيد على 15 مليون عربي مهاجر، وتكلم الرئيس جورج بوش أخيراً عن أربعة ملايين عربي ومسلم في الولاياتالمتحدة. فيما يوجد في أوروبا بين ثمانية وتسعة ملايين وفي بلاد المهجر الأخرى استراليا وكندا وغيرهما بين مليونين وثلاثة. 15 مليوناً ليس رقماً بسيطاً وهو يوازي تقريباً عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي. هل رصدت منظمة العمل العربية الخسائر في سوق العمل العربية في الفترة الحالية داخلياً إثر الأحداث؟ - معلوماتنا دائماً نستقيها من الدول العربية التي لا يزال معظمها يتحاشى الإعلان عن نتائج سلبية بسبب الأحداث. ولكن قبل نهاية العام ستكون هناك صورة واضحة لهذه الخسائر، ولكن هناك أشياء غريبة تحدث، فعلى سبيل المثال من خلال متابعتي نجد أن تحسناً طرأ على بورصة دبي بخلاف جميع بورصات العالم، والسبب أن هذه البورصة ليس فيها شركاء أجانب. هل هذا على مستوى الاستثمار والعمالة معاً؟ - كنا نقول ما الذي يمنعنا كعرب من التخطيط لأبنائنا للحصول على فرص العمل المتاحة في أي مكان في العالم، وطالما نحرك البضائع نحرك الناس. ولكن الآن الوضع يتطلب على الأقل سنوات. في حرب الخليج، جرح حرب الخليج العربي - العربي منذ 11 سنة لا يزال دامياً ولم يلتئم. فما بالك بالجرح الآخر. في تصوري الآن أن ال 700 مليار دولار وهي الاستثمارات العربية في الخارج سواء المشروعة وغير المشروعة، لو سُخر جزء منها لاستثمار داخلي في الوطن العربي ومُنح هؤلاء المستثمرون نوعاً من الضمانات لرؤوس أموالهم، وتهيئة المناخات للاستثمار علمياً وموضوعياً وتنفيذياً، لو تم ذلك لكان بالإمكان أن نستوعب عمالتنا العاطلة في الداخل وعمالتنا المهاجرة. الوطن العربي كبير ومساحاته شاسعة وإمكانات التوسع الزراعي والصناعي والتكامل الاقتصادي فيه ممكنة. للأسف هذا الموضوع لن يتحقق إلا من خلال شيئين: الثقة والتضحية، والاثنان نفتقدهما في سياساتنا الاقتصادية في الوطن العربي. الثقة المتبادلة لا تزال بعيدة عن الصورة الجيدة كما أننا لسنا مستعدين للتضحية كأخوة من أجل إخواننا الآخرين كي نرفع من مستواهم المعيشي وأن نحقق نوعاً من التكامل أو العدالة والمساواة في الظروف الاقتصادية الحالية. ولكن الأمل الوحيد أنه قد تُخلق الثقة وتتحقق التضحيات من خلال الأزمات. هل هي في حاجة إلى قرار سياسي خصوصاً أن المنظمات العربية المتخصصة أجرت دراسات وأوصت وعدلت تشريعات واصدرت قرارات تتيح تكاملاً حقيقياً؟ - القناعة الشعبية العربية موجودة حتى عند أصحاب الأعمال ومنظمات العمال. الحقيقة أننا سعدنا بدورية انعقاد القمة العربية بصفة منتظمة، لأن هذا سيعطينا قناة إلى القرار السياسي العربي. نحن فجرنا في منظمة العمل العربية ملف البطالة، وركزنا على الأرقام والاحصاءات حول هذا الغول المخيف وآثاره على التطرف، فلهذا السبب ملف البطالة، الآن مثلاً، يتفق القادة العرب على أنه قنبلة موقوتة، ومعها بدأنا الآن ندخل في قناعات بأن هذه المشكلة لا مصر تستطيع حلها وحدها ولا سورية أو الجزائر والمغرب أو دول الخليج وحدها، لذلك فالبطالة في الوطن العربي لا يمكن أن تُحل إلا بنوع من التنسيق العربي لإتاحة فرصة عمل مشتركة عن طريق تحريك العمالة والتخصصات المختلفة من بلد إلى آخر حسب الحاجة والظروف والتباين. من هنا يمكن خلق التكامل، وليس لدينا حل آخر. ونحن عندنا أمل في القمة الدورية خصوصاً بعد اجتماع لجنة التنسيق بين المنظمات العربية برئاسة عمرو موسى. واتفقنا على أن نعرض على كل قمة موضوعاً فنياً. ملف يهم الوطن العربي، ملف لا يُحدث انقساماً في الصف، مثل البطالة، العمالة المهاجرة، محو الأمية، الصحة، وأن نفصل بينها وبين المواقف السياسية وبدأنا في قمة عمان بعرض ملف الطفولة والذي وافق عليه القادة ببساطة شديدة.