تعرض حلقة اليوم من حلقات أسامة بن لادن وتنظيمه "القاعدة" تطور فكر قادة التنظيم، في ملجأهم الأفغاني، في شأن الصراع مع الولاياتالمتحدة. إذ ان التنظيم كان اتخذ قبل سنوات، تحديداً منذ بداية التسعينات، قرار المواجهة مع أميركا. لكن هذه المواجهة كانت محصورة تحديداً بالوجود الأميركي داخل المنطقة العربية. وبدأ قادة "القاعدة" توسيع مفهومهم ل "الحرب على أميركا" منذ انتقالهم من السودان الى أفغانستان في 1996، وهو أمر تجلّى في 23 شباط فبراير 1998 في إعلان تشكيل "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، وتُرجم بعد شهور فقط بتفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في نيروبي ودار السلام يوم السابع من آب اغسطس. عاد أسامة بن لادن الى أفغانستان من السودان نهاية 1996. ولم يُضع وقتاً طويلاً في إعادة ترتيب أوضاع تنظيمه. إذ عكف فوراً على اجراء مراجعة شاملة لأوضاع "القاعدة"، خصوصاً لجهة هيكليتها التنظيمية واستراتيجيتها. على الصعيد التنظيمي، تكرّس دور محمد عاطف صبحي أبو ستة المعروف ب "أبو حفص المصري" مسؤولاً عاماً عن الشؤون العسكرية في "القاعدة" خلفاً لعلي الرشيدي "أبو عبيدة البنشيري" الذي كان غرق في بحيرة فيكتوريا ربيع 1996. لم يكن ذلك تغييراً غير متوقع في هرمية اللجنة العسكرية ل "القاعدة"، في ضوء حقيقة ان "أبو حفص" كان الرجل الثاني في اللجنة بعد "أبو عبيدة". لكن مجيء "أبو حفص" عزز، كما يبدو، كلمة المتشددين في التنظيم الذين يريدون رؤية عمليات عسكرية ضد الولاياتالمتحدة والدول الصديقة لها. ول "أبو حفص" تاريخ مع الولاياتالمتحدة، منذ بدء تدريبه - في 1992 و1993 - خلايا "القاعدة" في الصومال لمقاتلة القوات الأميركية، ثم مناقشته، في 1994، القيام بعمليات تفجير تستهدف المنشآت الأميركية في المنطقة. وإذا كان من ملاحظة ثانية على تولي "أبو حفص" القيادة العسكرية ل "القاعدة" فإنها تتعلق بما ظهر من اعتماد شبه كُلّي لإبن لادن على المصريين في إدارة تنظيمه. وأثارت هذه "السيطرة المصرية" خلافات عدة داخل التنظيم، خصوصاً من بعض الناشطين الذين رأوا أن لا مجال أمامهم لتولي مناصب حساسة "يحتكرها" المصريون، خصوصاً في قيادة اللجنة العسكرية. إذ ان الرجل الثاني، بعد "ابو حفص"، في اللجنة هو مصري أيضاً يدعى "خالد المصري". وإضافة الى "القاعدة"، ينتمي الأخير الى "جماعة الجهاد" المصرية، وهو "إختصاصي في الدبابات"، إذ كان يستطيع إصلاحها خلال المعارك مع الروس وقيادتها، وفقد إحدى إصابع يده اليسرى خلال المعارك ضد الروس في افغانستان. ولا يبدو ان إبن لادن كان يأبه بالتذمر من "سيطرة" المصريين على "القاعدة"، خصوصاً ان ثقته بهم كانت شبه مطلقة. ويروى انه رد مرة على شكوى في هذا الإطار خلال لقاء في بيشاور قائلاً: "إننا نفعل ذلك لله ويجب ألاّ نتذمّر. وإذا كان أمير يتولى بيت ضيافة او تدريباً فلأنه أهل لذلك، وهو مسؤول عما يفعل ويجب ان نثق به". الظواهري وفي موازاة اعتماد إبن لادن على المصريين الاعضاء في "جماعة الجهاد" في إدارة شؤون تنظيمه العسكري، فإن علاقته بمنظّري هذه الجماعة توطّدت أيضاً، خصوصاً مع زعيمها الدكتور أيمن الظواهري. وتعود علاقة الرجلين الى أيام الجهاد الأفغاني في الثمانينات، وتكرّست في القسم الأول من التسعينات خلال وجودهما في السودان، واستمرت بعد انتقالهما معاً الى محطتهما الأفغانية. في هذه المحطة، بدأ إبن لادن والظواهري بمراجعة طريقة تعاطي "القاعدة" مع الولاياتالمتحدة. وتوافقا، كما يروى، على ان هذه الدولة هي "العدو الأول" للمسلمين في أنحاء العالم، وان دعمها بعض الدول العربية هو السبب الأساسي في فشل جهود إسقاط أنظمة حاكمة فيها. وواصلا مراجعة موقف "القاعدة" من أميركا طوال عام 1997. ويبدو انهما توصلا في نهاية ذلك العام الى ضرورة "إعلان الحرب" على الأميركيين أينما وجدوا، بعدما كانت حربهما محصورة منذ 1996 بالوجود الأميركي في المنطقة. "الجبهة الإسلامية العالمية" الإعلان الرسمي ل "الحرب على الأميركيين" لم يحصل سوى في 23 شباط 1998. إذ أعلن إبن لادن في ذلك اليوم بيانه الشهير باسم "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" وضمّنه "فتوى" تجعل قتل الأميركيين، مدنيين وعسكريين، ونهب أموالهم "فرض عين" على من استطاع من المسلمين في كل أنحاء العالم. وضمّ البيان الأول للجبهة، إضافة الى توقيعه، توقيع الظواهري، زعيم "جماعة الجهاد"، والشيخ رفاعي طه، المسؤول عن "مجلس الشورى" في "الجماعة الإسلامية" المصرية. كذلك وقّع البيان زعماء مجموعتين إسلاميتين من باكستان ومجموعة إسلامية واحدة من بنغلادش. ما كاد بيان "الجبهة العالمية" يصدر في وسائل الإعلام حتى أثار زوبعة ليس فقط في الدوائر الأمنية الأميركية، بل أيضاً في أوساط الحركات الإسلامية ذاتها. ذلك ان كثيراً منها كان يرى ان إعلان الحرب على الأميركيين لمجرد جنسيّتهم هو خطأ شرعي، إضافة الى انه خطأ استراتيجي فاضح يدفع الولاياتالمتحدة الى ان تُلقي بثقلها أكثر في مواجهة الجماعات الإسلامية، خصوصاً المنضوية في إطار "الجبهة العالمية". وكان الظهور الأول لهذا التصدع في "الجبهة" إضطرار رفاعي طه الى إصدار توضيح مفاده ان توقيعه البيان لا يُلزم "الجماعة الإسلامية" التي كانت أعلنت صيف 1997 مبادرة سلمية أطلقها قادتها التاريخيون المعتقلون في السجون المصرية. وعلى رغم ان "توضيح" طه أكد ان توقيعه لا يُلزم "الجماعة الإسلامية" الإنضمام الى "الجبهة العالمية"، إلا ان المعلومات التي كان الأميركيون يملكونها عنه أثارت شكوكاً في حقيقة موقفه. ذلك ان أعضاء سابقين في "القاعدة" أبلغوا الاستخبارات الأميركية منذ 1996 ان طه هو صلة الوصل بين "القاعدة" و"الجماعة"، وان دوره المزعوم هو نقل مواقف تنظيم إبن لادن الى قيادة جماعته. ويزعم جمال أحمد الفضل، السوداني الذي انشق عن "القاعدة" وقدّم معلوماته الى الأجهزة الأمنية الأميركية، ان طه "أبو ياسر المصري" عضو في "الجماعة الإسلامية" و"القاعدة" في آن. ويقول: "دور أبو ياسر كان مساعدة الجماعة في تحقيق أهدافها تحت لواء "القاعدة"، وفي الوقت ذاته كان ينقل الى جماعته أي فتاوى أو اجتماعات للقاعدة". تفجير السفارتين في أي حال، لا يبدو ان نأي "الجماعة الإسلامية" المصرية بنفسها عن موضوع إنشاء "الجبهة العالمية" أثر في خطط ضرب الأميركيين. إذ أصر إبن لادن على "شرعية" موقفه من إباحة دم الأميركيين، المدنيين والعسكريين. وعقد في أيار مايو مؤتمراً صحافياً في منطقة قريبة من الحدود الباكستانية - الأفغانية كرر فيه تهديداته لأميركا. وأطلق التهديدات ذاتها رفيقه في "الجبهة العالمية" الدكتور الظواهري. كان الأميركيون يشعرون بالتأكيد بأن إبن لادن يُخطط لعمل ما ضدهم. لكنهم لم يعرفوا طبيعة هذا العمل أو مكانه. كانوا يعرفون ان المصريين، خصوصاً أعضاء "جماعة الجهاد"، يُشكّلون عماد تنظيمه المسلّح، فقرروا ان يكونوا البادئين بالتحرك، إذ شنّت أجهزة استخباراتهم بالتعاون مع حكومات في منطقة البلقان خصوصاً البانيا حملة اعتقالات واسعة في أوساط "جماعة الجهاد". ورُحِّل عدد من قادتها الذين يعيشون في الخفاء، ومعظمهم بأسماء غير صحيحة، الى بلادهم. وشكّلت الحملة الأميركية ضربة لقواعد جماعة الظواهري في أوروبا. لكنها لم تكن سوى "معركة"، والمنتصر هو الذي ينتصر في "الحرب". وأصدرت "جماعة الجهاد" مطلع آب 1998 بياناً هددت فيه بأنها سترد على التصرف الأميركي في حق عناصرها. كان الأميركيون يعرفون، بالتالي، ان عملاً ما سيستهدفهم، لكنهم لم يعرفوا بالتأكيد حجم الضربة، وجاءهم الجواب بعد أيام على صدور البيان: انفجاران هائلان دمّرا سفارتي أميركا في نيروبي، عاصمة كينيا، ودار السلام، عاصمة تنزانيا. كانت الساعة تقترب من العاشرة والنصف صباح السابع من آب 1998. السفارة الأميركية في نيروبي كانت تعجّ بالموظفين والزوّار، خصوصاً طالبي التأشيرات، وحولها كانت الطرق تعجّ بالمارّة والموظفين والطلاب. و"في إغماضة عين"، كما يقول المدعي الأميركي بول باتلر، "تغيّر كل شيء". دخلت شاحنة الموقف الأمامي للسفارة، ناقلة قنبلة ضخمة دمّر انفجارها المبنّى الأميركي وعدداً كبيراً من المباني المحيطة. لكن الخسائر المادية لم تكن لتُقارن بما حصل للبشر. إذ فقد 213 رجلاً وإمرأة وطفلاً حياتهم. وأُصيب آلاف غيرهم، والكثير منهم بالعمى نتيجة الزجاج المتناثر من النوافذ. لم تكد تمر دقائق على الانفجار حتى تكرر الأمر ذاته أمام السفارة الأميركية في دار السلام. لكن التفجير هذه المرة أوقع 12 قتيلاً وعشرات الجرحى فقط. لم تمض سوى أيام قليلة حتى تمكن المحققون الأميركيون من فك خيوط مؤامرتي التفجير وربطهما بإبن لادن. لم يكن الخيط الأول جهداً مباشراً منهم، بل اعتمد على الصدفة. ذلك ان أجهزة الأمن الباكستانية أوقفت في مطار كراتشي عربياً يحمل جواز سفر يمنياً كون ملامحه لم تماثل أبداً ملامح صاحب صورة جواز السفر. وحقق الباكستانيون معه، فتبيّن انه فلسطيني - أردني يُدعى محمد عودة. وقد أدلى بمعلومات مثيرة عن معرفته ببعض منفّذي التفجير في كينيا حيث كان يعيش منذ سنوات ويعمل في تجارة الأسماك. ورحّله الباكستانيون الى كينيا، وهناك أدلى بمزيد من المعلومات عن المنفّذين. قال انهم يعرف كثيرين منهم، وانهم من تنظيم "القاعدة"، وان المسؤول عنهم طلب منه مغادرة كينيا قبل العملية. وأقر بأنه كان في تنظيم "القاعدة" في السابق، وانه من الذين أُرسلوا الى الصومال لتدريب الفصائل فيها ضد القوات الأميركية. لكنه أكد انه لم يكن ضالعاً في تفجير السفارة، وان شعوره ب "المسؤولية" عما حصل ينبع من معرفته بالمنفّذين الذين كشف انه أقام وإيّاهم في فندق خلال تحضيرهم الشاحنة المفخخة. خيط آخر استطاع المحققون الأميركيون الوصول اليه، هذه المرة من داخل كينيا. إذ اعتقلت أجهزة الأمن واحداً من المصابين بالتفجير. وخلال تحقيق معه استمر أياماً، وافق الشاب على التعاون مع السلطات الأميركية. ابلغهم ان "العدو هو أميركا" وليس كينيا، وانه على هذا الأساس مُستعد لمواجهة القضاء الأميركي. قال لهم في البدء انه يمني، لكنه تراجع وأوضح انه سعودي يُدعى محمد العوهلي، وانه كان في "مهمة استشهادية" ظن انه لن يعود منها حيّاً، إذ كان في الشاحنة المفخخة التي ضربت السفارة في نيروبي. كانت مهمته إطلاق النار ورمي قنابل على الحراس لتشتيتهم والسماح لسائق الشاحنة بالإقتراب قدر الإمكان من السفارة كي يُوقع الانفجار أكبر قدر من الخسائر في صفوف الأميركيين. نفّذ العوهلي مهمته. قفز من الشاحنة وأطلق رصاصه على الحراس. نظر فرأى رفيقه، سائق الشاحنة، متوجهاً نحو الهدف. ففر في الاتجاه المعاكس، إذ ان وفاته لم تعد ضرورية. ما كاد العوهلي ان يدير ظهره فاراً حتى وقع الانفجار وأُصيب وعولج في مستشفى الى جانب الجرحى الآخرين الذين لم يكن أحد منهم يدري انه أحد منفّذي العملية. بعد تلقيه الإسعافات، سارع العوهلي الى التخلّص من مفتاح الشاحنة المفخخة الذي كان يملك نسخة عنه، ومن رصاصات بقيت معه بعد إطلاقه النار على الحراس. دلّ الشاب السعودي المحققين الى مكان تخلّصه من المفتاح والرصاصات، فذهبوا واستعادوها، ثم نقلوه الى الولاياتالمتحدة. نجاح الأميركيين في كشف ملابسات الانفجار في دار السلام لم يستغرق وقتاً طويلاً. عرفوا المنفّذين، لكنهم لم يستطيعوا اعتقالهم، إذ نجحوا في مغادرة الأراضي التنزانية مباشرة قبل التفجير الانتحاري. وتسلّم الأميركيون، بعد الانفجار بنحو سنة، واحداً من منفّذي العملية، التنزاني خلفان خميس محمد بعدما أوقفه مسؤولو الهجرة في جنوب افريقيا منتحلاً هوية أخرى ويعيش في انتظار بت طلبه اللجوء السياسي. الرد الأميركي بعد أيام على عمليتي التفجير، ردّت أميركا بقصف أربعة معسكرات تشتبه في أنها تابعة لإبن لادن في افغانستان، ومصنع للأدوية في السودان اشتبهت في وجود علاقة لصاحبه بزعيم "القاعدة". فنّد صاحب المصنع الزعم الأميركي ولجأ الى القضاء مُطالباً بتعويض. وأقر مسؤولون أميركيون لاحقاً بأنهم اعتمدوا على معلومات لاستخبارات بلادهم، وانهم أخطأوا كما يبدو في تحديد طبيعة المواد التي يُنتجها المصنع. أما الضربة التي وُجّهت الى المعسكرات الأربعة في أفغانستان فإن فشلها في إصابة أهدافها كان ذريعاً. وعلى رغم ان الأميركيين لم يعترفوا بذلك في البدء، إلا ان هدفهم في العملية الأفغانية كان الوصول الى إبن لادن نفسه، و"التخلّص" منه. لكن المعلومات الاستخباراتية التي كانت تملكها واشنطن عن زعيم "القاعدة" ضئيلة جداً، لم تسمح لها بتحديد مكان اختبائه. وهكذا نجا إبن لادن، وواصل تخطيطه المزعوم ل "الحرب على أميركا" الذي بلغ ذروته في ضرب المدمرة "كول" في ميناء عدن في تشرين الاول اكتوبر 2000. إبن لادن: دعوا التاريخ يشهد انني مجرم ... إذا كان التحريض على الجهاد جريمة في كانون الثاني يناير 1999، نشرت مجلة "تايم" الأميركية مقابلة مع إبن لادن أجراها رحيم الله يوسف ضياء في مقاطعة هلماند. يوسف ضياء الذي يعمل ل "ذا نيوز" الباكستانية ويراسل "تايم" و"أي. بي. سي" الاميركيتين، قابله أربع ساعات. صوّره يمشي بمساعدة عكّاز خشبية، لكن حراسه محوا هذا المقطع من شريط المقابلة. تحدث أسامة في تلك المقابلة عن قصف أميركا معسكراته في أفغانستان وأسباب حربه على الأميركيين. سُئل هل يقف وراء تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في نيروبي ودار السلام؟ فأجاب: "الجبهة الاسلامية العالمية للجهاد ضد الولاياتالمتحدة واسرائيل أصدرت "فتوى" بالغة الوضوح تدعو الأمة الإسلامية الى القيام بجهاد بهدف تحرير المقدسات. استجابت أمة محمد هذا النداء. إذا كان التحريض على الجهاد ضد اليهود والأميركيين ... يُعتبر جريمة، إذاً دعوا التاريخ يشهد أنني مجرم. مهمتنا التحريض، وقد فعلنا ذلك - بفضل الله - وبعض الناس استجاب الدعوة". وهل يعرف المعتقلين في هذين التفجيرين؟ أجاب: "ما نعلمه هو ان الذين يخاطرون بحياتهم من أجل نيل رضا الله هم رجال حقيقيون". سئل: ولكن يُقال انهم كانوا مرتبطين بك؟ أجاب: "وديع الحاج أحد إخواننا هداه الله الى طريق العمل الإغاثي للاجئين الأفغان. لا أزال أذكره، على رغم انني لم اره أو اسمع منه لسنوات طويلة. ليس لديه أي شيء بالمزاعم الأميركية. أما بالنسبة الى محمد راشد العوهلي، فقد أُخبرنا أنه من نجد. ممدوح سليم إنسان صالح حافظ للقرآن الكريم. لم يكن أبداً عضواً في أي منظمة جهادية. حقيقة الأمر ان أميركا، خصوصاً ال "سي. آي. إيه"، ارادت تغطية فشلها في أعقاب الأحداث التي حصلت في نيروبي، دار السلام، كيب تاون، كمبالا - وأماكن أخرى في المستقبل، إن شاء الله - من خلال اعتقال أي شخص شارك في الجهاد الإسلامي في أفغانستان". وسئل كيف يبرر مقتل الأفارقة إذا كان هدفه الجهاد ضد الأميركيين؟ أجاب: "السؤال يفترض سلفاً أنني وراء تلك التفجيرات. جوابي هو أنني اتفهم دوافع الأخوة الذين قاموا بأعمال ضد أعداء الأمة. عندما يُصبح ظاهراً ان من غير الممكن طرد ريبل أولئك الأميركيين من دون مهاجمتهم، ولو تطلب ذلك مقتل مسلمين، فإن ذلك مسموح به في الإسلام". سُئل: أميركا، القوة العظمى الوحيدة في العالم، تُطلق عليك العدو الرقم واحد. فهل انت قلق؟ أجاب: "العداء لأميركا واجب ديني، ونأمل بأن يُكافئنا الله عليه. ان يدعونا العدو الرقم واحد أو الرقم إثنين لا يسبب أذى لنا. أسامة بن لادن واثق من ان الأمة الإسلامية ستقوم بواجبها. واثق من ان المسلمين سيتمكنون من إنهاء اسطورة ما يُطلق عليه القوة العظمى التي هي أميركا". قصة غرق "أبو عبيدة البنشيري" في فيكتوريا أثارت ملابسات وفاة علي الرشيدي المعروف باسم "أبو عبيدة البنشيري"، أحد مؤسسي تنظيم "القاعدة"، كثيراً من اللغط منذ انكشافها سنة 1996. و"الحياة" تورد هنا تفاصيل وفاته غرقاً في بحيرة فيكتوريا، كما رواها صهره آشيف محمد جمعة الذي كان معه في السفينة المنكوبة لدى غرقها. يقول جمعة من مواليد تنزانيا سنة 1965 ان شخصاً مصرياً يحمل الجنسية الهولندية يُدعى "جلال" تزوج اخته طاهرة، لكنه لم يعرف اسمه الحقيقي سوى بعد وفاته في 1996 قيل له في البدء انه اسمه "عادل حبيب"، لكنه عرف لاحقاً انه صهره هو "أبو عبيدة البنشيري". ويروي جمعة حادثة الغرق: بدأت القصة عندما تشاجرت إحدى أخواته منيرة مع زوجها وارادت الطلاق. فقرر زيارتها لمصالحتها مع زوجها الذي كان يريد العيش في بوكوفا في تنزانيا في حين أصرت هي على البقاء في نيروبي. وتقع بوكوفا شمال غربي مدينة موانزا على سواحل بحيرة فيكتوريا. ذهب جمعة واخته منيرة وصهره "جلال" في عبّارة من موانزا الى بوكوفا. بقوا أقل من يوم. بقيت منيرة هناك، في حين استقل جمعة و"جلال" العبارة عائدين الى موانزا. كانت عبّارة كبيرة تتسع ل 480 شخصاً إضافة الى المساحة المخصصة فيها للشحن الكارغو. لكنها لم تكن فقط ممتلئة بهذا العدد من المسافرين، بل كانت تقل أكثر من 1200 شخص. سبعة أشخاص كانوا في مقصورة جمعة و"جلال". قرابة السابعة صباحاً ولدى اقتراب العبّارة من موانزا نفسها، بدأت في الانقلاب بسبب خلل في أرضيتها. انحرفت الى اليمين، فصرخ جمعة ب "جلال" لإيقاظه من النوم. صحا جلال لكنه قال لجمعة "عد للنوم. الله معنا". ما كاد "جلال" ينهي جملته حتى انحرفت العبّارة مجدداً ومالت بالكامل الى جانبها، فبات باب المقصورة المؤدي الى الممر الخارجي "الكوريدور" "سقف الغرفة". صراخ المسافرين يدوي في أرجاء السفينة. الركاب يتراكضون بحثاً عن مخرج للهرب من المقصورات قبل ان تتحول قبوراً لمن فيها. قفز جمعة عبر الباب الذي بات "سقف الغرفة". أمسك بيد "جلال" الذي كان ما زال داخل الغرفة. استطاع ان يسحب نصف جسمه خارج الغرفة. لكن فجأة سقط الباب ومعه "جلال" الى داخل الغرفة. سقط "جلال" على الآخرين المحاصرين داخلها. لا يعرف جمعة لماذا سقط صهره، وهل كان ذلك بفعل الناس المتمسكين به من الداخل والذين كانوا يجاهدون بدورهم للخروج منها. في تلك اللحظات كانت المياه تتدفق من شباك الغرفة كونه كان مفتوحاً. مد جمعة يده مجدداً الى داخل الغرفة لسحب "جلال"، لكن الماء كانت تتدفق الآن من الممر "الكوريدور" نفسه. كانت المياه تتقدم بسرعة رهيبة. ركض الى الباب الثاني في الكوريدور محاولاً فتحه. كانت المياه تحاول سحبه معها. كاد يفقد قدرته على التنفس بعدما غمرته المياه. لكنه ظل يبحث عن باب مفتوح يستطيع الخروج منه، الى ان وجد واحداً يقوده الى الخارج. ما ان وصل الى تلك النقطة من العبّارة حتى وجد ان نصفها بات تحت الماء. نظر حوله فوجد قرابة 30 شخصاً يحاولون النجاة. لكنه رأى أيضاً جثثاً تطفو على سطح الماء. فكّر في انه لو بقي معهم فإن بينهم من سيحاول التمسك به عند غرق السفينة مما سيؤدي الى غرقه ايضاً. في تلك اللحظة، قرر الفرار بمفرده. خلع ثيابه وقفز في الماء وبدأ السباحة ... قبل ان يتعلق به الآخرون. سبح نحو 500 متر، لكنه لم يكن قادراً على قطع المسافة كلها في اتجاه الشاطئ الذي كان يبعد من جهة نحو تسعة كيلومترات ومن جهة ثانية قرابة ثلاثة كيلومترات. فقرر السباحة الى مكان قريب من السفينة المنكوبة والتمسك بطوافة، وهو أمر فعله مع نحو عشرة آخرين. جاءت سفينة انقاذ للشرطة. سمعوا طرقاً من داخل السفينة. اردوا فتح فجوة فيها لسحب العالقين في الداخل. لكن هناك من قال انه لو فُتحت فجوة فإن الهواء العالق في الداخل والذي يسمح بعدم غرق العبارة سيخرج ويؤدي الى امتلائها بالماء فوراً وغرقها. قال آخرون لماذا لا نسحبها الى جانبها الثاني من اجل توزانها. لكن في النهاية تقرر فتح فجوة لانقاذ شخص عالق في الداخل كان صُراخه مسموعاً من الخارج. ما ان فعلوا ذلك حتى خرجت كمية كبيرة من الهواء المنحبس في الداخل. أُنقد الرجل لكن السفينة غرقت فوراً، ومعها ما لا يقل عن الف شخص دُفنوا في مقصورات تحوّلت "قبوراً" تحت الماء.