لست مكفوفاً ولا قارئ غيب ليس لي صبر السياسي على سبر موازين القوى ليس لي أن أهمزَ الخيل، وأن أطلب ثارات كليب فأنا لا أملك الآن سوى دمعة راودت السيّاب في ذكرى بُويب ان يكن للحزن وقت، فهو هذا غير ان الحزن، من أسمائه الحسنى "لماذا؟"... فلماذا؟ - ما الذي تعرفه أنت عن الصبر؟ - قديماً كان مفتاحاً، وصار الآن قفلاً، والذي أطلبه، بعض نفاد الصبر، / أرسل مطراً يا آبُ، ان تستصعب الأمر فأرسل من نفاد الصبر، غيماً أو رذاذا ثم ماذا؟ ان يكن للصبر وقتٌ، فلأمرٍ غير هذا الصبر وقت من دم، / هل كنت أحتاج الى هذا الدم الشاهق، / حتى تدخل الشمس الى بيتي؟ / إذن ليس دماً هذا، وليس الخشب الملفوف بالراية نعشاً، / بل هو الرؤية والرؤيا، هو الخبز الذي نحيا عليه فتعالوا أيها الجوعى اليه سيد المشهد لا يرحل، حتى حين يرديه ابن آذى هوذا يُقبل من عرابة طفلاً، ولا يردعه ألا يرى في الأرض بيتاً أو ملاذا هو هذا قلبه خبزٌ، تعالوا أيها الجوعى،.. ولكن سيد المشهد يوصي بالحذر: ليس ما أطلبه وجه القمرْ بل بلادي هكذا يكبر طفل بين ألعاب الخطرْ / وتقوم الطير من بين الرمادِ / وعلى هذا فقد يفهمني آب، / ويأتي بالمطرْ - هل يواسيني الدم الشاهق أم يحنو عليّ؟ - بل تفور الأرض قمحاً، بعد أعوام عجاف شبعت عقماً وملحاً فاسداً، والخبز يبقى عهدة بين يديّ فتعالوا أيها الجوعى، نرافق سيد المشهدِ، من برية الحزن الى الصوت الذي يصرخ فيها فقدت عرابةٌ أغلى بنيها فإذا عرّابة في بيتنا، لكننا لسنا ثكالى ليس ما نبغيه ثارات كليب، غير ان العدل في غرة أسماء تعالى - صمم في مسمع الدنيا، أم الرعد مغطى بدم؟... فلنقتحم أسماعنا هذا الدوي والى ان تسمع الدنيا، كفاني أنني أصغي الي: يا بلاداً لوعت قلبي، وقلبي يفتديها كلما أورق فيها الظلُّ، واحلولى الضحى، جاء الغزاة كلما جاء الغزاة احتفروا قبراً لنا، واختلت الأرض، فأصبحنا جناة هكذا أوغل في الرأس ورأس القلب شيبْ ونما حزن على العشب، فضجَّ البوق: ان الحزن عيبْ وأنا مستغرقٌ في العيب أحكي حجراً يتمهُ موتُ الفلاة: أفما آن لنا ان يطرح الزيتون زيتوناً، / وأن تستقبل الكرمة، لا بالرمز في الأشعار بل بالفرح الصيفي، / أيدي قاطفيها؟ لم أقل أكثر من هذا فماذا كان حتى أمطر المنفى عيوناً كلها شكٌ وريب؟ / هكذا غرِّبتُ، / بل صلى أبي: وجهتُ وجهي، / وأنا وجّهت وجهي، ولهذا لم تكن تغريبتي في الأرض تيهاً وتبسطتُ مع الأرض، فما عاصمة إلا ولي فيها كلام تاركاً ما ليس لي، أطلب داراً تعتري عمري، وروحي تعتريها ليست الفردوسَ إلا أنها داري، ولستُ الجوهر الفردَ، ولكني لها المعنى، وفي معناي للطير مقامْ : كلها يا طيرُ لي، أخضرُها، أبيضُها، أحمرُها، والأسودُ المشتق من نور الظلامْ ربما... في القاع لكنّ دمي يرنو اليها شاهقاً، أعلى فأعلى كلّها لي ليس إلاّ لم تجئْني في المنام غير أني، كلّها فتحة قلب، وأرى الدنيا تتالى غربة تولد من منفى يلي حرباً تلي منفى يليها هكذا عرابة تفقد، في عز الضحى، أغلى بنيها وترد النار حالاً من "لماذا" وقت الحزن، جاء الحزن شخصياً، فلم ألمسْه حتى صار وجهاً للغضب - ما الذي تعرفه أنت عن الصبرِ؟ - قديماً كان مفتاحاً، - وصار الآن قفلاً وأنا لا أطلب الثأر ولا يحكمني سيف انتقامْ لا ولا أرشو الدم الساخن بالحمى ومنقوع الخطب بل أجوب الأرض عدلاً كلها لي ليس إلا كلها لي ليس إلا فعلى الأرض السلام والسلام الآن عنقود لهبْ غزة - الثلثاء 28/8/2001