عدد الذين يتكلمون الفرنسية في العالم يقارب مئتي مليون، لغتهم الأساسية أو الثانية ما يشكل نسبة 3 في المئة من سكان العالم تقريباً، وتندرج هذه اللغة في المرتبة التاسعة في العالم، لكن ظاهرة العولمة الممتطية الإنكليزية تصيبها بتراجع مستمر. هل أن هذه الوقائع تشكل مبرراً لاعتبار حركة الفرنكوفونية هامشية غير مجدية نسبة للمشاكل المطروحة حالياً؟ أم أن القمة التاسعة للفرنكوفونية - التي تأجل عقدها في بيروت - يجدر اعتبارها فرصة لبيان قضايا العالم الثالث المحقة؟ ففي عالم يتنظم تدريجياً حول التكتلات الاقتصادية ساعياً بإصرار لحماية مصالحه الأنانية تظل الفرنكوفونية حاملة باعتزاز مهمات تتخطى ببعيد الاهتمامات "المركنتيلية". المجموعة الفرنكوفونية تتألف من اثنتين وخمسين دولة قمة هانوي 9719، وحوالى ثلاثة أرباع الدول هذه متخلفة اقتصاديا أو تعتبر في أفضل الحالات دولاً نامية، كما أنه في عشرين منها شعوب إسلامية ضمنها ست دول عربية، ويمكن اعتبار مؤتمر الفرنكوفونية إحياء للحوار بين الشمال والجنوب الذي حاول إقامته منذ 25 سنة من دون جدوى، المستشار الألماني ويلي برانت والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار دستان. وليس سراً أن الحوار بين الشمال والجنوب لم يذهب بعيداً لأنه يتطرق إلى قضايا حساسة لا يمكن تجنبها، مثل التبادل غير العادل بين دول الشمال القوية الثرية والجنوب الضعيف. ولأن عولمة الاقتصاد أصبحت مصدر قلق للبلدان غير الصناعية فإن الفرنكوفونية تشكل عامل اعتدال قادراً على صوغ واقتراح خطط عمل لموازنة التجاوزات. لا عجب أن فرنسا التي تتزعم طبيعياً هذه الحركة هي حالياً المانحة الأولى لمساعدات التنمية في العالم، فما يقارب نصف في المئة من إنتاجها القومي مخصص لمساعدة بلدان الجنوب، وهذا يشكل ستة أضعاف النسبة التي تدفعها الولاياتالمتحدة وضعف نسبة الدول السبع G7 الصناعية الغنية. وعلى الصعيد السياسي فإن قدرة العالم الثالث على المساومة قد وضعت في مقابل العالم الأول بعد زوال العالم الثاني أي مجموعة بلدان أوروبا الشرقية سابقاً، فمجموعة الدول الناطقة بالفرنسية ومن خلال مؤسساتها المختلفة والمتزايدة باستمرار تشكل مصدراً فعالاً لتقوية بلدان العالم الثالث التي تستطيع أن تستجير بفرنسا باعتبارها الدولة الأولى التي شرّعت حقوق الإنسان سنة 1789. وتماشياً مع هذا التقليد القديم فإن الدول العربية أدخلت في جدول أعمال الفرنكوفونية قضية العنف المناهض لحقوق الإنسان الممارس ضد الشعب الفلسطيني وذلك بدعم من أكثر من خمسين دولة تنتمي إلى القارات الخمس، كما أنها توجهت إلى الشعوب الأوروبية وكندا المنتسبة إلى الفرنكوفونية للمساهمة بفعالية أكثر في حل قضية النزاع العربي - الإسرائيلي، وذلك لإيجاد توازن في وجه الموقف الأميركي المنحاز. وهذه الفرصة تبلورت بوضوح بعد صدور الموقف الاخير المتميز لادارة الرئيس بوش والذي أعلنت فيه عن حق الشعب الفلسطيني بدولة حرة. لن تحصل قمة من أي نوع على مر الاشهر والسنين المقبلة من دون أن تلحظ قضية الارهاب العالمي، ومن دون شك فان قمة الفرنكوفونية التي تأجل عقدها في بيروت ستوضح موقف الدول المشاركة صفاً واحداً ضد الإرهاب. كما أنه برزت أبعاد أيجابية اخرى من خلال هذا التجمع الواسع. انه التلاقي الحضاري السلمي لمجموعة البلاد المأهولة بالمسلمين والمسيحيين لمصلحة الجميع. وبازدياد الشكوك بوجود مخطط صهيوني عالمي مجند لخلق نزاع طويل بين الحضارتين المسيحية والاسلامية فان الفرنكوفونية في هذا السياق هي في حد ذاتها عملية تأكيد جماعية لمجابهة مثل هذا المخطط الشيطاني. موضوع القمة الفرنكوفونية التاسعة هو حوار الحضارات، والفرصة مناسبة في لبنان بالتحديد، فهو بجدارة الوطن المثالي للتسامح ولتعايش الديانات السماوية، وهو نجح ولو بعذاب مرير في اجهاض المؤامرات المبرمجة كي يتجابه الاسلام والمسيحية والتي يتوجب ايضاً على العالم كله عدم الرضوخ لها. ان حركة الفرنكفونية وقمتها التاسعة التي تأجل عقدها في لبنان حوالى السنة، تستحق الدعم الكامل من مجموعة الدول العربية أياً كانت لغتها الثانية المعتمدة. * كاتب لبناني مقيم في السعودية.