لم يواجه العرب والمسلمون في الولاياتالمتحدة أوضاعاً مشابهة لتلك التي يعانونها منذ الحادي عشر من ايلول سبتمبر الفائت. فقد بدل ذلك الثلثاء الأسود حياتهم وجعلهم فريسة لتنامي مشاعر العداء تجاههم في المجتمع الأميركي الذي حملهم بغالبيته الساحقة تبعة الكارثة. وعلى رغم انهم بكوا ضحايا مركز التجارة العالمية مثلهم مثل الأميركيين وخصوصاً ان لهم بينهم ابناء وأقارب وأصدقاء، إلا ان عذاباتهم كادت تكون اكبر، إذ انهم منذ تلك الكارثة صاروا يعيشون هاجس تشبيههم بالإرهابيين والانتقام منهم لمجرد انهم ينتمون الى البلدان نفسها التي يتحدر منها الذين شنوا الهجمات على نيويوركوواشنطن أو يعتنقون الدين نفسه أو ربما لأنهم يتمتعون بلون البشرة نفسه. من الواضح ان حياة الجاليات العربية والمسلمة في الولاياتالمتحدة قبل 11 ايلول هي غيرها بعده. يوم الجمعة في الجادة الأولى في مانهاتن لا يشبه ايام الصلاة الأخرى، فسائقو التاكسي الأفغان والباكستانيون والبنغاليون والفلسطينيون الذين كانوا يركنون سياراتهم الصفر في ذلك الشارع للاستماع الى الخطبة الأسبوعية لإمام مسجد المدينة باتوا يفضلون البقاء بعيداً، ولم يحضر إلا نحو 400 شخص "الصلاة الخاصة" التي أقيمت الجمعة 21 ايلول عن روح ضحايا مركز التجارة العالمية. ويقول عبدالحنان وهو طالب في السابعة والعشرين من العمر "في الأيام العادية كان عدد المسلمين الذين يحضرون للصلاة يتجاوز الألفين، اليوم فضل المؤمنون ملازمة منازلهم، انهم خائفون". مع مرور اكثر من شهر على الهجمات لا يزال السؤال نفسه يقلق مسلمي نيويورك "هل سندفع ثمن اعمال اسامة بن لادن الذي تواصل محطات التلفزة الأميركية بث صورته مرات عدة من الصباح الى المساء؟". وتحسباً لأعمال انتقامية محتملة، اتخذت الجاليات العربية والمسلمة تدابير وقائية، واضطر كثر الى اجراء تعديلات في حياتهم اليومية وأعمالهم لم يكونوا حتى الأمس القريب يفكرون في انهم سيضطرون الى القيام بها. شاه روحاني 55سنة رفع عن مطعم "باميان" الذي يديره في مانهاتن لافتة كتب عليها "مأكولات أفغانية". اما ليلى كمال وهي ربة منزل من اصل فلسطيني فتعترف انها ألصقت اعلاماً اميركية على واجهة المغسل لتجنب الإهانات الجارحة التي ازدادت اخيراً. وصرحت الناطقة باسم اللجنة النسائية للاجئات والأطفال راشيل واتسون ان اللجنة لا تتمكن من الاتصال بالأشخاص الذين تساعدهم وغالبيتهم من النساء الأفغان، وتقول: "نأمل ان نقدم لهن الدعم المعنوي، لكنهن يحتجزن انفسهن في منازلهن، حتى أنهن لا يجاوبن على الهاتف، نكتفي حالياً بإرسال رسائل لهن بالبريد". وهذا الانزواء ليس سمة الأفغان وحدهم الذين يخشون ان "يؤنبوا" على ايواء حركة "طالبان" الحاكمة في بلادهم الرجل الذي تتوج به الولاياتالمتحدة قائمة الأشخاص الأكثر "طلباً" منها، إذ ان مسلمين ومسلمات كثراً اختاروا الانكفاء ايضاً. فمنذ الاعتداءات، تكتفي سلمى، الأميركية من اصل يمني بتقديم البيتزا والسندويشات التي تؤمنها مطاعم الوجبات الخفيفة لكنها لا تجرؤ على الخروج من منزلها "مع اننا نبكي الضحايا مثلنا مثل الآخرين، فأقرباء وأصدقاء لنا فقدوا تحت الركام ومنهم جارنا الذي اختفى ولم تردنا اي اخبار عنه منذ الحادي عشر من ايلول. إنها مأساة بالنسبة الى اهله فهو كان يرسل إليهم المال شهرياً الى ايران". ولم تتوان سلمى عن إضاءة عشرات الشمعات على أرواح ضحايا في منزلها في بروكلين إلا انها امتنعت عن المشاركة في الصلاة الجماعية التي اقيمت على راحة انفسهم "فأنا أضع الحجاب لذا افضل البقاء في المنزل حالياً، لست مستعدة لمواجهة الاتهامات في النظرات الشريرة". على طول جادة اتلانتيك حيث منزل سلمى بدت اكثرية المحال التي يملكها عرب خالية. وانصرف اصحابها الذين شكوا من قلة الأعمال الى شرب الشاي وهم يتداولون المضايقات التي تتعرض لها جالياتهم لقتل الوقت. وقال المغربي ويصار منتصر 38 سنة - سائق تاكسي: "يبدو ان المدارس القرآنية اقفلت في واشنطن بعدما هدد رجل بإعادة طلاء الشوارع بدماء أولادنا". وروى آخر ان محلاً لبيع السجاد الشرقي يملكه فلسطينيون في ميريلاند احرق. وفي سان فرانسيسكو نثرت دماء خنزير في احد المساجد. اما في ميتشيغان فأدى إنذار كاذب بوجود قنبلة في احدى المدارس الى تدفق التلامذة المسلمين الى الشارع. وكان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية روبرت موللر اكد في تصريحاته في 17 ايلول الماضي حصول نحو 40 جريمة كراهية بينها حرائق متعمدة وشتائم وتهديدات في حق اميركيين مسلمين. إلا ان الواقع يدل على أن ما تحدث عنه المسؤول الأميركي ليس إلا نموذج مصغر للمضايقات التي يتعرض لها ابناء الجالية المسلمة والتي بلغ بعضها حد القتل والضرب. ولكن هناك في بروكلين، يقول منتصر: "كل شيء يجري بخير، نحن متفقون مع الجميع". وتوافقه الرأي ليلى كمال "فهنا أشعر انني في أمان. إن التنوع الثقافي في هذه المدينة فريد في العالم اذ ان واحداً على الأقل من كل ثلاثة من السكان مولود في الخارج". وحتى نيويوركالمدينة الكوزموبوليتية محصنة ايضاً بمناعة دفاعية ضد التمييز. ومنذ احداث 11 ايلول تطوعت باتريسيا وكريستي لمساعدة المسلمين وعرضتا على كثير منهم مرافقتهم الى التسوق ومراكز البريد بعدما عرفتا ان كثراً يترددون في الخروج خوفاً من تعرضهم لمضايقات "إنها طريقتنا لحمايتهم". وتشاطرها الشعور نفسه المدرّسة لاين هيودز التي تقول: "انني متضامنة مع المسلمين" وهي تضع دولارين في صندوق مسجد "ايست فيليدج"، مضيفة: "نيويورك تدين لهم بكثير من حيويتها". وإلى نظرات الآخرين، يتعين على المسلمين في الولاياتالمتحدة مواجهة نزاعاتهم الداخلية. إذ ان غالبيتهم وجدت نفسها عالقة بين نارين. الولاء لأميركا التي قدمت لهم "كل شيء"، والوفاء لأولئك الذين بقوا في اوطانهم ويواجهون الضربات الأميركية. ويكتسب هذا النزاع الداخلي طابعاً أكثر مأسوية لدى الأفغانيات. فمع ان هؤلاء يناضلن منذ سنين ضد نظام "طالبان" الذي حرمهم ادنى حقوقهن الإنسانية، إلا ان مشاعر متناقضة تختلج فيهن مع بدء العد العكسي لإطاحة الميلشيا الإسلامية من الحكم. وتحاول فهيمة دانيشغار 32 سنة وهي لاجئة افغانية تعيش في نيويورك منذ 1987 اختصار هذا الشعور الذي يسيطر على مواطنيها قائلة: "آمل في ان يبعد الأميركيون طالبان من السلطة، مضى وقت طويل ونحن نناضل من اجل تحقيق ذلك، ولكنني في الوقت نفسه أرتعب من فكرة ان اطفالاً ونساء قد يموتون من دون ذنب. المهم ان يحيد الشعب الأفغاني". وتقول زهرة سعيد 26سنة وهي طالبة تعيش في الولاياتالمتحدة منذ طفولتها: "اعاني كوني اميركية، وأعاني ايضاً كوني افغانية... في اليوم الذي انهار البرجان التوأمان، عبرت جسر بروكلين مع آلاف النيويوركيين. شعرت ان جزءاً مني تمزق ذلك اليوم تماماً كما شعر اهلي عندما كانت كابول تتعرض للقصف قبل 22 سنة. ومن المؤكد انني سأكون اكثر تعاسة إذا كان آلاف الأفغان سيموتون مع ان لا علاقة لهم بجرائم بن لادن". ثمة امر واحد مؤكد في نيويورك وهو ان المسلمين فيها في حاجة الى ان يتكلموا، وهذا ما تعكسه فعلاً تلك المناقشات التي تزدحم بها ارصفة بروكلين ومقاهي "الإيست فيليدج" عن الإسلام والإرهاب والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد دفع الشعور بالظلم بعضاً منهم الى التعبير عن سخطه على ما يتهمون به بلا وجه حق. وذهب موريتاني من محبي محمد علي كلاي الى تلاوة بيان بطله بأعلى صوته امام تمثال جورج واشنطن قائلاً: "أنا مسلم وأميركي. وإذا كان المذنبون مسلمين فإنهم يكونون قد خرجوا عن تعاليم القرآن. الذين دبروا الهجمات الإرهابية على الولاياتالمتحدة لا يمثلون الإسلام. الله لا يحمي القتلة". لم يناقش النيويوركيون القرآن كما يفعلون منذ الحادي عشر من ايلول. ولا شك ان جزءاً كبيراً مما تعرض له المسلمون بعد احداث 11 ايلول مرده الى جهل قسم كبير من الأميركيين بتعاليم الدين الإسلامي. حتى ان نيويوركياً سأل بائعاً للصحف في جادة اتلانتيك يعرفه منذ زمن طويل: "احمد، هل صحيح ان الاسلام يشجع على القتل؟". فأجابه: "طبعاً لا، الدين يناهض هذه الأعمال. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ان قتل شخص يعني قتل البشرية".