طوال أربعين سنة أقامت مجلة «نيويورك ماغازين» على الاغتذاء من نيويورك، المدينة. لكن الإنترنت قلب عملنا ومطامحنا رأساً على عقب، وحملنا على الانقلاب صحافة وطنية. وعلينا، اليوم، صوغ رؤيا نيويوركية إلى كل الموضوعات، السياسية والثقافية، تكون مرآة نمط حياة المواطنين من أهل المدن. ويؤثر هذا السعي في تناولنا المدينة: فعلى سبيل المثل خصصنا ملعباً جديداً مسقوفاً، باركليز سنتر، بعنوان أول. وباركليز سنتر هو إحدى أضخم منشآت نيويورك المبنية، ويقع ببروكلين. وعلى هذا، فنحن نساند انتشار «سمة بروكلين» وتصديرها إلى أنحاء الولاياتالمتحدة الأربعة. أرى نيويورك مطبوعة على الطموح، لا تنفك تهجس بالجديد، ولا تهدأ على حال، كريمة اليد والنفس، متسامحة، تشغلها البهرجة السطحية، وتميل إلى السلوك الطفولي في بعض الأحيان. وعندما ابتدأت عملي في المجلة، في 2004، كانت تحاول تمثيل وقت مضى، فيه كانت نيويورك مدينة مثيرة لكنها ملتبسة. والواقع ان المدينة مالت إلى التعقل، وصفحاتنا وأبوابنا هي مزيج من التقشف والفوضى، من الانكفاء ومن الآفاق العريضة. وهذا المزيج الفريد هو على صورة سحر نيويورك. وأسفُ نيويوركيّون كثر على استتباب المدينة على حال تشبه أحوال سائر المدن، هو من خصائص أهلها ومشاعرهم التي تميل على الدوام إلى افتقاد شيء مضى. ففي السبعينات بكوا انصرام الستينات، وهم يلاحظون اليوم أن السبعينات كانت عقداً مبدعاً ومجدداً. ولا شك في أن المال اضطلع في حياة نيويورك بدور غالب، وهي تخلصت من آثار 11 أيلول (سبتمبر) سريعاً قياساً إلى بطء تخلصها من أزمة 2008 المالية. فهذه خلفت ضيقاً وإحباطاً قريباً من الانهيار العصبي الجماعي. وفي آخر المطاف حصلت وقائع إيجابية: فالأمن تحسّن تحسناً عظيماً، والعمدة الحالي مايكل بلومبرغ شديد الانتباه إلى تجدد العملة، وجمال الشوارع والطرق، وإلى الفسحات العامة والحدائق. والفروق الاجتماعية، شأنها في كل مكان، تفاقمت، بيد أن نيويورك الأسطورة، مدينة الابتكار والكوسموبوليتية، لا تزال حقيقة. وهي ربما اتسعت وراء مانهاتن، فليس ثمة ما يدعو مانهاتن إلى حسد بروكلين. نيويورك جزيرة راسية في قلب أميركا. وهي أقرب إلى برلين ولندن منها إلى أوماها بنيبراسكا. إنها حاضرة عالمية وحاضرة أميركية في آن. والماضي لا يقيِّدها، ولا يعوق انشغالها بالمستقبل. * مدير تحرير «نيويورك ماغازين»، عن «لكسبريس» الفرنسية، 24/10/2012، إعداد منال نحاس