في مستهل نشاطها التجريبي الذي يستمر ستة أسابيع نظمت مكتبة الاسكندرية اخيراً ندوة تحت عنوان "الريشة والقلم" تكريماً لكل من الفنان التشكيلي صلاح طاهر والكاتب نجيب محفوظ، ويستوعب مبنى المكتبة التي ستفتتح رسمياً في نيسان ابريل 2002 اربعة ملايين كتاب، ويضم ثلاثة متاحف وخمسة معاهد والكثير من المعارض وقبة سماوية، ومركزاً متطوراً للمؤتمرات يضم ثلاثة آلاف مقعد، وأحيطت المكتبة بجدار نقشت عليه أبجديات البشر. ويعد مشروع مكتبة الاسكندرية احياءً للمكتبة القديمة التي انشأها بطليموس الاول سنة 288 قبل الميلاد، وحوت في أوج مجدها تسعمئة ألف مخطوط، أتت النيران عليها تماماً سنة 391 ميلادية. وفي الندوة التي استمرت ثلاثة ايام شارك ادوار الخراط ببحث في عنوان "تطورات اللغة عند نجيب محفوظ"، لاحظ فيه ان المرحلة الاولى العريضة من كتابات صاحب "قصر الشوق" و"أولاد حارتنا" اتسمت بلغة ترتبط ارتباطاً عضوياً لظاهرة "الشمول" الذي يمد اسبابه على كل شيء ويتقصاها حتى بذورها الأولى، وأضاف ان هذا الاسلوب يذكر المرء بقدامى كتاب العرب، وهو اسلوب رتيب تتعاقب فيه القوالب اللفظية المأثورة والايماءات الشخصية الاصيلة. أما الارهاصات الاولى بالاسلوب الحديث، التي تبدت في بعض مواقع اعمال مثل "السراب" ونحوها ووصلت الى ذروتها في "اصداء السيرة الذاتية" وبعض قصصه القصيرة الاخيرة فهي التي - كما لاحظ الخراط - تميز اسلوب نجيب محفوظ الأخير الذي يرقى الى شاعرية كثيفة غنية شديدة الخصب في ايجازها وتركيزها وقوة ايحائها. وقدمت الناقدة منى طلبة قراءة لرواية "رحلة ابن فطومة" الصادرة في 1983، مقارنة برواية "ليون الافريقي" لأمين معلوف والتي صدرت بالفرنسية في 1986، و"رحلة ابن بطوطة" التي دونت في 1354، وتُرجمت الى الفرنسية العام 1995 دار غاليمار في باريس. وشارك الروائي محمد جبريل في الندوة ببحث عنوانه "فلسفة نجيب محفوظ"، استلهمه بالتوضيح الآتي: "الفلسفة التي أعنيها هي فلسفة الحياة، الرؤية الشاملة وليست الميتافيزيقا وحدها"، ويرى جبريل ان نجيب محفوظ اهتدى الى الصوفية - كحل ميتافيزيقي في اقل تقدير - منذ البداية وتحديداً في ثلاثينات القرن العشرين، عندما كان يشغله السؤال: هل يخلص لقضية الفن أو لقضية الفلسفة؟ وهل يتجه الى فن الرواية أو يواصل السير في طريق الاجتهادات الفلسفية؟ وتناول فيصل دراج "حكاية التقدم في رواية نجيب محفوظ" فلاحظ ان محفوظ بدأ بتاريخ المجاميع البشرية، وانتهى الى تاريخ الروح المتأسية بعد ان تأمل طويلاً اغتراب الفرد المشخص. واضاف انه بهذا المعنى يكون مسار نجيب الرواي تكثيفاً لامعاً لمسار الحداثة العربية، كما لو كان لازم البدايات الواعدة واستبصر، قبل غيره بكثير، أفول الوعود الكبيرة. وفي المحور الخاص بالفنان التشكيلي صلاح طاهر 88 سنة اشار مكرم حنين الى أن "ثورة صلاح طاهر في 1956 انتقلت به من النقيض الى النقيض: من الرسوم الواقعية والتكوينات المقيدة الى الاستفاضة بالحرية والألوان والاشكال التخليقية التي لا مثيل لها". وكان مدير "مكتبة الاسكندرية" الدكتور اسماعيل سراج الدين عمل عقب إنهاء دراسته في جامعة هارفارد في العام 1972 في البنك الدولي في واشنطن وعين في 1993 نائباً لرئيس البنك وظل في هذا المنصب حتى استقال في منتصف العام 2000. ووفقاً لقانون اصدره البرلمان المصري اخيراً فإن مكتبة الاسكندرية هي "شخص اعتباري عام مقره في مدينة الاسكندرية، يتبع رئيس الجمهورية، وهو مركز اشعاع حضاري مصري ومنارة للفكر والثقافة، وتضم ما أنتجه العقل البشري في الحضارات القديمة والحديثة بكل اللغات". وترأس السيدة سوزان مبارك مجلس امناء المكتبة الذي يتألف من 22 عضواً بصفتهم الشخصية، إضافة الى خمسة اعضاء بصفتهم الرسمية وهم وزراء التعليم العالي والثقافة والخارجية في مصر ومحافظ الاسكندرية ورئيس جامعة الاسكندرية.