تخوض اسرائيل حرباً وحشية على الفلسطينيين، والسفاح آرييل شارون يقتلهم كل يوم، وفي الوقت نفسه هناك حملة اعلامية رهيبة ضد الدول العربية الكبرى، تجاوزت الأعداء والخصوم المعروفين لتشمل الأصدقاء. الموضوعان متلاصقان، أحدهما يكمل الآخر، فعصابة القتلة في اسرائيل تستغل الوضع الدولي والانشغال بالارهاب، لممارسة القتل، وأنصار اسرائيل يخوضون حرباً على الدول العربية لاشغالها بنفسها، ومنعها من التدخل بفعالية لانقاذ الفلسطينيين. بعد ارهاب 11 أيلول سبتمبر قامت دعوات في واشنطن لمهاجمة العراق قبل طالبان، وهذا منتظر من انصار اسرائيل، ومن المسؤولين المعروفين بولائهم لها، ثم قامت حملة على سورية، فهي لا يمكن أن تساعد في حرب على الارهاب، لأنها تؤوي ارهابيين، وكان هذا منتظراً أيضاً. في الوقت نفسه، شُنت حملة لئيمة على مصر، مع انها حليف قديم، ولا يمكن للسلام ان يستتب في الشرق الأوسط من دون دور مصري قائد فيه، وكانت التهمة للحكومة المصرية عندما كافحت الارهاب المحلي انها انتهكت الحقوق الانسانية للارهابيين. وأصبحت التهمة بعد 11 أيلول ان الاجراءات المصرية أدت الى فرار الارهابيين الى الخارج، فابتلي الآخرون بهم. يعني هذا الكلام ان مصر متهمة اذا فعلت، ومتهمة اذا لم تفعل. وتصبح الحملة على مصر من نوع "لعب العيال" اذا قورنت بالحملة على المملكة العربية السعودية، وهذه تربطها علاقة خاصة بالولايات المتحدة منذ اربعينات القرن الماضي، وتلعب دوراً أساسياً في المصالح الاستراتيجية الاميركية في الخليج والشرق الأوسط كله. وأصبح بناء المساجد في أميركا تهمة، وتمويل المدارس جناية. وهكذا كان، والولايات المتحدة مشغولة بحربها في أفغانستان والدول العربية مشغولة برد التهمة، وشارون يقتل الفلسطينيين كل يوم. هل لهذا الليل من آخر؟ الدول العربية والاسلامية عاجزة، ولن تبدد ظلمة هذا الليل، والعنصر المؤثر الوحيد اليوم هو الوضع الاسرائيلي الداخلي، فهناك خلاف كبير بين آرييل شارون ووزير الخارجية شمعون بيريز وحزب العمل عموماً، كما ان الشارع الاسرائيلي قلق من احتلال المناطق ألف. الاسرائيليون يتذكرون التدخل في لبنان، وما جرّ على اسرائيل من خسائر. وكان شارون المسؤول عنه، كما هو مسؤول اليوم. وكان المبرر له محاولة قتل السفير الاسرائيلي في لندن شلومو ارغوف، كما ان المبرر للاجتياح هذه المرة هو اغتيال العنصري المنحط رحبعام زئيفي. وفي حين واجهت اسرائيل حزب الله في لبنان، فهي تواجه حماس والجهاد الاسلامي، ومعهما حزب الله في الأراضي الفلسطينية. شارون يدرك هذا التشابه ويعرف عن مخاوف الاسرائيليين لذلك فهو قال ان القوات الاسرائيلية لن تبقى في الأراضي ألف، وإنما اشترط لانسحابها "وقف الارهاب والعنف والتحريض تماماً، وتجريد المنظمات الارهابية من السلاح، واعتقال قتلة زئيفي وتسليمهم الى اسرائيل". بكلام آخر، شارون يطلب المستحيل لأنه لا يريد ان ينسحب، وبيريز نفسه لا يصدقه، وقد ثار بينهما خلاف علني بعد أن سربت مصادر وزارة الخارجية ان شارون كذب على بيريز، ولم يكشف له النية على دخول جنين وطولكرم وبيت لحم. هذا الكلام لا يعني أن بيريز داعية سلام وإنما يثبت ان الثعلب العجوز أخبث من رئيس وزرائه، ويرتدي قفازين من حرير كما رأينا من تصريحاته الناعمة في واشنطن. وسافر بيريز الى واشنطن، وهو يقول انه لا يعرف ان كان هناك "شيء يرجع اليه"، فالعمل يهدد بالانسحاب من الحكومة الائتلافية، ومع ان وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر هاجم ياسر عرفات بعنف في جلسة الوزارة الأمنية، فإنه قال خارجها انه يعيد النظر في مشاركته في الحكومة. ربما اقنع الوضع الاسرائيلي الداخلي شارون على الانسحاب، كلياً أو جزئياً. وهو ان فعل فلن يكون الفضل في ذلك لموقف عربي أو اسلامي غير موجود، او لموقف اميركي يكاد يكون نوعاً من التواطؤ. الاميركيون غاضبون جداً على شارون، ويعتقدون انه لا يقدر خطر موقفه على التحالف الدولي ضد الارهاب، إلا أن أقصى ما فعلوا تعبيراً عن هذا الغضب هو ابلاغهم رئيس وزراء اسرائيل انه اذا سحب القوات الاسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، فالولايات المتحدة سترجئ، أو تطوي، اعلان مشروعها للسلام في الشرق الأوسط الذي كان يفترض ان يعلنه وزير الخارجية كولن باول بعد استئناف مناقشة الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل. وهكذا فالولايات المتحدة تعاقب شارون بمكافأته على الارهاب، ولماذا لا تفعل وأصحاب الحق أنفسهم نائمون عنه غائبون؟ جهاد الخازن