} 15 سنة مرت على رحيل الأرجنتيني خورخيه لويس بورخيس عن عالمنا، وأدب هذا الرجل ما زال يضاعف حضوره في الثقافة الغربية، كما في ثقافتنا العربية. يحضر بورخيس بين الكتاب العرب ويظهر تأثيره المتنامي في أدب الأجيال الجديدة من كتاب القصة والرواية. بورخيس الذي يبدو أدبه بعيداً من السياسة بمعناها الشائع يملك موقفاً شاملاً من السياسة. هنا مقاربة للمسألة الصورة والقصيدة من كتاب عيسى مخلوف "الأحلام المشرقية... بورخيس في متاهات ألف ليلة وليلة" الصادر عن دار النهار في بيروت عام 1996 انطلاقاً من قصة قصيرة تمزج السرد الخيالي بالفلسفة. بداهة القول ان الكاتب الارجنتيني خورخي لويس بورخيس 1899 - 1986 لم يكن كاتباً سياسياً، لا شك، مصدرها ندرة العبارة السياسية في نتاجه الأدبي الغزير.الى ذلك فإن المواقف السياسية، القليلة، التي اعرب عنها في مناسبات متباعدة ومتفاوتة لا تقل اهمية في توكيد هذا الامر. فما قاله بشأن النظام الديكتاتوري في الارجنتين او نظام كاسترو او الشيوعية السوفياتية او النازية او الصراع العربي الاسرئيلي مواقف انفعالية النبرة، ساذجة. غير ان البداهة المزعومة لا تصمد امام الفحص طويلاً اذا تنبّهنا الى ان العلاقة بين السياسة والأدب لا تتأسس، وتعقد، فقط من خلال حضور العبارة السياسية في العمل الأدبي. فالعبارة السياسية، سواء كانت بمثابة تعبير عن ولاء، او انحياز سياسي، او وصف وسرد للحوادث السياسية، او تحليل ونقد للفكر والنشاط السياسيين، هي أضعف اوجه العلاقة الممكنة ما بين الأدب والسياسة. بل واذا ما صير الى اقحامها على سياق العمل الأدبي وهذا داء عدد من الأعمال الأدبية العربية والعالم ثالثية فإنها تصير السبب في انعدام العلاقة المفترضة. ذلك ان مثل هذا الاقحام يطغى على ما هو ادبي ومن ثم يحوله الى محض ذريعة لإنشاء العبارة السياسية اصلاً، واخيراً. فالعلاقة الأوطد ما بين مداريّ السياسة والأدب انما تتجلى في طبيعة العمل الأدبي وخصائصه وفي مكوّنات شكله واستراتيجيات التعبير المتّبعة فيه. فمن خلال تقصّي مسائل كهذه يمكننا تبيّن السياسية التي ينطوي عليها العمل الأدبي ويقول بها، في معزل عما اذا كان الكاتب معنياً بالسياسة او غير معنيّ. فإذا كان الكاتب من طراز بورخيس، فإن عملية التقصي تنطوي على تحدٍ مضاعف، ولكن ايضاً، على متعة مضاعفة. ذلك ان بورخيس احد الكتّاب الذين لم يبرحوا يظهرون احتقاراً للسياسة ومن هنا ندرة مواقفه وانفعاليتها، في حين انهم يبطنون اهتماماً فنياً، او جمالياً، عميقاً بما هو سياسي جوهراً وعموماً. ونحن سنركز اهتمامنا على "الخيال" في ادب بورخيس - وهو كما نعلم السمة الغالبة على ادبه - وذلك من خلال قصة "أُكبر، طلون، أوربس تورتيس"، احد أجمل قصصه في ابتكار سبل سرد حديثة تلغي الحواجز بين شكل ادبي وآخر، اي بين القصة والمقالة بما فيها التحقيق الصحافي والبحث الأكاديمي، وتقفز على الحدود الفاصلة بين الحقيقي والمتخيّل. وفي سياق اهتمامنا الراهن، فإن هذا الانجاز يبلغ ذروته. فالتقنية السردية التي تُغفل الحدود الفاصلة بين الواقعي والمتخيل هي التقنية الأوفى لتجسيد الانشغال الفنيّ بالسياسة او بما هو سياسي. فالفانتازيا عند بورخيس هي تلك التي تتطاول على الواقع. ليس بمعنى فقدان الفرد لقدراته العقلية، او هروبه مما ينصّ عليه الواقع ويُمليه، وانما من خلال قبول الافراد والجماعات بالفانتازي الخيالي كأمر قابل لأن يحلّ محلّ الواقع القائم. ان الفانتازيا التي يكتبها بورخيس هي فانتازيا عصر الأنوار والحداثة. فهي ثمرة العقل والمعرفة، او على ما يذهب الفيلسوف الفرنسي الراحل ميشال فوكو، فإن مدار الفانتازيا الحديثة ليس الليل ونوم العقل وإنما اليقظة والانتباه والسهر والمعرفة الواسعة. فهي ظاهرة المكتبة، بل ابنتها. والكتب، متآزرة العناوين ومصطفّة على الأرف، مكوّنة ما يشبه سياجاً محكماً، لهي مجال انتشارها. فمن المعرفة الدقيقة جعلت الفانتازيا تنشأ وفي الوثائق النائمة تجثم كنوزها. الى ذلك فإن المتخيل لم يعد مناوئاً للواقع، ان على سبيل التعويض عنه، او انكاراً له أصلاً. لهذا ليس من الغلو النظر الى الفانتازيا، لا انقطاع عن العالم، او هروب من الخارجي الى الداخلي، وإنما محاولة لاقتحام الواقع ومن ثمّ الاستيلاء عليه. ومثل هذه الفانتازيا هي قوام الفكر الشمولي، العلمي الادعاء والطوباوي الطموح. فهي تقدم نفسها نظاماً معرفياً، شاملاً شمول نظام المكتبة، وتاماً تمام الموسوعة، وبما يضاهي في النهاية واقعنا "القاصر" ويسمو عليه. وإنه من خلال هذه الصلة الوطيدة ما بين الفانتازيا والفكر السياسي الشمولي النزعة - من حيث ان الاولى اساس الثاني وقالبه - يتضح اهتمام ادب بورخيس بالسياسة. وقصة "أُكبر، طلون، اوربس تورتيس"، هي، في احد مستوياتها المتعددة، قصة نظام فانتازي هو حصيلة انتاج جماعة سريّة التأم شملها تحت قيادة عبقري مجهول يسعى الى اختراع بلد جديد. ونظام هذا الجماعة، مطابق لنظام المكتبة والموسوعة، في انقسامه الى فروع علميّة وفنية منفصلة تصدر عن طائفة من علماء فلك وطبيعة ومهندسين وميتافيزيقيين وشعراء وكيماويين ورياضيين واخلاقيين ورسامين وعلماء هندسة. بل ان هذا الكوكب المجهول "طلون"، ما هو الاّ ما يتجسد في موسوعة تتألف من اربعين مجلداً تعرض لتاريخه وعمرانه ولغاته واصوات لهجاته وانهاره واباطرته ومعادنه وطيوره واسماكه، خرافاته وعلومه ومعتقداته ...الخ. وبما ان "طلون" محض نظام فانتازي، فإن في وسع القائمين عليه ان يجعلوه اكبر وأشد تماسكاً وأفضل تنظيماً من نظامنا القائم، وبما يطيب لهم، او لقائدهم المجهول، او مموّلهم الثريّ. فإذا أرادوه اضخم فما عليهم إلاّ ان يجهدوا في انتاج "موسوعة" تقع في ضعف جحم "الموسوعة البريطانية"، اذ ان هذه الاخيرة تمثيل لكل موجود في العالم الحقيقي. فطالما انهم يبتكرون نظاماً متخيّلاً لا وجود مادياً له إلاّ على صورة كتاب، فلا بد لهم ايضاً من اختزال وجود النظام الحقيقي الى ما يتوافق مع مرتبة طلون وطبيعته، اي الى ما هو نتاج مكتبة. فمن دون اختزال الواقع الفعليّ الى ما تنطوي عليه "الموسوعة البريطانية"، لا تجوز المقارنة بين النظامين، ولا يصح الزعم بأن النظام المبتكر اشدّ تعقيداً وأشمل من النظام القائم. ولكي يقتصر التحدي الذي يتولاه اصحاب طلون على انتاج موسوعة تفوق "الموسوعة البريطانية"، لا بد من ان يُنظر الى العالم الذي نعيش فيه كمحض صورة، او جملة من الصوَر، لا تختلف عن الصوّر التي تنطوي عليها "موسوعة طلون". فبخلاف اهل الكوكب الأرضي، فإن اهل طلون مثاليون. فعندهم ان العالم ليس حدوث أجسام في مكان، وانما هو مسلسلات متباينة من الافعال المستقلة، قد تكون متصلة وزمانية، غير انها حتماً ليست مكانيّة. ولأن لغاتهم، ومشتقاتها، تُسلّم من حيث المبدأ بصحة المثالية، فلا أثر لأسماء فيها. فكل ما عندهم افعال، او صفات، مجردة القدرة من الإحالة الى ما هو اسميّ. فلا تجد اسماً "شمس"، وانما قد تجد فعلاً يعني فعل الشمس. المفارقة انه في حين من المتوقع ان يؤدي التسليم المطلق بالمثالية الى حالة انكفاء ذاتي لا تُقرّ الاّ بوجود ذات مفكرة لا تتجاوز معرفتها حدود معرفة نفسها، فإن في "طلون"، على ما سبق القول، علوماً وفنوناً، حتى وإن استوت تبعاً لوتائر تختلف عن وتائر عالمنا المعهود. فالفلسفة عندهم ما هي إلاّ ضرب من الأدب الفانتازيّ. وتستوي الفلسفات الطبيعية على اساس الجمع بين الحجة ونقيضها، وهذا شأن بحوثهم وكتبهم. الذات العارفة في هذا الكوكب المتخيل واحدة وخالدة. لذلك، ان الكتاب الذي لا يضم نقيضه يُعتبر كتاباً ناقصاً. لذا نجد ان الاعمال الأدبية كافة تعقد حول عقدة واحدة. فهي من ابتكار مؤلف واحد مجهول وغير محكوم بزمن معيّن. فإذا عُزي كتاب الى مؤلف ما، فإن هذا يكون من بدع النُقّاد. ومثل هذا العقل الشامل الذي يضمّ اسفل جناحيه سائر ضروب المعرفة انما هو صورة لمشروع شمولي يتمثل في التآم جهود طائفة من العلماء، متباينة الاختصاصات، تحت أمرة عقل مدبر واحد. الأدهى من ذلك ان مثالية هذا العالم لا تبقى حكراً على اصحابها وصانعيها. فمع انقضاء العقود والقرون نجدها تخلف اثراً لا ينكر، على عالمها اولاً، ومن ثم على عالمنا. فعلى مستوى عالم "طلون"، يتحقق المراد والمشتهى وفقاً لما يشتهيه سكان هذا الكوكب، او ربما بفارق لا يذكر، ولكن على وجه لا يختلف عما تتحقق عليه الأمور في العوالم الطوباوية. اما في العالم الحقيقي، فإن الفانتازيا التي لم تتجاوز في البدء جملة فرضيات لعالم متخيّل تسفر عن ولادة مشروع اخطبوطي ينذر بالاستيلاء على العالم واخضاع كل ما فيه لرؤياه. هذه الاضافة تؤكد، الشاغل السياسي الذي تنطوي عليه الفانتازيا في ادب بورخيس، على الاقل، في القصة موضوع الاهتمام. فليس من طبيعة هذه الفانتازيا، بما هي فانتازيا حديثة، الاكتفاء بتقديم صورة افضل مما هو موجود، وانما تفرض وجودها على وجه يكون تطاولها على الواقع جزءاً من توافرها. يتجلى ذلك على خير وجه في كيفيّة حدوث عملية التطاول هذه. ان قصة "طلون" أشبه بمحاكاة ساخرة لقصة الوجود العلمانية، أي قصة انتقال الإرادة من سلطة علوية الى سلطة دنيوية. وهذه الاخيرة تزعم، بفضل فنونها وعلومها القدرة على ابداع عالم كامل، وفي كافة الاحوال مفارق للعالم الموروث السابق لعصر الانوار والحداثة. غير ان ما يسفر عنه هذا الانتقال في آخر اطواره وأشرسها، الاعراب عن ارادة وحشية عارية لا يسلم من عبثها احد او من تدميرها شيء. ومثل هذه المحاكاة لا تتضح من خلال الخبر الذي تسوقه القصة فقط، وانما من خلال الشكل الأدبي الذي تتوسله. ففي هذا الشكل تشتبك حدود القصة بحدود المقالة بما يجسد السياق السرديّ الذي يصعب التمييز فيه بين الواقعي والمتخيّل. ففي اطار هذه القصة احالة الى شخصيات حقيقية وحوادث فعليّة، بما قد يبدو للوهلة الاولى محض حيلة او خدعة فنّية يلجأ بورخيس اليها، او الى نظائرها، بغية اثارة حيرة القارىء. غير اننا كلما امعنا في قراءة القصة، ادركنا بأن الامر ينطوي على مرامٍ أبعد. تبدأ الحكاية على نحو عابر وبريء خلال محادثة بين الراوي بورخيس نفسه وصديقه بيوي كاسارس. إذ ينسب كاسارس قولاً مأثوراً الى احد هراطقة منطقة متخيّلة تُدعى "أكبر". ولأن الراوي يشكك في وجود منطقة كهذه، فإنهما يقبلان على البحث عنها في "الموسوعة الأنكلو - اميركية"، هو كتاب ليس اقلّ اختلاقاً من "أُكبر" نفسها. وعلى رغم ان الراوي يخبرنا بأن هذه الموسوعة ما هي إلاّ نسخة مقرصنة عن "الموسوعة البريطانية"، وأن بحثهما فيها عن منطقة أُكبر لا يعود عليهما بأية فائدة، فإن مجرد الزعم بوجود الموسوعة هو من اولى معالم تطفل الفانتازي على الواقعي. فيبدأ هذا التطفل في سهرة تجمع صديقين يهويان تبادل الحديث حول كل ما هو غرائبيّ وغامض، ويمتد ليشمل ضوء النهار التالي وبل والاعوام الخمسة اللاحقة. ويفلح كاسارس اولاً في العثور على نسخة من "الموسوعة الأنكلو - اميركية" تكون النسخة الوحيدة التي تضم فصلاً عن منطقة "أُكبر". ثم يعثر الراوي بعد عامين على المجلد الحادي عشر من "موسوعة طلون الأولى"، وما هذه الاّ موسوعة كوكب هو بمثابة ثمرة خيال المتخيل فطلون هو الكوكب الذي لا تني الاعمال الأدبية في أُكبر تتخذه مرجعاً. وبعد عام على ذلك يُصار الى العثور على رسالة تكشف سرّ القائمين خلف مشروع الموسوعة المذكورة الجماعة السريّة التي ذكرنا من قبل ومن ثم خلف النظام المتخيَّل نفسه. بيد ان تطفل الفانتازي على الواقعي لا يتوقف على العثور على كتاب او مخطوطة رسالة، وانما يتجاوز هذه الى مصنوعات معدنية. ففي مرة تظهر بوصلة مغناطيسيّة طُبع على قرصها الأمامي احرف تطابق احرف ابجدية طلون المزعومة. وفي مرة اخرى يُعثر على كوز معدنيّ لا يتجاوز قطره قطر الزهر ومع ذلك فإنه من الثِقل حيث يعجز رجل واحد عن حمله. ويتبيّن ان هذا الكوز مصنوع من معدن لا اثر له في العالم، وانه يمثّل بعض الرموز الإلهية في أديان طلون. ويبلغ الفانتازي قصارى تطاوله على الواقع حينما يُعثر على المجلدات الاربعين من "موسوعة طلون الاولى". وبتوافر المجموعة الكاملة، يتوافر الكوكب، او النظام، ولا يعود ثمة مفرّ للعالم من الاستسلام امام سلطان الفانتازيا. وعلى مستوى اول، تبدو القصة اشبه بمزيج من سرد يروي وقائع اقتفاء اثر كوكب متخيّل ومقالة تحدّد معالم نظام هذا الكوكب. غير ان مستوى آخر لا يني يتشكل مبيّناً ان ما يجري على المستوى الاول من بحث عن طلون، وتعريف له، ما هو الاّ من مظاهر تطاول الفانتازي التدريجي على الواقع. فالنظام الفانتازي موجود بالافتراض، والامعان في البحث عنه وتعريفه انما هو من قبيل مشايعته. فتبعاً لطبيعة الفانتازيا الحديثة، فإن توافر النظام لا يقتصر على كونه دعوة او وعداً باستبظظدال عالم حقظظيقي بآخر متخيل، وانما هو من دلائل الايمان في امكان قيام هذا النظام ومن ثم السعي الى بنائه. ومن الوارد الاعتراض على مثل هذه القراءة بذريعة افتراضها من الامور ما يتجاوز حدود القصة المذكورة. فلمَ لا نكتفي بالقول ان السرد يصوّر، ببساطة، كيفيّة توغّل الراوي التدريجي في عالم الفانتازيا وصولاً الى وقوعه ضحية داء الريبة بما يجعله يظن ان العالم انهزم امام نظام متخيَّل؟ وهذا هو الضرب الذي يصرّ على اتباعه اولئك الذين لا يرون في قصص بورخيس سوى "حكايات غرائبيّة مثيرة". هنا لا بدّ من الاشارة الى الوجه الصريح لاهتمام بورخيس بما هو سياسيّ. ويبرز هذا الوجه في الشطر الاخير من القصة حينما يعلل الراوي سرّ استسلام الواقع امام المتخيّل: "كان الواقع تائقاً للتراجع. وقبل عشرة اعوام كان اي نظام صارم- المادية الديالكتيكية، معاداة السامية، النازية- كافياً لإثارة افتتان الرجال طالما لاح بمظهر النظام. فلماذا لا يقعون تحت سحر طلون ويخضعون لدليل رحب ودقيق لكوكب منظم؟". العبارة الاعتراضية التي تشير الى ظاهرة الماركسية والعنصرية والنازية ليست ملاحظة عابرة. فهذه اولاً ظواهر تاريخية حديثة من محصلات عصر الانوار ويقينه الراسخ باستقلال الارادة البشرية، وبالتأويل "العلماني" للعالم، فضلاً على الايمان في امكان اعادة تنظيم العالم وفقاً لهذا التأويل بمعزل عن العواقب والتكلفة. الى ذلك فإن تاريخ هذه الظواهر ينطوي على قصة واضحة لكيفية استسلام الواقع امام الفانتازيا. وخلاصة القول ان نظام طلون لا يزيد فانتازية على النظم الشمولية التي عرفها التاريخ الحديث وعانى ويلات افعالها. والى ذلك فإنه من الجدير التنبيه الى ان هذه القصة كُتبت غداة صعود النازية والستالينية. في سياق كهذا يمكننا ان نفهم مغزى قول بورخيس انه عوضاً عن تأليف كتب كبيرة، فهو يؤثر افتراض وجود هذه الكتب ومن ثم يكتفي بالتعليق عليها. وقصة "أُكبر، طلون، اوربس تورتيس" هي من دون شك تعليق مثير على "موسوعة طلون" المتخيلة، ولكنها ايضاً تعليق فنيّ على كل فكر موسوعي شمولي يزعم الكشف عن سبيل يؤدي الى الطوبى المنشودة في حين ان جلّ ما تسفر عنه محاولات اتباعه كوابيس تدميرية شاملة. الانتحاريّ لن يبقى في الليل نجمٌ. ولن يبقى الليل. سأموت ومعي سيموت العالم الذي لا يحتمل. سأمحو الأهرام، الأوسمة، القارات والوجوه. أمحو تراكم الماضي. أحول التاريخ رماداً، والرماد غباراً. أنظر الى غروب الشمس الأخير. أصغي الى العصفور الأخير. والعدم لا أوصي به لأحد. خ. ل. بورخيس