إن كان الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف قرر فعلاً الابتعاد عن روسيا والمراهنة على إقامة تعاون استراتيجي مع الولاياتالمتحدة وحلف الأطلسي، فإنه سيستثمر إلى أقصى حد مشاركة بلاده في "الائتلاف المناوئ للإرهاب"، ويضع تحت تصرف القوات المسلحة الأميركية كل الهياكل التحتية لأوزبكستان، وصولاً إلى منح القوات الأميركية والأطلسية حق المرابطة الدائمة في الأراضي الأوزبكية. وتؤكد مصادر مطلعة أن مثل هذا التطور يقوم على خلفيات جدية. فمنذ عام 1997 وردت معلومات موثوقة عن أن مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، أولت اهتماماً خاصاً لتعزيز التعاون الأميركي - الإسرائيلي لمواجهة ما وصف ب"الخطر الإيراني". وأثناء مفاوضات سرية تم تحديد اجراءات مشتركة يقوم بها الجانبان لمواجهة مخططات القيادة الإيرانية الرامية لتعزيز مواقعها في آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين. ومن حيث الأساس، ركز الإسرائيليون والأميركيون على العمل مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في المنطقة، وتوصلوا إلى استنتاج في شأن تنشيط التعاون في إطار وزارات الخارجية والدفاع والمخابرات مع أوزبكستان تحديداً وقبل كل شيء. وما أيد هذا الاستنتاج أن السفير الأميركي في طشقند آنذاك ستانلي اسكوديرا وزميله الإسرائيلي ايلان رون اتفقا على أن القيادة الأوزبكية بقيادة كريموف هي "حليف طبيعي للغرب، وبالدرجة الأولى للولايات المتحدة وإسرائيل، في العالم الإسلامي". وأشار السفيران إلى أن الرئيس الأوزبكي تمكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من تحويل أوزبكستان، التي يشكل المسلمون 90 في المئة من سكانها، إلى واحد من "القلاع القليلة للإسلام المعتدل". وخاض كريموف حرباً بلا هوادة، داخل بلاده وعلى نطاق آسيا الوسطى كلها، ضد ما عُرف بالاصولية الإسلامية، وأبدى الاستعداد للتعاون مع الغرب لمكافحة "الإرهاب الدولي". ونظراً لتطابق الولاياتالمتحدة وإسرائيل وأوزبكستان حيال هذه القضايا، فإن اسكوديره دورت اقترح أن تعتبر القيادة الأوزبكية شركياً لأميركا وإسرائيل في مواجهة العالم الإسلامي عموماً، والنظام الإيراني تحديداً. كما أكد على أن كريموف مهتم بالتعاون مع الأميركيين والإسرائيليين في مجال تطوير صناعات النفط والغاز واستخراج الذهب، إضافة إلى المجال الزراعي. ومن جانبها، فإن القيادة الأوزبكية قدرت تقديراً عالياً المساعدة المقدمة في إطار برنامج أميركي - إسرائيلي طويل الأمد لإعداد خبراء في الشؤون الزراعية لأوزبكستان وتوفير تكنولوجيات متقدمة لاستثمار الأراضي غير المروية. وأثار السفير الإسرائيلي في صورة خاصة إلى أن كريموف قام بفتح أبواب الهجرة إلى إسرائيل أمام يهود أوزبكستان، وفي الوقت نفسه عمل على "احياء" الجالية اليهودية الموجودة منذ 2000 سنة تقريباً في الأراضي التي تشغلها الجمهورية حالياً. وشجعت القيادة الأوزبكية نشاط الوكالة اليهودية "سحنوت" و"المركز الثقافي الإسرائيلي" الذي انشئ في طشقند، كما اعيد بناء المعابد اليهودية وازداد عدد المدارس الخاصة للأطفال اليهود. وكان السفيران الإسرائيلي والأميركي اعتبرا أن كريموف حينما يعزز العلاقات مع الدولة اليهودية، إنما يأمل أن تساعده إسرائيل في "فتح نافذة" على الغرب. وعلى رغم أن أولبرايت كانت قيّمت ايجاباً نشاط كريموف، فإنها اقترحت زيادة الضغوط عليه لكي يتخلى تدريجاً عن التعاون مع روسيا وسائر دول الرابطة المستقلة في كل ما يتعلق بقضايا الأمن وحماية الحدود، ولكي يوافق على أن تستقبل أوزبكستان، في حال وجود خطر يهددها من جانب أفغانستان أو إيران، قوات ردع دولية تحت رعاية حلف الأطلسي بالضبط كما حصل في البلقان. واعتبرت أولبرايت أن تطور الأحداث وفق هذا السيناريو يمكن أن يؤمن تقدم الأطلسي شرقاً ويخلق للحلف قواعد وهياكل ارتكازية في آسيا الوسطى يمكن استخدامها ليس ضد إيران فقط، بل وضد روسيا في حال تولت السلطة في موسكو قوى مناهضة للغرب. وكانت أولبرايت تدرك أن تحقيق كل هذه الأهداف سيواجه بمصاعب جدية، إذ أن لأوزبكستان، تقليدياً، روابط وثيقة مع روسيا وسائر دول الرابطة. ولكن أولبرايت أصرت على أن يجري العمل على المحور الأوزبكي بنفس طويل ومثابرة في محاولة لاخراج أوزبكستان من دائرة النفوذ الروسي وتحويلها "قلعة للحضارة الغربية" في آسيا الوسطى. وإذا كانت أولبرايت تحدثت عن ذلك عام 1997، فإن أحداث السنوات الأربع التي أعقبت ذلك أظهرت أنه لم يتسن بلوغ كل ما تمنته. إلا أن الأميركيين والإسرائيليين تمكنوا من اقناع القيادة الأوزبكية بالتعاون مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل وسائر الدول الغربية، والتصدي لأي محاولة تقوم بها روسيا لإستعادة تأثيرها على الوضع في أوزبكستان. كل ذلك يتيح القول بأن إدارة الرئيس جورج بوش الابن تستثمر ما أنجزته إدارة بيل كلينتون ووزيرة الخارجية أولبرايت، وصارت لدى الإدارة الحالية قاعدة جدية لاستثمار الوضع القائم في العالم وفي آسيا الوسطى، ومن حول أفغانستان تحديداً من أجل مواصلة ربط أوزبكستان بالفلك الأميركي. ولا يمكن أن نستبعد أن تنفذ الآن خطط ادخال قطعات أطلسية إلى أوزبكستان بحجة محاربة "الإرهاب". وأظهرت ممارسات أطلسية مماثلة في البلقان أن قوات الحلف حين تدخل "مناطق ساخنة"، فإنها تبقى فيها مدة طويلة. وتنبغي الإشارة إلى أن انتقال أوزبكستان في صورة نهائية إلى المعسكر الأميركي - الأطلسي، سيدخل تغييراً جدياً على توازن القوى في آسيا الوسطى، ويزيد من تعقيد الوضع المعقد أصلاً في هذه المنطقة الساخنة من العالم. * جنرال متقاعد، الرئيس السابق لدائرة الشرق الأوسط في جهاز المخابرات السوفياتية كي جي بي.