ينصرف المغربي "م.ك" العائد من افغانستان، إلى عمله في الرباط يومياً، غير بعيد عن مركز أمني اقيم لرصد الأحداث منذ تفجيرات الحادي عشر من الشهر الماضي، في نيويورك وواشنطن. وحين يضطر مسؤولون عسكريون وأمنيون إلى تقديم توضيحات يعرض عليهم افادات تكّونت لديه عبر الاقامة في معسكرات "الأفغان العرب" في افغانستان سنوات. لكن رفاقه في الشبكة ذاتها، التي انضموا إليها لمحاربة السوفيات، يقولون إنه "اختار طريقه"، ويتذكرون ان عودتهم جميعاً إلى المغرب جاءت بمبادرة من زعيم سياسي زار باكستان، وتمنى عليهم العودة اثر صدور عفو شامل، وإقرار القطيعة مع اعمال العنف والكفاح المسلح. حدث ذلك نهاية التسعينات، بعدما تعرض المغرب لهجمات مسلحة، أبرزها الهجوم على فندق اطلس - اسني في مراكش صيف 1994، حين اتهمت السلطات المغربية الاستخبارات الجزائرية بالضلوع في الحادث، الذي تورط به أشخاص يتحدرون من أصول جزائرية وفرنسية ومغربية. لكن العلاقة بين المغرب والجزائر، كانت قبل ذلك في طريقها الى التحسن، وركزت على التنسيق الأمني ورصد تحركات الناشطين الإسلاميين المتطرفين. آنذاك قدم الجنرال السابق خالد نزار الى السلطات المغربية ضمانات حول مسار قضية الصحراء وتسوية مشاكل الحدود، شرط تسليم ناشطين إسلاميين، في مقدمهم عبدالحق العيايدة الذي اتهمته السلطات الجزائرية بالضلوع في هجمات ارهابية. لكن التفاهم المغربي - الجزائري تعرض لانتكاسة بعد هجمات اطلس اسني، وان كانت السلطات المغربية اعتقلت قبل ذلك افراد شبكة حسن اغيري الذين يقضون عقوبات في سجون مغربية، بتهم تهريب أسلحة الى الجماعات الاسلامية عبر الأراضي المغربية، جلبوها من عواصم اوروبية. واعتبرت المبادرة آنذاك، أي منتصف التسعينات، مبادرة حسن نية ازاء الجزائر، لكن التفجيرات في باريس وتداعيات اغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر صيف 1994، ألقت بظلالها السلبية على علاقات البلدين. وسعت الجزائر إلى حشد موقف اوروبي ومغاربي داعم لخطتها في مواجهة "الحركات الارهابية"، بينما التزمت الرباط صيغة التعاون الأمني مع العواصم الأوروبية في سياق ثنائي. والأرجح ان الحملات التي شنتها السلطات المغربية عام 1996 ضد اباطرة المخدرات والجريمة المنظمة والهجرة غير المشروعة، كانت تستند الى معطيات عن إمكان ضلوع بعض تلك الشبكات في اعمال ارهابية، وتراجع الدعم الأوروبي جعل الرباط تقف وحيدة في مواجهة ضغوط اكبر من امكاناتها. أما اسبانيا التي شهدت علاقاتها والمغرب مسلسل أزمات، فدقت أخيراً ناقوس الخطر حيال الأوساط المتورطة بالهجرة، كونها استخدمت في وقت سابق لترحيل مهاجرين من بلدان شمال افريقيا إلى افغانستان عبر عواصم أوروبية. وذكر بعض "الأفغان العرب" أن تشديد الرقابة على تحركاتهم، حوّل ما يعرف ب"قوارب الموت" إلى وسيلة لاصطياد الشبان ذوي الميول الاسلامية المتطرفة وتجنيدهم. لكن ورود اسماء مغاربة في الاعداد لتفجيرات نيويورك وواشنطن، أعاد إلى الأذهان خيوط الترابط بين شبكات الناشطين المعتقلين الآن، وأولئك الفارين الذين وردت اسماؤهم في التحقيقات الأمنية، علماً أن السلطات المغربية وضعت عواصم أوروبية، في مقدمها باريس ومدريد وبرلين، في صورة خلاصات تلك التحريات. وكان لافتاً اتهام مغربيَين بالضلوع في اغتيال زعيم "تحالف الشمال" أحمد شاه مسعود، قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن، مما أفسح في المجال أمام معاودة فتح ملف المغاربة في تنظيمات "الأفغان العرب"، وإن بسرية تطاول الحسابات المصرفية والعلاقات اللوجستية. لكن الأمر لا يتجاوز بضع عشرات من الأشخاص، يصر كثيرون منهم على رفض استخدام الأراضي المغربية لأي هدف سياسي أو عسكري. ويعتقد مراقبون أن المسألة ربما تحتم إعادة الحرارة إلى التعاون الأمني بين المغرب والجزائر، بخاصة في مناطق الحدود المشتركة، التي باتت أرضاً خصبة لتنامي هجرة غير مشروعة، يُعتقد أنها تشكل بيئة لتجنيد ناشطين.