تلقى الكتب التي تتناول أسامة بن لادن والتطرف وأفغانستان وحركة "طالبان" رواجاً منقطع النظير هذه الأيام بعد الهجمات على نيويوركوواشنطن. أحد أكثر هذه الكتب رواجاً "الضباع الجديدة" لسايمون ريف الذي ألّف سابقاً كتاباً عن عملية اولمبياد ميونخ سنة 1972 بعنوان "يوم في أيلول سبتمبر". اهتمام ريف بموضوع الإرهاب، وجهه الى حيث كتب، بأسلوب شبه روائي في بعض فصوله، تاريخاً مفصلاً للعلاقة بين رمزي يوسف وأسامة بن لادن و"الإسلام الميليشيوي"، ومن ثم الهجوم السابق على "مركز التجارة العالمية" حين زُرعت عبوّة في سيارة كانت بمثابة إشارة أولى الى عزم الإرهابيين النيل من رمز الرأسمالية الغربية. واهتمام ريف، أبدى مثله ليونا ألكسندر ومايكل س. سوتنام في كتابه حمل عنوان "أسامة بن لادن: صورة لنظام ارهابي" وكذلك ايلين لاندو في كتابها "اسامة بن لادن - الحرب ضد الغرب". وبينما تتحدث هذه الكتب عن اسامة بن لادن محاولة قراءة تاريخه الشخصي وحصوله على ثروته المعروفة من أبيه واضافته اليها ثم خوضه الحرب ضد الروس، تتوجه كتب أخرى لتتناول حركة "طالبان" أساساً، بينها - ومن أكثرها رواجاً ايضاً - كتاب بعنوان "طالبان" لأحمد راشد كتبه سنة 2000، وأتبعه بكتاب آخر "طالبان والإسلام الميليشيوي، النفط والتطرف في آسيا الوسطى" الذي صدر منتصف هذا العام. العملية ضد أميركا أبرزت الى الواجهة تفسيرين متناقضين للإسلام. هناك الإسلام الذي يجد فيه الكتّاب ديناً سمحاً ذا قيم اجتماعية وروحانية أصيلة، والإسلام الذي يتداوله كتاب آخرون على أنه نزعة عنصرية - دينية سلفية تعادي العالم الغربي وتجنح للعنف، وكلا النوعين يستفيد من الحدث الحاصل وتداعياته ولو بنسب متفاوتة. في مجال استطلاع الإسلام من وجهة ايجابية ينفض الغبار عن كتاب وضعه برنارد لويس سنة 1994 بعنوان "الإسلام والغرب" يعرض فيه تاريخ العلاقة بين العالمين. وهذا الكتاب هو أحد أربعة كتب عن الشرق الأوسط والإسلام ألفها لويس بينها كتاب آخر رائج حالياً بعنوان "الشرق الأوسط: تاريخ موجز لألفي سنة". اما في المجال السلبي، فهناك كتاب صدر حديثاً بعنوان "انتصار الفوضى: التطرف الإسلامي، الوجه الجديد للحرب" لمورغان نورفال الذي يرصد تمادي الميليشيات الإسلامية المتطرفة ويحاول رصد حركاتها ودعاواها إقليمياً وعالمياً. حتى كتاب الصحافي توماس فرايدمان "من بيروت الى القدس" الذي وضع قبل نحو عشر سنوات يُعاد بيعه بكثرة هذه الأيام كما لو كان التاريخ المعتمد للحرب اللبنانية والفلسطينية فوق أرض لبنان ضد اسرائيل. وسط هذا كله يصل كتاب جاك شاهين "عرب السينما الأشرار: كيف تذم هوليوود شعباً؟" Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People? - عن Olive Branch Press الذي يبحث في نحو 900 فيلم روائي من أيام السينما الصامتة وحتى اليوم عن شخصية العربي. جمع شاهين مادة كتابه في سنتين متتاليتين من الدراسة والبحث والمعاينة ولا تزال لديه قائمة طويلة بأفلام يريد مشاهدتها ربما لضمها الى طبعة لاحقة من بينها "العلمين" 1954، "جزيرة الله" 1956، "الأرض العارية" 1958، "الشيخ الأحمر" 1961 و"جوغرنوت" 1974. وشاهين ليس غريباً عن الكتابات التي تتحرى الحقائق في ما يتعلق بالصورة العربية في الإعلام الغربي. انه بروفسور في جامعة "ساثرن الينيوي" وكان سابقاً مستشاراً إخبارياً لشؤون الشرق الأوسط في محطةCBS الأميركية. وسبق له أن وضع كتباً في الموضوع، من بينها "التنميط العربي والإسلامي في الثقافة الشعبية الأميركية" و"عرب التلفزيون". هوليوود والعرب كان أمراً لا مناص منه بالنسبة للمؤلف خطوة بديهية وصائبة في اتجاه طرح الصور المختلفة التي تقدمها هوليوود عن المسلمين والعرب بصرف النظر عن انتماءاتهم وحقول أعمالهم. فالصورة الأكثر انتشاراً، كما نعلم جميعاً، هي العربي كإرهابي والعربي كثريّ يثير الشفقة او مجرد شرير مخادع ومحتال يدعو الى الرثاء او الكره. هذه الصورة انطلقت، في مفهوم شاهين، من تراث بعيد يعود الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر: "الفنانون الأوروبيون آنذاك قدموا صوراً لصحارى خربة، لقصور فاسدة ولأسواق دنيئة يقطنها "الآخر" الثقافي ذاك المسلم العربي الكسول الهمجي ذو اللحية". لاحقاً، يلاحظ شاهين، ما ان انتقلت الصورة الى السينما ان جورج ميلييه، المبدع الفرنسي الذي ارتبط اسمه بطلائع "سينما التروكاج" آنذاك فيلمه "رحلة الى القمر" سنة 1902، لا يزال نموذجاً على استخدام اولى الحيل البصرية استخدم تلك الصورة في أفلام عدة مضيفاً وآخرين من أترابه في تلك الفترة خطاً جديداً: العربي تاجر رقيق وخاطف نساء وهو دائماً يسعى للاعتداء على الشقراوات الأوروبيات او الاحتفاظ بهن جاريات وأحياناً الزواج منهن ولو بالقوّة. لكن في حين أن شاهين أصاب في الرجوع الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لينفض الغبار عن الصورة التي رسم بها فنانون اوروبيون العالم العربي وشخصياته، الا أن ما يفوته في هذا المجال هو أن الفترة ذاتها شهدت استمراراً لاهتمام جاد في العالمين العربي والإسلامي كان بدأ قبل ذلك في القرن الثاني عشر عندما تُرجم القرآن الكريم للمرة الأولى الى لغة غير عربية. في القرن السابع عشر بدأت جامعات بريطانية وفرنسية تدريس مواد اسلامية وعربية للراغبين، كما احتفظت جامعاتها بمخطوطات عربية في مكتباتها وترجمتها. اما في القرن الثامن عشر فإن حركة التجارة صوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط نتجت منها رحلات الى تلك المناطق أثرت التبادل الفكري والمعلوماتي حول تلك الثقافة الغريبة عن التربة الثقافية الأوروبية. في كتاب المؤرخ ألبيرت حوراني "تاريخ الشعوب العربية" The History of the Arab People ما يفيد أن روايات "ألف ليلة وليلة" كانت معيناً لا ينضب من الخيال الذي أثرى، ايجاباً، الصورة الذهنية للغربي حول الإسلام والشخصيات الفارسية والعربية. وأن غوته كتب أشعاراً يمدح فيها العرب وحياة البدو والصحراء. ونحن نعلم أن الروائي البريطاني وولتر سكوت حين وضع رواية "ايفانهو" قدم رسماً ايجاباً لقائد حكيم وشجاع اسمه صلاح الدين الأيوبي حين اقتبست الرواية فيلماً سنة 1956 ضحِّي بتلك الصورة. يستنتج مما سبق ان العلاقة بين الثقافة والفن الأوروبيين وبين نظيريهما في العالم العربي كانت مزدوجة منذ البداية. قليل من هذا النحو وقليل من ذاك، مع غالبية لم تكن قرأت او استوعبت او حتى تلاقت مع "الآخر" العربي ما جعلها ساحة مفتوحة للتعلم. الأكثر من ذلك أنه في حين أن الصورة السلبية حول العربي بدأت بالظهور مبكراً جداً في الأفلام، الا أن الصورة الإيجابية بدأت ايضاً مبكرة. أحد أفضلها الفيلم الكرتوني الذي حققته المخرجة الألمانية لوتي رانيغر "مغامرات الأمير أحمد" يرد في كتاب جاك شاهين كما في كتابي الأسبق "هوليوود والعرب". يتطرق المؤلف شاهين سريعاً الى موضوع آخر مهم في هذا الشأن. انه يلاحظ كيف أن الكثر من المؤرخين الأميركيين الذين تناولوا "عنصرية" هوليوود تجاه الشعوب والأقوام الأخرى، فاتتهم الإشارة الى معاملة هوليوود العنصرية تجاه العرب. أندرو داودي في أطروحته المنشورة "افلام الخمسينات: حال ذهن أميركية" يشكو من معاملة هوليوود للهنود الحمر والأفريقيين والسود في اميركا والآسيويين واليهود والايرلنديين والإيطاليين، لكنه لا يأتي مطلقاً على ذكر المعاملة الأميركية للعرب او للأميركيين من أصل عربي. ومثله يفعل كن وايز واد غودغولد في كتابهما "للتكملة" To Be Continued... حيث يرصفان المواقف العنصرية في المسلسلات الفيلمية تلك المسلسلات التي تألف الواحد منها من 12 فصلاً وكل فصل من خمس دقائق كانت تعرض قبل الفيلم الرئيس في الثلاثينات والأربعينات لكنهما ايضاً يخفقان في الإشارة الى تصوير العربي في مثل هذه الأفلام احدها كما يكشف شاهين يصوّر اول ارهابي عربي خطف طائرة!!. الى جانب ذلك، ومن حسنات هذا الكتاب الكثيرة وقوفه عند أصغر الملاحظات بالنسبة الى المشاهد العادي واستخراج كل ما يتفاعل فيها من عدائية وفوقية عنصرية. مثلاً استخدام كلمة "الله" في الأفلام الأميركية كان ينم عن جهل الغربيين عموماً بأن الكلمة هي مجرد الاسم العربي لكلمة God الإنكليزية، وأن الناطقين بها هم مسلمون ومسيحيون على حد سواء، ما جعلهم يعتبرون الكلمة الجليلة مجرد اسم لآلهة ما. فتتردد على ألسنة بعض الشخصيات الغربية "ادعو الله أن يساعدنا"، بل على سبيل "ادعو آلهتك بأن تساعدنا" وبذلك تتم عملية توثين دين وتنحية آخر عنه. وهناك لائحة مفيدة لمن يريد أن يزيد وجع قلبه من تلك الصور المهينة التي عمدت هوليوود الى توظيفها واجترارها طوال عقود. هذه اللائحة تضم الأوصاف المعتادة لتقديم عربي او مناداته او شتمه. وكلمة "شيطان" التي تستخدم حالياً في أوساط واشنطن لتوصيف الإرهابي الأفغاني او العربي او المسلم، هي ذاتها التي استخدمت في الأفلام طويلاً، ولو أنه من الضروري القول ان هذا الوصف أُطلق ايضاً في واشنطن وفي هوليوود على الروس أيام النظام الشيوعي. هذا ما ينقلنا الى حقيقة أن الأجناس والشعوب الأخرى قدمت بنمطيات سلبية عدة بدورها، وشاهين يحرص على التأكيد: "لا أقول أن العربي لا يجب أن يقدم مطلقاً كشرير. ما أقوله هو أن معظم التنميط الهوليوودي للعرب هو تنميط شرير". حين يدخل شاهين النطاق الموسوعي من الكتاب، حيث تتوالى الأفلام التي يقدمها، فإن تحليله ليس سينمائيا شاملاً، والمبرر مقبول. فهو حريص على أن يتناول فقط ما يهم القارئ في هذا المجال وليس مرجعاً نقدياً متعدد الأوجه. وهو غالباً ما يدخل في التفاصيل وينقل حوارات ليست بحاجة الى تعليق. في "بوليرو" 1984 عرب لا يعرفون ركوب الخيل ويحتفظون بمفاهيم خاطئة عن المرأة وعندما يخطف رجال الأمير المراكشي بو ديريك الذي يقرر ان يتزوجها بالقوة ويقول لها: "سآخذك كما أخذ والدي والدتي... ما أقوم به هو صحيح". طبعاً الأمثلة والنماذج كثيرة جداً من "أبوت وكوستيلو في الفرقة الأجنبية" الى "تذكرتك لم تعد صالحة" بحسب الأبجدية، ومن آخر القرن التاسع عشر الى مطلع القرن الحادي والعشرين. يريد المرء أن يعتقد أن وصول الإنسان الى هذا القرن كان كفيلاً بعملية تغيير صلبة وأكيدة في منهج تفكيره حيث يصوغ نفسه إنساناً متواصلاً مع ثقافة الآخر من دون تعنت او تزمّت ومحاولاً فهم "الغريب" او "المختلف" فهماً جذرياً شاملاً من دون أحكام مسبقة، لكن الحقيقة ليست أن هذا الأمر لا يزال بعيد الحصول فقط، بل هو ايضاً شارع باتجاهين، فما ينطبق على الغربيين ينطبق علينا نحن كذلك اذ لدينا مفاهيمنا الجاهزة عن الآخرين وممارستنا الخاطئة بحقهم وأحكامنا المسبقة عنهم. ونحن لا نمارس ذلك على الغربيين وحدهم بل على بعضنا البعض أساساً. ما ينجح كتاب جاك شاهين بإثارته موجه - عن جدارة وحق - الى هوليوود. دورنا ليس فقط التصدي لتلك الصورة، بل تحسين صورتنا أساساً بالارتقاء بعلمنا وثقافتنا وفنوننا ونشرها بيننا. وحده هذا الارتقاء كفيل بتغيير النظرة صوبنا... وحتى لو لم تتغير، نكون كسبنا جولتنا مرة واحدة والى الأبد.