"المرأة جسد بلا غد" مقولة حاول اثبات نقيضها مهرجان السينما الثاني ل"الخط المباشر" الذي امتدت عروضه من الخامس عشر ولغاية الثلاثين من شهر أيلول سبتمبر المنصرم في مسرح المدينة - بيروت. ثمانية عشر فيلماً، تنوعت بين توثيقية وروائية، حاولت القاء الضوء على المرأة، مكانتها، دورها وكفاحها اضافة الى طرح المهرجان موضوع المثلية الجنسية في عدد من أفلامه كمحاولة لكسر "التابو" الاجتماعي المرافق لهذا الموضوع... وهكذا التقى طرح قضيتي "المرأة" و"المثلية" تحت عنوان "بلا تمييز" العريض الذي شكل محور عروض المهرجان. ألوان متعددة واذا كان مهرجان السنة الماضية قد اتخذ لوناً واحداً السينما الايرانية فإن أفلام هذا العالم اتسمت بعالميتها اسبانيا، الارجنتين، الجزائر... من دون أن تستبعد الأفلام الايرانية من برنامجها قد تمثلت بفيلمي "يوم أصبحت امرأة" و"الطلاق على الطريقة الايرانية". الفيلم الأول الذي أخرجته مرزيه مشكيني يحاول نقل صورة المرأة الايرانية من خلال تصوير ثلاثة أجيال من النساء الايرانيات فتاة ودّعت طفولتها في السن التاسعة وامرأة متزوجة تتمسك بحريتها والثالثة مسنة. أما الفيلم الثاني "الطلاق على الطريقة الايرانية" الذي اخرجته زيبامير فهو مقتبس عن بحث "محنة الزواج في ايران" الذي أعدته المخرجة اثناء وجودها في بريطانيا. ويتطرق الفيلم وهو وثائقي الى التفاوت في الحقوق بين الرجل والمرأة في ايران... فكرة المرأة والسيطرة الذكورية تتكرر في فيلم المخرج السوري محمد ملص "احلام المدينة" الذي يروي قصة أرملة شابة تعود مع ولديها الى منزل عائلتها حيث ستتعرض لحكم أبيها وأخيها، وكذلك الأمر في فيلم المخرج الاسباني "بيدرو المودفار" "ماذا فعلت لأستحق هذا؟" الذي يصور المرأة كخادمة لزوجها أو لعائلتها... أما موضوع المثلية فعولج من خلال احد أعمال المخرج اللبناني محمد سويد التلفزيونية - الوثائقية... فبرنامج "سينما الفؤاد" الذي أخرجه سويد في العام 1993 لمصلحة تلفزيون لبنان تتطرق الى موضوع التحول الجنسي في احدى حلقاته وعنوانها "أنا لك على طول" وبطبيعة الحال فإن الحلقة رفضت وبقيت "مدفونة" حتى لحظة عرضها في المهرجان. ويعالج سويد موضوع المثلية من خلال قصة شاب سوري انتقل الى لبنان ليشارك في عملية للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، يومها كان جلّ ما ميزه عن المقاومين الآخرين كونه مثلياً جنسياً... وكذلك الأمر سيتكرر في السينما الهندية وتحديداً في فيلم "نار" الذي يعالج واقع السحاق للمخرجة "ديبا مهتا" والفيلم يلقي الضوء على فكرة الحرية أكثر على العلاقات المثلية... واذا كانت العلاقات المثلية محظور التطرق اليها في دول العالم الثالث فإنها حتى في الدول الغربية وعلى رغم علانيتها ما زالت مرفوضة اجتماعياً وهذا ما يظهره الفيلم الروائي الفرنسي "حياتي الزهرية" للمخرج آلان برلينير... غياب التواصل من جهة أخرى، عرضت أفلام عبّرت عن كفاح المرأة ونضالها في سبيل تطوير مجتمعها كالفيلم الروائي "فريدا" Farida للمخرج المكسيكي بول ليدوك الذي يصور قصة حياة الفنانة فريدا كماهلو كرسامة ثورية ومناضلة من أجل حقوق المرأة وأساساً كامرأة... اضافة الى الأفلام الأخرى المتخطية للحالات الفردية التي حاولت جميعها التشديد على مقولة "بلا تمييز بعد الآن". واذا كان مهرجان السنة الفائتة قد ترافق مع توزيع جوائز على عدد من المخرجين الايرانيين فإن مهرجان هذا العام لم يشهد تلك الظاهرة، حيث سعى المنظمون الى تقديم نماذج مختلفة من الأفلام العربية والأجنبية التي تلقي ضوءاً بيّناً على موضوع التمييز. ولم تبرز محاولة خلق حوار سينمائي عربي - أجنبي، كما هي الحال في المهرجانات اللبنانية السابقة وأيضاً لم تظهر محاولات للتواصل مع الجمهور المشارك، فالمشكلة البارزة لمتابعي المهرجان تمثلت بغزارة العروض اليومية ثلاثة عروض اضافة الى طول مدتها الزمنية تراوحت بين الساعة الواحدة والساعتين تقريباً أضف الى ذلك طبيعة المواضيع المطروحة وحساسيتها... لذا كان من الأجدى اللجوء الى عرض فيلم أو فيلمين في اليوم الواحد واللجوء الى الأفلام العربية والايرانية في شكل خاص كي يتمكن منظمو المهرجان من الاستعانة بمخرجيها لخلق فسحة حوار بنّاء... أما مشكلة الفئوية المرافقة للمهرجان والتي ظهرت بوضوح في السنة المنصرمة فإنها عادت وظهرت من جديد هذا العام، ما يوجب على منظمي المهرجان إعادة صوغ عدد من الأسئلة حول هدف المهرجان وكيفية التواصل مع الفئات المختلفة... أخيراً لا بد من التنويه بإيجابية تزايد المهرجانات السينمائية اللبنانية التي تحاول جاهدة احياء الاهتمام بالفن السابع. فمن مهرجان "أيام بيروت السينمائية" الى "مهرجان بيروت للأفلام الوثائقية" وصولاً الى "مهرجان الخط المباشر"... هذا التزايد يسعى جاهداً لتنشيط دورة الحوار والانتاج والتبادل السينمائي بين لبنان ودول الخارج... وإذ كنا نلحظ بعض الارتباكات التنظيمية والادارية التي تشهدها غالبية تلك التظاهرات، الا ان اعمارها القصيرة اضافة الى حماسة ونشاط منظميها الشباب يدعونا الى التفاؤل في شأن مستقبل القطاع السينمائي. ولعل الخطوة الأهم التي تقع على عاتق منظمي المهرجان المختلفة هي محاولتهم خلق مساحة حوار وتفاعل أكثر شفافية بين المخرجين والموزعين والممثلين والنقاد على الصعيد المحلي والذي سينعكس بدوره على علاقة السينما اللبنانية بالدول العربية والأجنبية الأخرى.