مساء الخميس 4 تشرين الأول أكتوبر عاودت محطة "التلفزيون الجديد" البث بعد توقف قسري دام نحو أربع سنوات. اختارت هذه المحطة في المرحلة السابقة الخط السياسي المعارض لرئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، ولا يخفى على أحد أن نجاحها ارتكز في شكل خاص على ما قدمته في نشراتها الاخبارية وبرامجها السياسية، وكانت صوتاً يعبر عن فئة من اللبنانيين لا بأس بحجمها. هكذا كانت محطة "نيو تي في" كما كانت تسمى قبل اقفالها بقرار حكومي، لأنها لم تستوف، كما مجموعة كبيرة من المحطات، الشروط التي حددها دفتر أقرته الحكومة في حينه استناداً الى قانون الإعلام المرئي والمسموع. والدخول في النقاش حول صحة هذه الحجة، وكيفية توزيع التراخيص للمحطات التي سمح لها باستكمال بث برامجها والبحث أيضاً في هوية مالكي هذه المحطات جدل سياسي يطول. نجح "التلفزيون الجديد" إذاً في الحصول على الترخيص بالبث مجدداً، بعد أن بت المجلس الدستوري أيام حكومة الرئيس سليم الحص في القضية التي تقدم بها مالكو المحطة. رئيس المحطة ومالكها الرئيس تحسين خياط قال ان "التلفزيون الجديد" عاد لأنه "لم يكن من المفترض توقيفه. لقد تم اقفاله قسراً وبقرار ظالم من جانب مجلس الوزراء، ولقد استعدنا الترخيص بحكم قضائي". وهو يعد بأن تستمر محطته وفق النهج الإعلامي - السياسي ذاته، أي "قول الحقيقة للناس بمعزل عن أي ضغوط سياسية". وستتابع المحطة "تصديها أو نقدها لأي أداء خاطئ ترتكبه الحكومة". جاءت عودة "التلفزيون الجديد" بعد عودة الرئيس الحريري الى الحكم، لكن "الأجواء السياسية" التي كانت سائدة عند اقفال المحطة لم تعد هي نفسها الآن. ف"التلفزيون الجديد" الذي لم يبد أبداً تقرباً في حينه من رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي لا يخفي تأييده الرئيس اميل لحود. وقال خياط عندما سألناه ان كانت محطته مقربة من الرئيس لحود "ان أداء الرئيس معروف أكان في ما يتعلق بالشؤون العربية والدولية أو بمسألة دعم المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، والعداء لإسرائيل، وهي خيارات تؤيدها المحطة أو تتبناها في سياستها"، ويضيف أن الرئيس لحود هو "رئيس الوزراء، والسلطة التنفيذية منوطة بمجلس الوزراء"، ورفض من ناحية ثانية التحليلات التي تقول إن محطته ستكون بديلاً اعلامياً ل"تلفزيون لبنان". وقد كررت ادارة المحطة في حفلة افتتاحها تأييدها رئيس الجمهورية اميل لحود الذي اقيمت الحفلة برعايته، ومن خلال كلمات الخطباء. أما عن انتاج المحطة، فقد لفت خياط الى انها خلال فترة توقفها، قامت من طريق شركة الانتاج التابعة لها بإنتاج مسلسلات وبرامج تبلغ آلاف الساعات، وسيصار الى عرضها ضمن شبكة برامج مدروسة. يعود "التلفزيون الجديد"، وقد تغير الواقع الإعلامي العربي بعض الشيء، ونشأت محطات احتلت موقعاً متقدماً على الخريطة الإعلامية. وصار التميز شأناً يتطلب جهداً اعلامياً مضاعفاً. وفي هذا الاطار يذكر خياط بتجربة التلفزيون السابقة، لكنه أقرّ رداً على سؤالنا ان التلفزيون لم يستقطب في ولادته الجديدة، إعلاميين كباراً يتمتعون بسمعة عربية كبيرة، وقال ان عدداً من العاملين سابقاً في المحطة عادوا اليها، وتم توظيف اعلاميين جدد يتمتعون بكفايات جيدة، ونجاحهم سيحدد نجوميتهم. ولفت الى ان "التلفزيون الجديد" سيبث برامجه أرضياً وفضائياً على مدار 24 ساعة، ومن خلال الأقمار الاصطناعية "آراب سات" و"نايل سات" وبواسطة الكايبل وال"يوتل سات"، وسيغطي بثه لبنان والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا وأميركا. حدد رئيس "التلفزيون الجديد" إذاً الخطوط الرئيسة التي ستحكم الانتاج الإعلامي لمحطته، وقد كانت حفلة الافتتاح المحطة الأولى للتعرف إلى هذا المولود الإعلامي. التصدي للفساد لا بد بداية من التشديد على أهمية ما كرر خياط الحديث عنه في حفلة افتتاح محطته التي حضرها حشد من السياسيين والإعلاميين والفنانين اللبنانيين والعرب، فقد وعد ب"تغطية تقصير اعلامي عربي والتصدي للتحديات التي تواجه الأمة العربية وللفساد في العالم العربي، والدفاع عن الشعب الفلسطيني ومساندة انتفاضته والاهتمام بقضايا التنمية والثقافة والتربية الى جانب الترفيه، والتصدي أيضاً لحملات تشويه صورة العرب والمسلمين بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر". جاءت حفلة الافتتاح ترفيهية، ويحق لإدارة المحطة الاحتفال بعودتها وبث مظاهر الفرح، لكن هذه الحفلة كانت اطلالة "التلفزيون الجديد" الأولى على مشاهديه، و"الرسالة تقرأ من عنوانها" عادة، لكن "العنوان" لم يأت مطابقاً للتوجهات التي أعلنت للمحطة في نواح كثيرة، وجاء واعداً في نواح أخرى. تضمنت حفلة الافتتاح عرضاً للمسلسلات التي انتجتها المحطة وستعرضها، وبينها مسلسل "نورا" الذي كتب عنه الكثير، وهذه نقطة تحسب للتلفزيون الذي يبدو متميزاً عن المحطات الأولى بتقديم مسلسلات لبنانية جيدة وغير تجارية. وجاءت أيضاً التحقيقات التلفزيونية التي أعدت عن التحضيرات لانطلاقة التلفزيون وآراء العاملين القدامى لتعطي صورة واضحة وجميلة جداً عن "التلفزيون الجديد". لكن ثمة صورة مغايرة كانت تفرض نفسها في الحفلة التي بدأت ببعض الهفوات التقنية البسيطة، وسرعان ما تم استدراكها. استدرك التقنيون خطأهم، ولم يستدرك بعض الإعلاميين الذين قدموا الحفلة أخطاءهم، فكانت الكلمات التي ألقاها المقدمان الرئيسان الممثلان وليد العلايلي ورلى حمادة سطحية بعض الشيء، وكان من الأجدى ان تعد لهما كلمات أكثر عمقاً وأجمل. من ناحية أخرى، لم تكن اطلالة مذيعة الأخبار رلى نجم الأولى موفقة، وليس ثمة ما يبرر تعليقاتها، كأن تقول وهي تحادث أحد السياسيين: "اليوم تستطيع ان تتكلم"، و"أنتم السياسيين تتحدثون كثيراً". كما انه يجدر بالمحطة التي تصر منذ عودتها على انتمائها العربي، أن تولي لغتها بعض الاهتمام، وتعلم بعض مذيعاتها مخارج الحروف، وهي مشكلة لا بد من أن يتم حلها. فالمسؤول عن تدريب المذيعات هو عمر الزين الذي يعتبر من أبرز معلمي اللغة العربية والإلقاء الصحيح والجميل في لبنان. أما وقد تميزت محطة التلفزيون الجديد في مرحلة بثها الأولى بنشراتها الإخبارية، وهي وعدت بالاستمرار بتقديم الحقيقة والرأي الحر، فإن الجمهور تعرف من خلال الافتتاح فقط الى مذيعي الأخبار، وكنا نأمل من محطة "تؤكد انها مختلفة" ان تعرف بمراسلي نشرات الأخبار، أي بصانعيها الحقيقيين. فالعاملون في المجال الإعلامي يعرفون جيداً ان المذيع ليس إلا قارئاً للخبر، وأن المراسل هو من يبحث عن الخبر ويقدمه للجمهور، والتركيز على المذيع ليس إلاّ انجرافاً وراء قوانين النجومية التي تحكم العمل التلفزيوني العربي الذي يجعل من الإعلامي الحقيقي جندياً مجهولاً. قد تبدو هذه الملاحظات قاسية بعض الشيء، لكن "التلفزيون الجديد" أطل على جمهوره وهو يؤكد التزامه وإصراره على تقديم صورة اعلامية عربية متميزة، وحري بالوسيلة التي تريد ان تكون صوتاً للانتفاضة وللشعب العربي أن تكون مختلفة عن وسائل الإعلام التجارية، وأن تكون منافساً جدياً لمحطات تقدم الرأي الحر، والانتاج السياسي والثقافي والترفيهي المتميز. وهنا نشعر بأن "التلفزيون الجديد" في حاجة الى استقطاب اعلاميين أكثر كفاية من الذين شاهدناهم. أما في ما يتعلق بالجانب الترفيهي فقد أحسن المسؤولون عن المحطة في اختيار المطرب اللبناني وديع الصافي ليفتتح الحفلة الفنية، وبعده فقط أتى المغنون الشباب، علها اشارة الى ان الطرب الجميل ستكون له الصدارة، وستكون لأعمال الشباب مساحة أيضاً.