عشية الاجتماع الأمني في القاهرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين بحضور المصريين والاميركيين تحدثت مع الأخ محمد دحلان رئيس الأمن الوقائي في قطاع غزة، فقال انه لن يذهب مع التزامه بأي قرارات تصدر عن الاجتماع. إلا ان الرئيس عرفات أصر عليه ان يشارك في الاجتماع، فذهب. أبو فادي يقول ان الجانب الفلسطيني يريد وقف الارهاب، غير ان تفسيره للارهاب هو ما يرتكب الجيش الاسرائيلي من اغتيالات، والحصار والتجويع، والممارسات الاسرائيلية الأخرى. الواقع ان عملية السلام كلها أصبحت في نظر الاسرائيليين والاميركيين محاولة لوقف الانتفاضة، والمفاوض الاسرائيلي جلعاد شير لم يجد ما يقول وهو خارج من البيت الأبيض سوى ان المطلوب من الفلسطينيين وقف العنف. اما عملية السلام فأخذت المحل الثاني، أو الثاني عشر. السيد دحلان يصر على ان التنسيق الأمني لن يعود، فقد كان جزءاً من عملية السلام التي دمرها الاسرائيليون. وفي جميع الاحوال فالتنسيق الأمني لا يمكن ان يسبق رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وانسحاب القوات الاسرائيلية من المواقع التي احتلتها بعد 28 ايلول سبتمبر الماضي، ثم يكون لكل حادث حديث. مع ذلك، وبغض النظر عن النتائج، يبقى الاجتماع الأمني في القاهرة مهماً، فهو جرى على أساس تفاهم الرئيس عرفات والرئيس كلينتون في واشنطن لإحياء التعاون الأمني، وخطة كلينتون نفسه لوقف اطلاق النار التي أعلنها في قمة شرم الشيخ. وبالنظر الى اسماء المشاركين فهو قمة أمنية جمعت رئيس جهاز الاستخبارات المصري عمر سليمان، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت، ودحلان، ورئيس الأمن الوقائي في الضفة الغربية جبريل رجوب، ورئيس الاستخبارات العامة الفلسطينية أمين هندي، ورئيس الأمن الداخلي الاسرائيلي آفى ديشتر، ومدير قسم التخطيط في الجيش الاسرائيلي الميجر جنرال شلومو باني. ويستطيع أركان الأمن ان يخططوا كما يريدون، غير ان معلوماتي هي ان القادة العرب في الاجتماع لا يريدون وقف الانتفاضة، ولن يحاولوا ذلك، بغض النظر عما سيعلن. والمسؤولون عن الأمن في اجهزة السلطة المختلفة لن يخوضوا مواجهة مع شعبهم وهو يخوض مواجهة مع الاسرائيليين. وفي جميع الاحوال فالخطوة الأولى يجب ان تأتي من الجانب الاسرائيلي لأن مذكرة شرم الشيخ تنص في أول بند لها على رفع الحصار وفتح المدن. اليوم أصبحت قضية اسرائيل وقف الانتفا ضة، لا السلام، ربما ادراكا منها ان السلام غير ممكن، فالمقترحات التوفيقية الاميركية كانت تفريقية في الواقع، فهي عملية علاقات عامة ظاهرها جيد، وباطنها خبيث، ولعل الغر ض الوحيد لها، مع ادراك الاميركيين عدم جدواها، هو التفريق بين الفلسطينيين وبعض الحكومات العربية، فقد تخدع هذه بكلام الاميركيين، أو محاولة دق اسفين بين الانتفاضة والشارع العربي بإظهار الفلسطينيين كمن يحاولون تفويت فرصة اخرى عليهم. وكنت كتبت غير مرة في هذه الزاوية عن المطبات في المقترحات الاميركية، الا ان الكلام الفصل في الموضوع جاء على شكل مذكرة صادرة عن الوحدة القانونية في ادارة شؤون المفاوضات التي يرأسها الأخ محمود عباس أبو مازن، وتلقيتها بالانكليزية من مكتبه. المذكرة تملأ اكثر من صفحة في هذه الجريدة، وتستحق ترجمة كاملة مستقلة، وهي توضح الاعتراضات الفلسطينية والملاحظات والتحفظات على كل النقاط المطروحة، بدءاً بعر ض عام، ثم الأرض والقدس وعودة اللاجئين والأمن والقضايا الاخرى الماء والتعويض والبيئة والعلاقات الاقتصادية ونهاية الصراع. الرئيس عرفات يدرك ان المقترحات الاميركية لن تؤدي الى سلام، الا انه فهم الخدعة فيها، فالرفض سيجعل الفلسطينيين يتحملون مسؤولية فشل العملية، لذلك قال نعم مشروطة بألف شرط، ما جعل رئيس الوزراء ايهود باراك يقرر ان يرسل مفاو ضاً الى واشنطن في اليوم الذي قال فيه انه علق المفاو ضات مع الفلسطينيين. ويبدو ان باراك سيخسر انتخابات رئاسة الوزارة في السادس من الشهر المقبل، باتفاق أو من دون اتفاق، والاسرائيليون يخوفون الفلسطينيين باريل شارون، والسيد دحلان يقول انه لا يتمنى فوزه برئاسة الوزارة، الا ان الشعب الفلسطيني لا يهمه الموضوع، ولو اجتمع على رأس الوزارة الاسرائيلية شارون وبنيامين نتانياهو معاً، فهذا هو الوجه الحقيقي للسياسة الاسرائيلية، عندما تجرد من قناع الاعتدال الزائف الذي يختفي وراءه العمل - اسرائيل الواحدة. الوضع قد يسوء كثيراً قبل ان يتحسن، واحتمالات ان يسوء اكبر جداً من احتمالات ان يتحسن.