أعادني الحوار الذي قرأته في العدد 13782 من صحيفة "الحياة" مع المستشرقة الألمانية أنّا ماري شيمل الى ندوة اللغة العربية والتعليم التي أقامها مجمع اللغة العربية في دمشق بالتعاون مع وزارة التعليم في الشهر العاشر من هذا العام. وفي هذا الحوار مع المستشرقة الألمانية نقطة مهمة، تشكل مرتكزاً أساسياً في عالم كنوز اللغة العربية وقيمها الابداعية الكبيرة، هي الأهمية الحضارية للغتنا العربية وآدابها. فالمستشرقة تؤكد مبدأ الحب الذي يجب أن ينطلق منه المستشرق في أبحاثه كي لا يصبح المستشرق خطراً على الثقافة التي يهتم بها. فعندما يبحر هذا المستشرق بقارب الحب في بحار اللغة وآدابها، يستطيع أن يكتشف ويقدم للحضارة الانسانية كنوز هذه اللغة في أجمل وجه، ويستطيع الباحث والمتلقي أن يدرك القيم الرفيعة لهذه اللغة العربية التي أعتقد أنها من أعظم لغات التاريخ قاطبة. وهذه القيم العظيمة في لغتنا العربية عصية على من يضمر لها النوايا العدوانية، واصحاب النوايا العدوانية عاجزون وقاصرون عن النيل من قيم اللغة العربية السامية الرفيعة التي ترحب بكل محب عاشق ومخلص لمبادئ الابداع العظيمة، وتلفظ كل مدع ومغرض.ونحن نقدر للمستشرقة عشقها للفن الاسلامي. لكنني أقف في حذر أمام عبارة "لا أحب" لدى كل باحث. فقد ورد في الحوار: "لا أحب في الصوفية الأنظمة الكبيرة، مثل تلك الخاصة بابن عربي، بل أفضل الحب الإلهي العميق، وكذلك التعبير الشعري لهذا الحب، هذا فضلاً عن القيم الأخلاقية عند الصوفية: تربية النفس التي تتحول يوماً ما، بإذن ربها من خلال تربية النفس من وظيفة النفس الأمّارة بالسوء الى نفس مطمئنة". أعتقد أن هذا المقطع ليس واضحاً وليس دقيقاً الى الحد المطلوب. فالصوفية تنطلق جميعها من مبدأ السيطرة على النفس والتحكم بها. فهي تنهل، أو لعلها تنبثق من مقولة البوصيري المعروفة في "بردته": والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاعة أو تفطمه ينفطم أما اطمئنان النفس فيأتي من إيمان الصوفي بالله، ذلك الايمان الذي ينبع من عشق متأجج للذات الإلهية. فعندما تقول المستشرقة: لا أحب في الصوفية الأنظمة الكبيرة، نتساءل: كيف يمكن للانسان أن يحب أو يكره إذا لم ينطلق من القاعدة نفسها التي انطلقت منها الصوفية، ومن مرتكزاتها الروحية - أي من الزهد بالدنيا ورفض مغرياتها السرابية الخادعة. وأعتقد أن الأنظمة الكبيرة والأنظمة الصغيرة التي تتحدث عنها المستشرقة هي في نهاية الأمر أنظمة متكاملة ومتلازمة تنبثق من العشق الإلهي الذي يجب أن يصل الى أعلى مراتب العشق الرفيع. ... وأمام الواقع الصعب الذي تعيشه اللغة العربية وآدابها في مواطنها الأصلية، وفي حضن أهلها، يبقى للمستشرقين دور كبير في البحث والدراسة والكشف عن كنوز لغتنا وآدابها. وكم عانت لغتنا العربية من التآمر عليها من قبل الكثير من المستشرقين أنفسهم. ولولا عراقتها وقوتها وعمق جذورها، لنالوا منها وأساؤوا اليها إساءة كبيرة. وقد لا تهتز هذه اللغة العظيمة من اساءات الغربيين اليها، لكنها تهتز وتعاني من جراء أي اهمال، مهما كان صغيراً، في موطنها الأصلي. فإذا حافظنا على النبع، سار النهر بكل ما يملك من قوة وعطاء وإقدام. صبحي قضيماتي