اللغط الذي دار على قضية عودة العماد ميشال عون الى لبنان، بعدما كرر رئيس الحكومة رفيق الحريري القول ان في استطاعته الرجوع وأن ملفه القضائي مدني، لا جزائي، وبالتالي لا يتطلب توقيفه، طرح أسئلة عدة في شأن امكان تنفيذ هذه العودة، خصوصاً إثر تذكير مصادر قضائية بأن الملف موجود لدى المحقق العدلي الذي يعود اليه أمر توقيفه أو عدمه. وعلى رغم نفي النائب العام التمييزي عدنان عضوم ان يكون أدلى بتصريحات من هذا النوع، فإن قول العماد عون إن تصريحات المصادر القضائية رسالة موجهة الى الحريري من الذين ليسوا طرفاً في التفاهمات المقبلة، اعاد الى الاذهان الانطباع بأن ثمة لعبة سياسية - اعلامية يقوم بها الافرقاء المعنيون في السلطة وخارجها، ويؤدون أدوارهم فيها كل على طريقته. فريق يدعو عون الى العودة، وعون يستجيب أو لا يستجيب، وفريق يضع شروط هذه العودة استناداً الى مناخ عام ضمن السلطة لا يحبذ هذه العودة. والجميع يراهن على ان يتصرف عون بطريقة تبرر عدم عودته. بل ان بعضهم يراهن على عدم رغبة عون نفسه في العودة لأن بقاءه في الخارج يخدمه، بحسب رأي هذا الفريق، أكثر. وتقول مصادر مقربة من الحريري ان ما نسب الى مصادر قضائية، عن أن عون يمكن ان يخضع للتوقيف في ملفه القضائي كان خطأ، وفي المقابل فإن ما قاله الحريري عن ان لديه ملفاً في القضاء المدني، لا يعني ان ليس لعون أي ملف قضائي، وبالتالي يفترض ان يخضع للمساءلة في شأن الأموال لمعرفة الحقيقة في شأنها. وتتهم المصادر المقربة من الحريري عون، بأنه هو الذي لا يريد العودة، مستندة الى تصريحاته ضد رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة وسورية، وضد القضاء والأجهزة الأمنية، "فلا يعقل ان يكون يرغب في هذه العودة ويشن هذا الهجوم ضد كل هذه المؤسسات والقوى، كأنه يريد الغاءها أو ينوي العمل على قلبها". وتقول المصادر المقربة نفسها ان الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل "تصرف في شكل مختلف عندما طرحت عودته، فأدلى بتصريحات أكثر اعتدالاً من أجل تسهيلها، والتقى بعد عودته الرؤساء الثلاثة. وأخذ ينشط سياسياً من دون مضايقة". وفي رأي هذه المصادر ان عون تصرف في شكل معاكس في اللعبة السياسية - الاعلامية التي تدور على مسألة عودته. فرئيس الحكومة أكد حقه في العودة، لتأكيد استمرار موقفه المدافع عن الحريات العامة والحريات السياسية، لكن عون واصل هجومه. واذ يقوم وزير المال فؤاد السنيورة بمحاولة جمع المعلومات من أرشيف وزارة المال عن الأموال المتوجبة على عون لمصلحة الخزينة، فإن الموالين للأخير يسألون هل تراجع الحريري عن دعوته إياه الى العودة، أو انه كان جدياً في الأصل فيها. ويقول هؤلاء إن الأوساط الرسمية والوزارية التي تستشهد بتصريحات عون ضد الحكم ورموزه وسورية، تستند الى تصريح أدلى به عون قبل حديث الحريري التلفزيوني الذي أكد فيه حقه في العودة، وبالتالي فهي تفتعل سبباً للقول إن "عون نفسه يطلق النار على احتمال عودته". ويشير الموالون أنفسهم الى ان لعون في ذمة الدولة مبالغ طائلة هي تعويضاته عن خدمته في الجيش ورواتبه، هي التي يفترض ان تكون في صلب الملف المالي في علاقة الدولة معه. وفي اعتقاد أوساط الموالين له ولبعض المراقبين ان كل هذا السجال على المسألة، يدل ان عودة عون لم تنضج بعد، وأن الحريري أطلق الدعوة مجدداً كموقف نظري مبدئي. ثم ان بعض المراقبين يعتقد أن على عون أن يبدل في لهجة خطابه العلني، حتى لو لم يغيّر موقفه المبدئي... ليحسن موقعه في اللعبة الدائرة. وفي كل الأحوال، ينتظر ان يكون هذا الموضوع مدار بحث بين رئيس الجمهورية اميل لحود والرئيس الحريري اللذين سيلتقيان اليوم في قصر بعبدا، من ضمن مواضيع أخرى.