استمرت مذكرات التوقيف السورية في حق 33 شخصية معظمها من اللبنانيين، في دعوى المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد ضد ما يسمى شهود الزور ومن يقف وراءهم، في التحكم بالمشهد السياسي اللبناني، سواء من خلال ردود الفعل عليها من قبل «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار، أم من خلال استمرار حملة «حزب الله» على المحكمة الدولية والفريق الداعم لها. ومع ان إعلان وزير العدل إبراهيم نجار أمس أن الدولة اللبنانية لم تتسلم شيئاً بعد في ما يخص مذكرات التوقيف هذه، جعل من السجال الذي دار حولها «زوبعة» أثارها بيان إعلامي من السيد حول صدورها عن قاضي التحقيق في دمشق، فإن تحولها الى موضوع ساخن على رغم عدم تبلغها رسمياً، يكشف حجم الضغوط السياسية الجارية في ما يخص الحرب الدائرة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي دفعت مجلس الوزراء الى تخصيص معظم وقته لمناقشة هذه المذكرات أول من أمس واستدعت المزيد من المواقف في شأنها أمس. لكن الوزير نجار قال مساء أمس أن الاتصالات بينه وبين القضاء السوري بدأت (بناء لتكليفه من مجلس الوزراء) لمعالجة موضوع المذكرات السورية، مؤكداً أنه سيتعاطى بمهنية وموضوعية مع الأمر. وقال ان مجلس الوزراء فضل البحث بموضوع المذكرات قبل التطرق الى موضوع شهود الزور الذي كان كلفه بإعداد دراسة في شأنه، وطلب منه أول من أمس توزيعها على الوزراء من أجل مناقشتها في جلسة مقبلة. وفي وقت صدر من دمشق نبأ نقلته وكالة «فرانس برس» عن أن قاضي التحقيق الأول في العاصمة السورية عبدالرزاق الحمصي دعا الضباط اللبنانيين الأربعة الذين سبق أن سجنوا رهن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لسماع أقوالهم في ملف شهود الزور (الذين تقوم دعوى السيد على اتهام هؤلاء الشهود بالتسبب بسجنهم) فإن الضباط الأربعة أنفسهم أشاروا الى أنهم لم يتبلّغوا أي استدعاء من القضاء السوري. وإذ زاد هذا الأمر القضية غموضاً، فإن قادة «تيار المستقبل» ونوابه واصلوا أمس محاولتهم التوفيق بين اعتبار المذكرات السورية رسالة موجهة الى رئيس الحكومة سعد الحريري وانها زادت من التوتر وبين عدم التراجع عن الانفتاح في العلاقة مع سورية. لكن رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أدلى أمس بموقف جديد إذ سأل قبيل استقباله السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي: «أين الخطأ في مسألة المذكرات القضائية السورية؟ والكل يعلم ان المقصود من هذه المذكرات هم فقط 3 أو 4 أشخاص ومن بينهم شخص واحد فبرك شهود الزور وأساء الى العلاقات بين لبنان وسورية»، معتبراً ان المذكرات تحل سياسياً وقضائياً معاً. وزار دمشق بعد ظهر أمس عضو كتلة جنبلاط وزير الأشغال غازي العريضي للقاء معاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف. وقال العريضي قبل انتقاله الى دمشق ان «منسوب التوتر العالي في البلد ليس في مصلحة أحد، مررنا بمرحلة خلافات كانت أكثر مما هي عليه الآن ووجدنا علاجات والنتيجة كانت دائماً الذهاب الى طاولة الحوار والخروج بتسوية». وأضاف: «ما جرى يجب أن يحفز قنوات الاتصالات بين المسؤولين اللبنانيين والسوريين، وفي السياسة تحصل تسويات واتفاقات وهذا ليس عيباً وعلينا تجنيب البلاد أي خضة تكون نتيجة أي تصادم إقليمي وثمناً لأي صفقة». لكن العريضي اعتبر أن «المواقف التي أعلنها الحريري متقدمة وهو أكد في مجلس الوزراء ان لا عودة عنها». وأصدرت كتلة «المستقبل» النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بياناً أمس أكدت فيه التمسك بالمحكمة الدولية للوصول الى الحقيقة والعدالة استناداً الى وقائع صلبة. ورأت الكتلة ان العلاقات اللبنانية – السورية ليست مسألة ظرفية ويجب ألا تتأثر بالمواقف العابرة. ووصفت الكتلة «ما حكي في وسائل الإعلام عن مذكرات سورية» بأنها سياسية وإعلامية بخاصة أن الدولة اللبنانية لم تتسلم أي وثائق عبر الأقنية الرسمية. لكنها رأت أن ما تم تداوله لا أساس قانونياً له ويشكل استهانة بالدولة اللبنانية. وترأس الحريري مساء اجتماعاً للمكتب السياسي ل «المستقبل». وفي المقابل قال نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم «ان فتح ملف شهود الزور ليس سياسياً، بل قضائي نريده للتجريم والمحاسبة وكشف الحقيقة لا للمقايضة». وأكد أنه «لا يوجد فصل بين شهادات الزور من جهة والافتراء الاتهامي من المحكمة الخاصة وكل متعلقات المحكمة من جهة أخرى». واعتبر ان من أراد الحقيقة «عليه أن يفتح هذا الملف، وينتظر حتى ينتهي ويتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط... أقول لكم ان الاتهام الجائر هو اقتناص لمشكلة وتعقيدات تُحيط بلبنان وتترك آثارها في كل حدبٍ وصوب». وفي مجال شهود الزور قالت مصادر المعارضة انه «لو استعجلنا في حسم الموقف من شهود الزور لما كنا وصلنا الى مذكرات التوقيف». وأوضحت ان نجار أبلغ مجلس الوزراء انه أعد مطالعته بشأن شهود الزور منذ أسبوعين، وفيها ان للقضاء اللبناني صلاحية للنظر في قضية شهود الزور. وأشارت الى ان وزراءها يميلون الى طلب استردادهم ومحاكمتهم بناء لدعوى الحق العام بدلاً من أن يتقدم الفريق المتضرر منهم بدعاوى شخصية، ويعزون السبب الى انه يتوجب على النيابة العامة الادعاء فوراً بعد الموقف الذي صدر عن رئيس الحكومة في حديثه الى «الشرق الأوسط» من انهم ضللوا التحقيق وألحقوا الأذى بالعلاقات اللبنانية – السورية باعتبار ان موقفه هذا هو بمثابة اخبار يستدعي من النيابة العامة التحرك. وشددت المصادر على «ان المطلوب موقف مسبق من الرئيس الحريري من القرار الظني بذريعة انه يساهم في تطويق ردود الفعل من جهة خلافاً لأي موقف بعد صدور القرار الظني قد لا يؤدي الى استيعاب الوضع والى درء أي محاولة لجر البلد الى فتنة مذهبية». وبينما دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى سحب مذكرات «المسخرة» تعويضاً من دمشق عن الإساءة، اعتبر رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون أن «البلد في فراغ وعلى شفير الهاوية... وعلى جعجع ألا يحركش (يتحرش) ويحمل سلاحاً وينزل الى الشارع وينظم إضرابات».