وقد يكون مبالغاً فيه، أو مجافياً للحقيقة القول إن قمة كامب ديفيد 2، قد فشلت. فالفشل لا يتعلق بتوقيع الاتفاق أو عدمه، إنما يتعلق بحجم المسافة التي لم يتم جسرها بين الطرفين. فإذا صحت التقديرات والتحليلات التي تقول إن المسافة التي لم يتم جسرها لا تتعدى ال20 في المئة فإن الفشل نسبي. وفشلها لا يعني أن العملية السياسية قد توقفت أو فشلت أو صدأت آلاتها، إنما هي الآن لا تعمل بطاقتها القصوى، ولم تستطع حتى اللحظة إنتاج البضاعة الأجود والأفضل. بينما يجري العمل على تحسين أدائها، ورعايتها سياسياً، وابتزاز طرفها الفلسطيني والضغط عليه لتقديم أفضل التنازلات. ومسبقاً يمكن القول إن نجاح كامب ديفيد أو العملية السياسية الجارية سيعني، بالمطلق، أن الجانب الرابح استراتيجياً هي إسرائيل، مهما قيل عن حجم تنازلاتها! فإسرائيل تتنازل عن أراضٍ أو مساحات استولت عليها قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، وتحصل على تنازلات ومزايا فلسطينية لم تحلم بها. والفلسطيني قد يربح بالمعنى التكتيكي، ولكنه بالمعنى الاستراتيجي والتاريخي قد يخسر الشيء الأهم، ويشرِّع الكيانية الإسرائيلية على أرض فلسطين ضمن اتفاق تاريخي ودولي. وإن أي تسوية أو اتفاق يطاول موضوع اللاجئين دون عودتهم هو في جوهره تنازل استراتيجي لإسرائيل، وإزالة لأهم عقبة أمام إسرائيل تواجهها منذ خمسين عاماً، وتنهي المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عن كاهل إسرائيل في موضوع اللاجئين الذي يحظى بأهمية بالغة لدى الرأي العام العالمي. أيهما أفضل للشعب الفلسطيني: دولة فلسطين بقرار وطني مستقل، وإرادة وطنية خالصة على الأرض الفلسطينية، سواء التي انحسر عنها الاحتلال أو التي ما زالت محتلة، ومن دون اتفاقات ولا تنازلات تكتيكية أو تاريخية - وهي بهذا المعنى ستكون دولة منقوصة السيادة بفعل استمرار الاحتلال على أراضيها، ومحاصرته لحدودها ومعابرها، واقتصادها، ولكنها تحظى باعتراف غالبية دول العالم بها، وتظهر على خريطة العالم بالتدرج، وتحقق سيادتها، وتعود أراضيها المحتلة، ويتوحد عليها شعبها عبر نضال وبناء مجتمعي مستمر - أم خيار دولة فلسطين باتفاق إذعان ونصف السيادة، ونصف الأرض، ونصف الشعب، ونصف القدس، وتبادل بخس للأراضي، وربما تبادل للسكان. * كاتب فلسطيني - دمشق.