إسمي نبيل، وعُمري ستُّ سنوات. أبي رجلُ أعمالٍ، وأُمّي مُعلِّمةٌ للأطفال. نستيقظُ كلَّ يومٍ في تمامِ السّاعة السّادسة صباحاً، ونتناولُ الفطور معاً. وفي أيّام العمل يذهبُ والدي باكراً إلى عمله، وأتوجَّهُ مع أمّي إلى مدرستي التي تُعلِّمُ فيها. استيقظتْ أمّي ذات يومٍ مُتوعِّكة الصَّحة، ولا تستطيعُ مُرافقتي إلى المدرسة. قلقتُ كثيراً لمرضها. اصطحبني أبي إلى المدرسة، ثمّ توجَّه بعدها إلى الطَّبيب برفقة أمّي. عدتُ إلى البيت عصراً، فوجدتُ والداي بانتظاري والبسمةُ تعلو وجهيهما. قالت أمّي: "يا حبيبي إنّي حامل". سألتُ مُتعجِّباً: "ما الذي تقصدينه بكلمة حامل؟" وعلاماتُ الفُضول والدَّهشة باديةٌ على وجهي. قالت والدتي: "سوف نُرزقُ بمولودٍ بعد تسعة أشهر". أجبتُ بصوتٍ خافت: "تُريدان طفلاً؟ وهل ستُحبّانه أكثر مني؟ ماذا فعلتُ كي أستحقَّ هذا العقاب؟" أجابت أمّي: "لسنا نُعاقبُك، وإنّما نُريدُ لك أخاً يقفُ إلى جانبك في المستقبل ويُحبُّك ويلهو معك، وسوف نحبُّكما معاً... كما أنّني بحاجة إلى مساعدتك في تربيته وتعليمه". أجبتُ مُتعجّباً: "تُريدين مُساعدتي أنا؟... إنّني ما زلتُ طفلاً يحتاجُ إليك في كلِّ أموره". قالت أمّي: "أنا أعلم ذلك... وأعلم أنّي بحاجةٍ إلى مُساعدتك، وسوف ترى"... وصرختُ: "لا، لا، لا". أسرعتُ إلى غُرفتي، وأغلقتُ الباب بقوّةٍ وبدأتُ أبكي وأبكي. إنّني أحبُّ والدي ووالدتي... ولا أريدُ أخاً يُشاركُني هذا الحُبّ... سألتُ نفسي مراراً: "لماذا يُريدُ والداي أخاً لي؟" ولم أجد الجواب. دخلتْ أمّي إلى غرفتي، وضمَّتني إلى صدرها وهي تمسح شعري بأناملها... "نبيل، إنَّنا نُحبُّك كثيراً، أنت طفلُنا المُدلَّل". ومضت تسعةُ أشهرٍ، وذهبت أمّي إلى المستشفى برفقة والدي، وذهبتُ إلى بيت خالتي ثلاثة أيّام، منتظراً المولود الجديد الذي سيُقاسمُني حُبَّ أبويّ. وعُدتُ إلى البيت فوجدتُ أمّي وأبي والطفلُ يصرُخُ ويبكي... فُوجئتُ بأُختٍ لي لا بأخ، فرُحتُ أحدِّقُ بها... إنَّها جميلةٌ جدّاً، كلُّ شيءٍ فيها صغير: أنفُها، عيناها، فمُها... سألتُ والدي: "أيُمكنُني حملُها؟" أجاب أبي: "طبعاً، طبعاً يا حبيبي". حملتُ أُختي بين ذراعيَّ وكأنَّها عصفورٌ صغيرٌ، جميلةٌ كوردةِ الصَّباح، حمراءُ كالتُفَّاحة... قبَّلتُها، وضممتُها إلى صدري... "إنَّها صغيرةٌ يا أبي، لا تُجيدُ إلاّ البُكاء والصُّراخ... ما اسمها يا أبي؟" قال: "اسمها مايا، وإنّها تشبهُك في صغرك". وبلغت مايا شهراً من عُمرها، وصرتُ أعتني بها وأهتمُّ بنظافتها، وأهيِّئُ طعامها، وأُغنّي لها كي تنام. وكنتُ أرافقُها في عربتها إلى النُّزهة، وصرنا صديقين حميمين. اكتشفتُ مُتعةُ وجود أُختٍ لي، وعرفتُ معنى الأخُوّةِ، وعلمتُ أنّ والد ووالدتي يُحبّانني وسوف يحبّان مايا أيضاً. إنَّهما يقولان: إنّني ومايا أغلى جوهرتين في العالم. أحبُّ بابا، وأحبُّ ماما، وأحبُّ مايا. صادرة عن "دار اصالة"