عنوان الكتاب الذي اخترته: "الإنسانية: تاريخ القرن العشرين من وجهة النظر الأخلاقية" Humanity: A moral History of the twentieth century مؤلفه جوناثن غلوفر. صدر في الولاياتالمتحدة عن مطبعة ييل عام 2000 YALE UNIVERSITY PRESS, 2000 يسبر المؤلف أغوار الظلمة التي صاحبت التحولات الهائلة في المئة سنة الماضية، فتزامن الظلم والعنف والاستبداد والبطش مع إنجازات هائلة في مجالات عدة فتحت للإنسان أبواب عوالم جديدة من الإبداع والاختراع. وهو أبرز كتاب قرأته في السنة الماضية لكونه أبلغ أطروحة تاريخية إضافة الى كونه أيضاً كتاباً فلسفياً وبحثاً رصيناً في علم الإخلاق. في الفصل الأول يعلن غلوفر موضوع أطروحته فيقول: "إن كتابي محاولة في استبدال ذلك التحليل السيكولوجي الهش الذي جاد به عصر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر بتحليل آخر متعدد الجوانب متشعّب العناصر يكون أقرب الى الحقيقة والأمر الواقع". ويضيف إلى ذلك أنه يسعى أيضاً الى الدفاع عن رؤيا جاء بها عصر التنوير الأوروبي ذلك فوعدنا فيها بعالم يسوده السلام والاستقرار وتقوده القيم الإنسانية والأخلاقية. وأكد غلوفر ما أكده عصر التنوير من أن معرفة الذات وسبر أغوار الفكر الإنساني أنجع سبيل لتلقي الدروس وخلق عالم جديد يتضاءل فيه الظلم والطغيان ويندثر فيه البؤس والشقاء. والكتاب يملأنا بالخزي والعار حين نقف فيه على ما أقدم عليه الإنسان في القرن الماضي من مآس وفواجع في حق أخيه الإنسان. والقائمة المخزية والمفزعة في آن معاً تعود بنا الى نيتشه وفلسفته وإلى الأحداث المروعة التي تبعث الهلع والفزع في النفوس كمجزرة "مالاي" في فيتنام، والانفجار النووي في "هيروشيما"، ثم مذابح الإبادة في راوندا بأفريقيا، وطغيان ستالين وهتلر. ولا يدع عرضه الشامل مجالاً لاستثناء أي اعتداء مهما كان ومن أي جهة جاء يكون هدفه الإنسان. ويورد المؤلف قولاً لجوزيف ستالين في حديث له حين كان يوقع على أحكام الإعدام في حق ضحاياه "لن يتذكر أحد من الناس هؤلاء الرعاع بعد انقضاء عقد أو عقدين من الزمان". إلا أن جوناثن غلوفر يصرخ في وجه ستالين قائلاً "نحن نتذكر ولن ننسى"! إنه كتاب نتذكر فيه أولئك الذين وقعوا ضحايا العنف والتزمت والتعصب السياسي والاجتماعي والعرقي والطبقي والديني "والذكرى تنفع المؤمنين". جوناثن غلوفر أستاذ علم الأخلاق والفيلسوف المؤرخ يريدنا أن نبحث جدياً في حنايا العقل الإنساني عن العوامل النفسية التي تشط بنا لنسقط في هاوية اللاإنسانية وانعدام القيم والأخلاق ولعله يأمل صادقاً في أننا الآن على عتبة الألفية الثالثة قد بلغنا مرحلة من النضج والتقدم سنتمكن فيها من السيطرة على غرائزنا الإجرامية، ونتمكن من ضبط النفس والسمو بها إلى المستوى الإنساني، فنحب الإنسان لكونه إنساناً بغض النظر عن أي اعتبار آخر، ونضمن لكل فرد في المجتمع الإنساني عدواً أم صديقاً حريته وكرامته كاملة، ونعمل جميعاً بما أملاه علينا الحديث الشريف "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب لأخيه ما يحب لنفسه". * أستاذ في جامعة ماريلاند - الولاياتالمتحدة.