على رغم ان التعديل الذي أدخله الرئيس زين العابدين بن علي على تشكيلة المكتب السياسي للتجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم، بصفته رئيساً للحزب، اقتصر على اخراج وزير الدفاع السابق محمد جغام من القيادة العليا واستبداله بخلفه الدالي الجازي، فإن ضم الوزير الأول محمد الغنوشي الى التشكيلة الجديدة والإبقاء على عضوين فيها، بعدما عزلا من منصبيهما الوزاريين، حملا دلالات سياسية توقف عندها المراقبون في تونس. للمرة الأولى منذ تعيينه وزيراً أول انضم غنوشي الى المكتب السياسي للحزب الحاكم. وكان مراقبون فهموا الاحجام عن ادماجه في التشكيلة القيادية لدى تعيينه في اعقاب الانتخابات الرئاسية والاشتراعية في خريف العام 1999، على انه اتجاه الى الفصل بين العمل الحكومي والجهاز الحزبي. علماً ان سلفيه هادي البكوش وحامد القروي شغلا المنصبين الثانيين في الهرم الحزبي. وبموجب التعديل الأخير تم تثبيت الوزير الأول السابق حامد القروي في منصب النائب الأول لرئيس الحزب، فيما بات غنوشي النائب الثاني، مما يدل على السعي الى ادماج رأس الحكومة في اتخاذ القرارات السياسية. الى ذلك غادر جغام الهيئة القيادية العليا للحزب للمرة الأولى منذ دخلها في العام 1995 بعد تعيينه مديراً للديوان الرئاسي ثم وزيراً للداخلية فوزيراً للدفاع، فيما دخلها الدالي الجازي للمرة الأولى. وكان لافتاً تثبيت كل من عبدالله القلال أمين الصندوق والشاذلي النفاتي وعبدالرحيم الزواري في المكتب السياسي على رغم مغادرة الأولين الحكومة وانتقال الثالث من منصب الأمين العام للحزب الى تولي حقيبة الشباب والطفولة. وجرت العادة في الماضي ان يقتصر اعضاء المكتب السياسي على الماسكين بوزارات السيادة والوزير الأول ورئيس مجلس النواب والأمين العام للحزب. ويدل استبقاء هؤلاء في التشكيلة القيادية على حرص بن علي على اشراكهم في القرارات السياسية، بعدما ظلوا طيلة التسعينات يشكلون مع الوزير السابق جغام المربع المقرب الذي يستشيره لدى صوغ الخيارات الكبرى. ويمكن القول ان وزير العدل بشير التكاري ووزير الداخلية الجديد عبدالله الكعبي لم يدمجا في القيادة الحزبية العليا على رغم امساكها بحقيبتي سيادة ربما لكونهما ليسا وجهين حزبيين. واللافت ان عدد أعضاء المكتب السياسي الذين لا يشغلون مناصب وزارية بات اكبر من عدد الوزراء في التشكيلة الجديدة اذ اقتصر الأخيرون على خمسة هم: غنوشي الوزير الأول، بن يحيى الخارجية، الزواري الشباب، والجازي الدفاع، والسيدة الوحيدة في القيادة نزيهة زروق شؤون الأسرة. في مقابل ستة أعضاء لا يحضرون اجتماعات مجلس الوزراء هم الأمين العام للحزب علي الشاوش وأمين الصندوق القلال ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي النفاتي ومستشار رئيس الجمهورية عبدالعزيز بن ضياء ورئيس مجلس النواب فؤاد المبزع والوزير الأول السابق القروي. وعليه فإن المكتب السياسي عاد يجمع بين رأس الحكومة ورأس السلطة الاشتراعية والمسؤولين الأولين عن الجهاز الحزبي نائب الرئيس والأمين العام.