شمل التغيير الحكومي الذي قرره الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، امس، ثلاث مؤسسات سياسية رئيسية هي الوزارة الاولى وقيادة التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم ومكتب رئيس الجمهورية. وأتى التغيير الذي طاول عشر وزارات بعد ثمان واربعين ساعة من التجديد لرئيس مجلس النواب الجديد فؤاد المبزع ومساعديه ما يعني ان رئيس الدولة اراد ان يضع عناصر الطاقم الذي سيساعده في الولاية الثالثة التي تستمر خمسة اعوام في مواقعهم بعد يومين على ادائه اليمين الدستورية في مجلس النواب الاثنين. ولوحظ ان استبدال الوزير الاول السابق الدكتور حامد القروي بوزير الاستثمار الخارجي والتعاون الدولي محمد الغنوشي حافظ على التوازنات التقليدية التي تقضي بأن يكون رئيس مجلس النواب من العاصمة تونس والوزير الاول من منطقة "الساحل". ولا يمت الوزير الاول الجديد بصلة الى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، فالاول من سوسة والثاني من قابس. ولعل الاهم من ذلك ان اختيار الغنوشي للمنصب، وهو اقدم وزير في الحكومة، يعكس طبيعة المرحلة المقبلة التي سيتم التركيز خلالها على الاقتصاد كون الغنوشي شغل منذ دخوله الاول للحكومة في العام 1983 مناصب اقتصادية عدة، آخرها وزارة التعاون الدولي التي تولاها منذ انشائها مطلع التسعينات الى الآن بلا انقطاع. ويرجح ان العلاقات الواسعة التي نسجها مع شركاء تونس العرب والغربيين هي العنصر الحاسم الذي جعل الاختيار يقع عليه للحلول محل القروي الذي امضى في الوزارة الاولى عشرة أعوام وحطم الرقم القياسي الذي حققه الوزير الاول الراحل الهادي نويرة. ولا تعرف اسباب تفسر مغادرة القروي الحكومة عدا السن والرغبة في تشبيب الطاقم الوزاري. وما يسترعي الانتباه في التغيير المعلن عنه انه كرّس عبدالعزيز بن ضياء الشخصية الثانية في الحكومة بعد الوزير الاول ومنحه لقبي "وزير دولة والمستشار الخاص لرئيس الجمهورية" وهو موقع سبق ان شغله كل من الحبيب عمار وعبدالله القلال بعد مغادرتهما وزارة الداخلية، الاول في العام 1989 والثاني في العام 1995، لكنه يعني ان منصب الامين العام ل"التجمع" الذي كان يشغله بن ضياء بات شاغراً ويرجح ان يعلن في الساعات المقبلة عن الامين العام الجديد ويتوقع ان يكون مساعد بن ضياء الوزير السابق الصادق فيالة او وزير التربية السابق حاتم بن عثمان. الا ان التغيير في قيادة "التجمع" لن يقتصر على الامين العام وانما سيشمل كذلك نائب الرئيس فبعد خروج القروي من الحكومة سيكون الغنوشي على الارجح نائب الرئيس الجديد، فيما سيغادر وزيرا الداخلية والخارجية السابقان علي الشاوش وسعيد بن مصطفى المكتب السياسي ويحل محلهما الامين العام الجديد ل"التجمع" مع بقاء بن ضياء عضواً في القيادة. اما باقي وزراء السيادة الجدد فهم اصلاً اعضاء في المكتب السياسي منذ سنوات عدا وزير العدل الجديد بشير التكاري. وعكست عودة الحبيب بن يحيى الى الخارجية بعدما كان غادرها الى الدفاع في العام 1997 تجديد الثقة في كفاءته. فالوزراء الذين حلوا محله لم يعمروا طويلاً بمن فيهم الوزير الاخير الذي كان نائبه في وزارة الخارجية. كذلك عاد عبدالله القلال الى الداخلية التي كان شغلها في النصف الاول من التسعينات، فيما غادر مدير مكتب الرئيس محمد جغام القصر الرئاسي الى وزارة الدفاع بعدما رشحته الاشاعات منذ سنوات للوزارة الاولى عند مغادرة القروي للمنصب. وربما يرتبط الاستغناء عن وزير الداخلية السابق الشاوش بأدائه اثناء الانتخابات العامة الاخيرة الذي أثار كثيراً من الملاحظات في الخارج. وكان لافتاً إحداث وزارة جديدة تعكس محاولة ضبط ساعة البلد على مشاغل العالم الجديدة في شأن رعاية حقوق الإنسان. وسمي المنصب الذي أسند إلى وزير التعليم العالي السابق الدالي الجازي "الوزير المعتمد لدى الوزير الأول المكلف حقوق الإنسان والاتصال والعلاقات مع مجلس النواب"، ما يعني أنه يجمع بين ثلاثة ملفات في وقت واحد. وروعي في اختيار الجازي للمنصب كونه معارضاً سابقاً شغل منصب الأمين العام لرابطة حقوق الإنسان. كذلك شمل التغيير وزارتي التعليم العالي والتربية ما اتاح لمستشار الرئيس بن علي، أحمد عياض الودرني دخول الحكومة وزيراً للتربية محل عبدالرحيم الزواري الذي غادرها للمرة الرابعة وأفسح في المجال أمام الصادق شعبان الذي أدار حملة الرئيس بن علي الانتخابية للعودة إلى وزارة التعليم العالي التي كان عمل فيها مساعداً للوزير الأسبق محمد الشرفي قبل تعيينه لاحقاً وزيراً للعدل. وفي المحصلة دخل إلى الحكومة بموجب تغيير أمس أربعة وزراء جدد وعاد إليها وزير واحد شعبان إضافة إلى دخول خمسة كتّاب دولة وزراء دولة بينهم الأمين العام الجديد لمجلس الوزراء محافظ تونس السابق عبدالله الكعبي. إلى ذلك، شمل التغيير مكتب رئيس الجمهورية إذ كان من عناوينه البارزة مغادرة محمد جغام الديوان الرئاسي إلى وزارة الدفاع وتعيين صلاح الدين الشريف في منصب مستحدث هو الأمين العام للرئاسة الذي لا يعرف إذا كان بديلاً من منصب رئيس الديوان أم سيعين شخص آخر محل جغام.