تقتصر اهمية الاحكام القضائية الصادرة ضد ثمانية من المثقفين والاصلاحيين الايرانيين الذين شاركوا في مؤتمر برلين على الشارع الايراني، الى جانب الانعكاس الواسع لها في الصحف الايرانية التي اعترضت عموماً على هذه الاحكام، بل اتخذت طابعاً دولياً عندما تدخلت المانيا واجلت زيارة رئيس الوزراء شرويدر لايران الى وقت غير معلوم. ومع ذلك فإن اوساطاً مطلعة اكدت ان الزيارة ستتم في القريب العاجل. ولهذا الوضع مؤشرات عدة على الصعيد الدولي وكذلك على الصعيد الاوروبي، ومنه الالماني، خصوصاً مع ايران التي بدأ الاتحاد الاوروبي يؤكد على توثيق العلاقات معها في السنوات الاخيرة. ان الابعاد الواقعية لمؤتمر برلين وخلفيات انعقاده لم تنكشف كلها بعد. فهو لم ينعقد في المانيا الا تحت مظلة الالمان انفسهم حتى ولو كان حزب الخضر هو الدافع القوي لانعقاده. ولا يمكن القول ان المسؤولين في الحكومة الايرانية لم يعرفوا من كان وراء المؤتمر ومن هم المشاركون والمتحدثون فيه من الايرانيين وغيرهم. وما ظهر بعد ختام المؤتمر لم يكن متوقعاً او محسوباً له في الحسابات العادية لدى الايرانيين. ومهما كان الامر، فقد لعب المؤتمر دوراً بارزاً في السياسة الايرانية، كما كشف الموقف الالماني عن اهميته بالنسبة الى السياسة الالمانية وربما السياسة الاوروبية ككل. ترى ما اهمية المؤتمر في سياسة هذين البلدين؟ ولماذا اصدر القضاء الايراني هذه الاحكام بحق المشاركين فيه؟ ولماذا كان لالمانيا هذا الموقف الحاد خصوصاً بعد ان اخذت سياسة الاحتواء السياسي والاقتصادي لايران تلعب الدور الاهم على الصعيد الاوروبي؟ الواقع ان الكثير من المؤتمرات حول الاوضاع الايرانية عقد خارج إيران، خصوصاً في البلدان الاوروبية واميركا، ولكنها لم تأخذ منحى سياسياً او طابعاً اجتماعياً سياسياً استفزازياً داخل ايران او موقفاً سلبياً من المؤسسة الحكومية الايرانية. ولكن ماذا كان وراء مؤتمر برلين خصوصاً بعد ان تكشف بعض ابعاده في الموقف الالماني الاخير ضد ايران، الذي شكل خطاً اعلامياً ساخناً لكثير من الصحف ووكالات الانباء، خصوصاً البريطانية التي حاولت ان تنحاز الى الموقف الالماني باعتباره الموقف الاوروبي، متناسية المصالح السياسية المتقاربة بين ايران وبريطانيا في الاشهر الاخيرة. فعلى سبيل المثال توقعت كلمة التحرير في صحيفة "الغارديان" في 16 الشهر الجاري إلغاء زيارة رئيس وزراء المانيا اعتراضاً على الاحكام الصادرة ضد المشاركين في مؤتمر برلين، واكدت بأن هذه الاحكام ربما ستحول دون دعم الاتحاد الاوروبي لسياسة الاصلاحات في ايران. ان ما كشفت عنه "الغارديان" يعتبر اخطر من الحدث نفسه. صحيح ان الاتحاد الاوروبي يعمل في الوقت الحاضر ككتلة متجانسة في كثير من المواقف والقضايا العالمية، لكن التجارب السابقة كشفت من حقيقة مهمة وهي ان المصالح الخاصة بكل دولة لا تحسم عن طريق المد الاعلامي المبرمج او الموقف الموجه، بل من طريق الوعي للمصالح العامة وعلى المدى البعيد لهذه الدول وحكوماتها. وهذا ما كشفته الايام الاخيرة حول ما سمي ب"الازمة الايرانية الالمانية" حول مؤتمر برلين. ومع ان الرسالة الاوروبية التي اطلقتها الصحف الاوروبية تعرفها ايران حق المعرفة وتدرك بانها ستؤثر قليلاً او كثيراً في مستقبل المواقف المتخذة بشأن المد الاصلاحي في طهران، فإن موقف القضاء الايراني ازاء المؤتمر من دون الدخول في تفاصيله - كان عنيفاً وواضحاً وقوياً. فكما ان الصحف الاوروبية كشفت عن السياسة غير المعلنة لحكوماتها، فإن الصحف الايرانية اتخذت الاسلوب نفسه في التعامل بطرح المواقف الخاصة وغير المعلنة لكل من الخطين الاصلاحي والمحافظ. فالصحف المنتسبة لكلا الخطين شجبت الموقف الالماني واكدت بأن هذا الموقف هو تدخل صارخ في الشؤون الداخلية الايرانية، ووصل الامر ببعض الصحف المخالفة للخط الاصلاحي الى حد مطالبة الحكومة الايرانية بطرد السفير الالماني من ايران. هذا الموقف لعب دوراً في صوغ موقف اكثر تعقلاً لدى الاوروبيين، وبات من المؤكد ان زيارة شرويدر ستتم قريباً، حتى بعد البيان الاخير الصادر من الحكومة الالمانية والرد الايراني الرسمي عليه. ان ما نقلته و"كالة الانباء الفرنسية" عن رئيس وزراء المانيا بانه على رغم الازمة القائمة بين ايرانوالمانيا بشأن الاحكام الصادرة ضد مؤتمر برلين والمشاركين فيه من جهة، مصمم على الذهاب الى ايران في وقت ليس ببعيد، يكشف عن قوة الموقف الايراني وعن الموقف المتعقل لسياسة شرويدر من جهة اخرى. بعض المواقف ربما ستكون اكثر سخونة بعد زيارة شرويدر الى ايران، وهي زيارة ستتم على رغم كل السلبيات التي نجمت عن قضية مؤتمر برلين. وسوف يستفيد البلدان في المجالات السياسية والاقتصادية بهدف توسيعها وتعميقها. فزيارة الرئيس محمد خاتمي السنة الماضية الى المانيا كانت تعبيراً واضحاً عن رغبة ايران بتنشيط العلاقات وكذلك عن حرص الطرف الالماني على تقوية هذه العلاقات لصالحه. على ايران ان تدرك بانها لا تعيش خارج المدار السياسي والاجتماعي العالمي، وان العولمة بكل تفاصيلها الايجابية والسلبية اخذت طريقها للتأثير في كل مفاصل العلاقات الدولية، حتى ان كل ما تتخذه الحكومات والشخصيات والاحزاب والمؤسسات وغيرها من مواقف ستكون لها تحليلات وتفسيرات يعقد عليها كثير من الاعمال والنشاطات. من جهة اخرى فإن الدول التي تجيز لنفسها اتخاذ كل المواقف حتى ولو كانت خاصة بالدول الاخرى، ولا تتعاطى مع السياسة العالمية الا على طريقتها او عقلانيتها التي لا تكون مقبولة عالمياً بالضرورة، عليها ان تدرس هذه السياسات خصوصاً المرتبطة منها بصميم القضايا الخاصة بالدول الاخرى، وان تتخذ المواقف على اساس الاحترام المتبادل والاعراف الدولية والاسس العالمية المعترف بها. * باحث اكاديمي ايراني.