تعممت الأندلس منذ القرن التاسع حتى هزيمة الموحدين. وظهرت العمامة بعد ذلك على رؤوس الأدباء والملوك والقادة العسكريين في رسوم الحمراء، وارتدت الأندلس الموضة البغدادية، وصلتها مع زرياب المغني في عهد عبدالرحمن الثاني، ولبس نبلاؤها البرنص أدخله بربر جيش المنصور في القرن العاشر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وصار في بعض المناسبات لباس كل الطبقات في المجتمع بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر. واختلف لباس العامة في المدن عنه في القرى، فكانت نساء المدن إذا خرجن الى الشارع، يرتدين معطفاً فوق ثيابهن الداخلية أو يتلفحن بقطعة قماش فضفاضة تسمى "الملفة" وتعقد أطرافها حول الرأس. أما في الريف فاللباس قميص القطن والتنورة، والجبّة المصنوعة من نسيج صوفي، والجلابية. واستعملت القلنسوة كثيراً في الريف، فاعتمر الرجال طاقية من لبد، أو قبعة صوفية دخلت القبعة العراقية مع زرياب واعتمرت النساء قبعة صغيرة من الأطلس، كن يعلقن عليها "مقنعة" أو خماراً يربط في الرقبة، فيخفي كل الوجه عدا العينين. أما الثياب الداخلية، فكانت عبارة عن قميص من القطن أو الكتاب، وسراويل من قماش أبيض اسمه "زهيرة"، واستعملت السترة المصنوعة من جلد عنزة أو خروف في فصل الشتاء، ولم تظهر "الملاطة" إلا في منتصف القرن الخامس عشر وهي لباس مصنوع من أقمشة مثل البروكار، المخمل، و"الدمشقي"، ويمكن أن يرتديها المرء فوق معطف قصير - واشتهرت كثيراً بين الاسبان، بعد الاستيلاء على غرناطة. كانت محتويات الخزانة الأندلسية رائعة وتمسكت بقايات الجماعات المهزومة بمظاهر شخصيتها القومية، فارتدى الموريسكيون الثياب الإسلامية، واعتمروا العمامة والقلنسوة التونسية. وارتدوا الثياب الداخلية الإسلامية، وتزيوا بالملاطة والبرنص والعباءة. وتثبت كتابات القرن السادس عشر، ان الموريسكيين ظلوا يرتدون ثيابهم الإسلامية حتى هذا التاريخ، على رغم تحريم ملوك الاسبان لها، وأكثر من ذلك أيضاً: تركت الأزياء الموريسكية بصماتها على الموضة الاسبانية، وصارت أسماؤها - المئزر Almeizar، الحرام alharem، الملاطة marlota، البرنص albornez، جزءاً من لغة الغالب، تكرر استعمالها كثيراً في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وظهرت على قائمة الملبوسات الملكية والنبلاء والفرسان. في اسبانيا القرن الخامس عشر، وفي عصر اهتم بلباس الترف والذوق الرفيع، لم يجد الملوك حرجاً في ارتداء الثياب المسلمة التي يحرمونها. وكانوا بدأوا بارتدائها قبل سقوط غرناطة بكثير، فعلقت الملابس الموريسكية، في خزانة الغالب الى جانب الزي الإسباني الذي ظل رومانياً أوروبياً - على رغم بعض الخاصية الوطنية - منذ القرون الوسطى، وحتى عصر النهضة. واعتمر الفونسو الخامس ملك اراغون العمامة، وظهرت في خزانته الثياب الموريسكية: يشير الى ذلك بيان موقع عام 1424. ومن بين هذه الثياب زي مسلم خاص بألعاب الفروسية، ظل الفرسان يرتدونه حتى القرن السابع عشر، لدى مشاركتهم في هذا الاحتفال، وانتشرت موضة الملابس الموريسكية الى حد بعيد في عهد الملك انريكي الرابع، فاشتكى الونسو دي بالنثيا مؤرخ السيرة الملكية، من نقطة ضعف العاهل الاسباني ازاء تلك الأزياء التي "فتن بها الفرسان المسيحيون فارتدوها، وصار الأقرب الى الملك بينهم، من يتقلدها. وفي رسالة بعث بها الايطالي ايرونيمي فيتكو ميتيس الى دوق ميلان مؤرخة في بورغوس - الشمال الاسباني - في 6 نيسان ابريل 1497، يتحدث المسافر عن الأزياء الموريسكية التي بهرت بصره، وكان يرتديها الملك فرناندو الكاثوليكي والنبلاء من مرافقيه، في احتفالات الفروسية المقامة تكريماً للأميرة النمسوية مارغريتا "فمعطف البروكار والحرير المطرز بالذهب والفضة كان رائعاً". وفي أعوام مختلفة كانت المآزر والقلنسوات التونسية، وقلنسوات السفر على قائمة ثياب الكونت دي بلاثنثيا - 1456 - ودون الفارو دي زونييغا 1468، وعلى قائمة الهدايا التي قدمها ماركيز قادس الى خطيبته عام 1471، وأكثرت الملكة ايزابيل الكاثوليكية من اعتماد العمامة، فقائمة المدفوعات الملكية بين عامي 1477 و1504، تشير الى ان الملكة اشترت عدة مرات القلنسوات والحرامات - معناها مختلف عن أيامنا هذه، وهي مثل العمامة - وأهدت بعضها الى الأمير خايمي، والى أمراء البرتغال، ومثل أمها، اعتمرت "دونيا خوانا" المجنونة في مطلع القرن السادس عشر، القلنسوات والمآزر المطرزة بحروف عربية. ولما زار الامبراطور كارلوس الخامس اسبانيا لأول مرة عام 1517، وتوقف في قرية سان فيسنتي دي لا بركيرا، أحاطت به وبزوجته بحسب تقاليد المكان "مئتا فتاة يرتدين الثياب الموريسكية ويضعن خواتم في أيديهن، وأقراطاً في الأذنين، كن يرتدين قمصاناً مطرزة بثنيات، ويضعن على رؤوسهن عمامة كبيرة كما الصبايا الموريسكيات". وعندما توقف الامبراطور في طريق "أبروخو" قابل مبعوث الماركيز دي فيانا، الذي كان يمتطي بغلاً، ويرتدي ثياباً لفتت الانتباه، ويضع على رأسه عمامة وهي "زينة من الكتان تلتف حول الرأس"، وكما رأى المؤرخ لورنزوفيتال، في قشتالة، حيث "تعب منها الشباب، ويعتمرها العجائز الذين يتخلون بصعوبة عن عاداتهم القديمة". كانت العمامة، أكثر الرموز الإسلامية التي فتنت الإسبانيين الغالبين، فاعتمرها بداية الملوك والنبلاء، وصارت بالتالي أكثر شعبية، فظهرت على رؤوس أهل قشتالة، وسكان الريف، وانتقلت أخيراً الى بعض الأزياء الشعبية. وغير العمامة، استعار الاسبان نماذج أخرى من اللباس الموريسكي، وجذبتهم الثياب الغرناطية، فتبنوا الكسوة. وترجّح الباحثة كارمن بيرنيس ان أصل الكلمة عربي: الكسا - والملاطة، العباءات والبرانص. ليس هناك فكرة واضحة عما كانته الملاطة والكسوة، لأن التعريف بهما كان غامقاً ومتناقضاً في بعض النصوص القشتالية: يشير الباحث روبرت ريكارد ان الملاطة كانت ثوباً قصيراً للسهرة، بكمين وقلنسوة، وتوصلت كارمن بيرنيس بعد أبحاثها الى التأكيد ان الملاطة هي ثوب مصنوع من البروكار، المخمل أو الدمشقي، ترتدي فوق معطف قصير، ويمكن ان تغطى بعباءة، أما الكسوة فثوب صيفي مصنوع من القماش الرقيق، مثل الكتاب الناعم الأبيض، وتُرتدى فوق الجوارب والجبة، ويمكن ان يغطيها لباس آخر. وكان مألوفاً ان تطرز الكسوة بشريط للزينة. واستأثرت الملاطة بالاهتمام على مدى قرنين من الزمن 1480 - 1680، ودخلت تسميتها الى اللغة الاسبانية بعد حرب غرناطة، واعتبرت من الثياب الرائعة التي ارتداها الاسبانيون، وكانت مصنوعة من الأطلس والسبتى والبروكار، وطرزت بالذهب والفضة - هذا يؤكد أو يرجح انها كانت ثوباً للسهرة -. وألبس ماركيز قادس ملاطة يوم دفنه، كما حرص على ارتدائها طوال قرنين الفرسان والنبلاء الذين يشاركون في ألعاب الفروسية. أما الكسوة، فظهرت في سنوات مختلفة، في خزانة أغلب الشخصيات التي تعممت فكانت بين قائمة ملبوسات الكونت دي بلاثنيتا - 1456 - ودون الغارودي زونييغا - 1468 -، ودون الغارو دي لونا ابن الماريشال كارلوس دي اريانو - 1482 - والملكة ايزابيل الكاثوليكية، ودون الونسو انريكيز فارس رهبانية سانتياغو - 1512 -. ولم يلفت البرنص والعباءة ارتداهما المسلمون من كل الطبقات، واعتبرا ثياباً فاخرة أو متواضعة بحسب الفرد الذي يلبسهما. نظر الاسبانيين كثيراً، ولم تدم موضتهما طويلاً، إذ لم يكونا يتميزان عن عباءات المسيحيين والمعاطف التي كانوا يرتدونها منذ الأزمنة القديمة، إلا بروعة الأقمشة، وبتطريز الحاشية بأحرف موريسكية، واختار الاسبانيون النماذج الأغنى لهذين الثوبين. ويبدو ان البرنص الذي كان يُزرر، استأثر بالاهتمام أكثر من العباءة، إذ لا تذكر الباحثة كارمن بيرنيس غير اسمين من الذين ارتدوه في أواخر القرن الخامس عشر: الملكة ايزابيل الكاثوليكية، والشاعر غوميز منريكي. وكانت هذا البرانص من الأطلس، وألوانها الأبيض والأخضر والقرمزي. * كاتبة لبنانية.