تسدّ ترجمة كتاب «تاريخ الأزياء» ثغرة في المكتبة العربية وهو للباحثة الروسية م.ن. ميرتسا لوفا (ترجمة أنا عكاش - وزارة الثقافة - دمشق). وفيه تتابع الكاتبة أزياء الشعوب القديمة: الفرعونية والأشورية والبابلية والساسانية والإغريقية والرومانية والبيزنطية ثم الأزياء الأوروبية في العصور الوسطى وتالياً في عصر النهضة وتتوقف عند أزياء القرن الثامن عشر إلى أن تصل إلى أوائل القرن العشرين. الكتاب يتضمن رسوماً وصوراً للأزياء. كان لأسلوب العيش والمناخ والحفلات والأعراس والطقوس بأنواعها الدور الأول في تصميم الأزياء، وكان لتطور الصباغة دور آخر فيها، وتشير الآثار الفرعونية إلى وجود موديل «مانيكان» يعتقد أنه الأول من نوعه في التاريخ. الأزياء الفارسية تميزت بالطبقية الواضحة، أما الأبهة الفرعونية فملزمة بإكسسوارات مثل العصا والذقن الذهبية والقلادة الكبيرة التي ترمز الى الشمس. أما الأزياء البابلية، فكان الملك يتدخل في قوانين ارتدائها. الأحذية في كل الحضارات كانت من الجلد والخشب أحياناً، أما الأزياء الإغريقية فتميزت بثبات الشكل والانسجام الجمالي ولعبت الحرب دوراً في تشكيلها. وفي الدولة البيزنطية دخل الدين بقوة في رسم أزياء النساء. وفي العصور الوسطى حنق كارل الأكبر على أفراد الحاشية المغندرين، فأجبرهم على الصيد تحت المطر بأزيائهم الفاخرة الشرقية. ومع نهاية القرون الوسطى ظهرت أقمشة جديدة وزاد الاهتمام بدودة القز فبرزت فرنسا وإيطاليا وهولندا في صناعة الأقمشة وانتشرت المبارزات انتشاراً واسعاً وبرز مفهوم المرأة الجميلة كشكل من أشكال تقديس المرأة، فظهر الاختلاف الحاد بين أزياء الجنسين، وكان الشرق قدوة الإقطاعيين في الزي، فدخلت الأزياء ذات الشعار إلى أوروبا. وكان لون اللباس يحدد المهنة، أما أكثر أزياء المهن بهرجة فكان زي المهرّج الذي لا يزال على حاله، ومثله أزياء الكهنة الفرنسيين. ذكر المؤرخ كيشر أن ماري ستيوارت هي أول عروس فرنسية تلبس الأبيض يوم زفافها. وفي كل عشرية كانت الأزياء تتغير وكانت القفزات في القرون الوسطى عنصراً أساسياً في أناقة الغنادير الشباب. وتتصدر البندقية الأزياء في عصر النهضة، وقد سادت الألوان القاتمة في اسبانيا إبان محاكم التفتيش. ويذكر أن الحِداد ألزم الملكة الاسبانية الاعتزال سنة كاملة! ولم تكن الاسبانية تخرج من بيتها من غير غطاء كامل، قدوتهم في ذلك المسلمون، بحسب قانون «المغلوب يتبع الغالب». وبلغ ولع هنري الثالث (1574- 1589) بأزياء النساء انه كان يلبس أزياءهن. ويعزى إليه إبداع تطريز ملابس الحداد برسوم المشاعل المنطفئة، وقد صدر مرسوم غريب أثناء حكم هنري الرابع يمنع الرعايا من ارتداء الدانتللا الايطالية والذهب واللؤلؤ ويستثني العاهرات واللصوص من القرار (لأنه يعتبرهم ادنى من أن ينالوا شرف اهتمامه). وأدخل زواج الملكة الانكليزية ماري بالملك الاسباني فيليب الثاني تأثيرات اسبانية على اللباس الانكليزي. مع بداية القرن السابع عشر ظهر كعب الحذاء العالي في فرنسا التي كانت تقود العالم في الأزياء بخاصة في القرن الثامن عشر. وسبب ذلك لا يكمن فقط في صناعاتها الخفيفة وأغراض الرفاهية إنما في مزج سمات الزمن وتحويلها إلى أشكال فنية منسجمة مع اللحظة الراهنة. ويعزى إلى لويس الرابع عشر ولعه بالأزياء وقواعد المراسيم الصارمة. وأضيفت المروحة والغليون والمظلة وعلب «الشامات» إلى إكسسوارات النساء. ويذكر أن «كالسيس» ميغيل دي ثربانتس كانت تحتوي على 300 زر! وفي فترة الثورة الانكليزية (1649- 1660) وضعت النساء القبعة البيضاء رمزاً للطهرانية الدينية. وفي أواخر عهد الثورة شاع بينهن لباس جديد لركوب الخيل يشبه زي الامازونية. وفي فرنسا دفع تقشف مفتش المالية «دي شالوت» إلى ابتداع «كيلوت» من غير جيوب. عارض جان جاك روسو «الكورسيت» بالأجزاء المعدنية، ما دفع الصناع إلى الاستجابة لرأيه. وازداد الولع بالكعب العالي، ما أدى إلى دخول العكاز إلى جملة اكسسوارات ملابس الباليه الرعوي، وانتشرت الأزياء الفرنسية بواسطة مجلات الأزياء، وظهرت في القرن الثامن عشر أزياء للأطفال إثر انتشار أفكار جان جاك روسو في التربية. وبعد الثورة الفرنسية اتخذت ألوان الأزياء طابعاً صراعياً ما بين موالين ومعارضين للثورة. وأثار تنوع غطاء رأس المرأة أحد الرحالة الأجانب ليكتب: «على الفرنسية أن يكون عندها 365 غطاء للرأس». واستعيض عن المجوهرات بحجارة من حيطان الباستيل! في القرن التاسع عشر مع ازدياد المواد الاستهلاكية واختراع «جاكارد» لآلة الحياكة، زاد انتشار الأقمشة. ومع ظهور تيار الرومانسية الأدبي (بايرون شيلي في انكلترا وغوته وهوفمان في المانيا)، دخلت ملامح الأنوثة على أزياء الرجل، وأثار نجاح روايات والتر سكوت زيادة الاهتمام بسكوتلندا، فدرجت موضة «الكرويات»، كما أدى نجاح مسرحية «شباب هنري الرابع» إلى نسخ ثياب أبطال المسرحية باسم زي «ألا بيتي»، وأدى نجاح مسرحية «بيازيد» لراسين إلى شيوع موضة العمامة الشرقية، واعتبر المجتمع الفرنسي ظهور تيوفيل غوتيه في «جيليه» احمر إبان العرض الأول ل «هيرناني» إساءة الى الوقار الاجتماعي، فانهارت المعايير العقلانية الرصينة. وأفضى تيار الرومانسية الأدبي إلى الاهتمام بالحفلات التنكرية وأشهرها حفلة أقيمت عند دوقة «بيري» في بيت دوماس الكبير حيث عمل ديلا كروا وديفيريا ولون كليمان على الديكور. وحظي النموذج الجمالي الجديد للمرأة باحترام كبير، مثاله في ذلك راقصة البالية «ماريا تاليوني». كما أثرت رواية بلزاك «ظل المرأة الثاني» في ازدياد صرامة الأناقة. ومع ظهور حركة تحرر المرأة قادت جورج صاند ارتداء لبس النساء لزي الرجال، ثم ما لبثت الأنوثة الرومانسية الهشة (بحسب وصف بلزاك في رواية بياترس) أن تراجعت أمام الجمال الجسدي الأرضي. عرض صانع الأزياء الشهير «فورت» - الذي كان يصنع أزياء الإمبراطورة «ايفغينا» - الزي على «مانيكان» حي، فخلّده إميل زولا في روايتين هما: «الفخ» و «سعادة النساء». وفي أواخر القرن التاسع عشر دخل عاملان في التأثير في الزي هما: الطب والرياضة. الطب الذي ندد ب «القبات» العالية المضنية وضرورة جعل الكتفين مركز تحمل اللباس ومنح الصوف أفضلية صحية، أما الرياضة فتسببت بتغيرات أكثر جدية. وفي القرن العشرين ساهمت رواية الكاتب بيير لوتي «مدام كريزانتيم» في إشاعة الزي الياباني، وكان قبلها انتشر «الروب دي شامبر» الياباني. أثرت الحرب العالمية في عسكرة الأزياء وتحولت المرأة إلى فتى مراهق وضاق وركها. وباتت الاستعراضيتان «دوللي سيسترز» قدوة الفتيات في العالم، وقادت نجوم السينما ذائقة «الموضة»، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية سيبدأ الانسحار بالأقمشة البدائية الخشنة... فتتحقق أسطورة العود الأبدي كسائياً؟ تبقى هناك ملاحظتان: الأولى أنه يفهم غياب الأزياء العربية من بحوث الكاتبة الروسية بحكم كون الحضارة العربية حضارة نص لا حضارة صورة، لكن يبقى صعباً تبرير غياب أزياء الحضارة الصينية أو العثمانية التي نغصت عيش أوروبا قروناً أربعة وكذلك الأزياء اليابانية المعقدة... الأغرب هو أن تغيب الأزياء الروسية عن الكتاب الذي يقع في حوالى 500 صفحة.