المنافسة السياحية بين مراكش الجبلية واغادير الشاطئية ظلت دوماً تثير فضول السياح الاوروبيين الذين يشبهونها بدربي لكرة القدم ينتهي دوماً بالتعادل على طريقة: "لا غالب ولا مغلوب" اذ ان ما ينقص في الاولى يتوافر في الثانية. وظلت المدينتان تتقاسمان باستمرار نحو ثمانية ملايين ليلة سياحية تشكل ثلثي اجمالي السياحة المغربية. وحتى العام الماضي كان التفوق يميل لمصلحة اغادير بفضل فخامة فنادقها التي تضم اكثر من 14 الف غرفة ممتازة وامتداد شواطئها عشرات الاميال وجمهورها من السياح الالمان الذين جعلوا منها اغلى مدينة في المغرب بسبب ارتفاع انفاقهم الذي يتيحه المارك الذي يبقى متربعاً على ذهن سكان اقليم سوس ذي الاصول البربرية. لكن مراكش التاريخية التي بناها يوسف بن تاشفين في القرن الحادي عشر والتي كانت عاصمة للاندلس قرابة 250 سنة استطاعت ان تستعيد موقعها كأول مدينة سياحية في المغرب بفضل ارتفاع اعداد السياح الفرنسيين التي زادت 14 في المئة في وقت تراجع السياح الالمان في اغادير خمسة في المئة وتبعهم الاسكندنافيون، علماً ان الالمان يشكلون نحو 50 في المئة من زوار اغادير. ولأن العادة جرت ان يتوجه السياح الفرنسيون الى مراكش، والسياح الالمان الى اغادير، عكس التنافس بينهما نتيجة مماثلة للمنافسة السياسية التي جرت عام 1911 عندما هدد الامبراطور غليوم الثاني بقصف السفن الفرنسية اذا لم ترفع باريس يدها عن المغرب وتقر باتفاقية الجزيرة الخضراء التي شارك فيها عام 1906 جل الامبراطوريات الاستعمارية في تلك الحقبة. وبعدما تخلى الفرنسيون عن اغادير لفائدة الالمان، قبل تسعين سنة، واتجهوا الى الدار البيضاءومراكش زاد عددهم العام الماضي الى مليون سائح في حين تراجعت اعداد السياح الالمان الى اقل من 300 الف سائح. وكان نصيب مراكش ان احتل الفرنسيين 56 في المئة من مجموع الزوار وحسموا التنافس لفائدة مدينة "الموحدين" القرن الثاني والثالث عشر بعدما جلبوا معهم سياحاً ايطاليين واسبان وانكليزاً واميركيين. وذكرت احصاءات مغربية رسمية ان عدد الليالي السياحية الفرنسية في مراكش بلغ 1,9 مليون ليلة خلال 11 شهراً من العام الماضي مقابل 207 آلاف ليلة للايطاليين و160 ألفاً للاسبان و119 ألفاً للانكليز، وساعدت المؤتمرات الدولية التي عقدت على امتداد السنة في تحسن الوضع السياحي لمراكش على حساب اغادير في وقت قُدّرت قيمة الانفاق السياحي في الليلة الواحدة بين 1500 فرنك 210 دولارات الى 500 دولار بزيادة 12 في المئة عن اسعار العام 1999 بينما زاد متوسط مدة الاقامة في المدينة من ثلاثة الى اربعة ايام مقابل اسبوع كامل في اغادير التي اعتبر القائمون عليها انها لم تفقد الرتبة الاولى الا موقتاً ولأسباب لها علاقة بقلة الدعاية الاعلامية في السوق الالمانية وبرودة الطقس. الاستثمار العربي من جهته دخل على خط المنافسة ولكن لحساب مدينة أغادير، اذ قررت مجموعات عربية استثمار نحو 600 مليون دولار في المدينة التي اعيد بناؤها كاملة بعد زلزال 1961. ولاضفاء الطابع الرسمي على تلك المشاريع العربية اقر البرلمان المغربي يوم 16 الجاري التصديق على منح منطقة تغازولت في شمال خليج اغادير الى "مجموعة دلة البركة" السعودية التي تنوي انفاق 500 مليون دولار لتهيئة المنطقة ودعوة مستثمرين آخرين لبناء سعة فندقية تناهز 30 الف سرير من درجة ممتازة. وكانت المجموعة نفسها بدأت بناء فندق من خمس نجوم في منطقة فونتي البحرية على المحيط الاطلسي جنوب اغادير ضمن مشروع يضم اربعة فنادق راقية تساهم فيها كذلك "مجموعة قصر الزهور" الاماراتية ومجموعة "نيكرمان" الالمانية وشركة "تيكيدة" المغربية. ويتوقع المشرفون على المشروع ان تُضاعف اغادير عدد فنادقها خلال السنوات الخمس المقبلة لتصل الى 256 منشأة سياحية مصنفة. وتعد المدينة باستعادة ريادتها السياحية في المغرب قريباً بفضل سحر شواطئها وتنوع زوارها وفضاء منتزهاتها وتسامح سكانها. وهي تعتقد ان تحالفاً سياحياً ومالياً عربياً - المانياً من شأنه تعزيز حظوظها في معركة المنافسة هذه. لكن مراكش تصر على انها الافضل لأنها الأقدم ولأن الفرنسيين يدعونها ويقيمون فيها مؤتمراتهم الدولية وينفقون فيها ما يبخلون به في بلادهم لانها ترمز الى التفوق العربي- الاسلامي في القرون الوسطى، وهي عقدة لم يتجاوزها الاوروبيون عند مرورهم بجوار صومعة مئذنة الكتبية، التي ظلت تنافس صومعة خيرالدة في اشبيلية، على رغم انهما شقيقتان بناهما الخليفة المنصور الموحدي في القرن الثالث عشر.