ربما لم تحظ مدينة مغربية بالقدر نفسه من الاهتمام الذي بدأت تلقاه مدينة أغادير من قبل الشخصيات العربية ورجال الأعمال العرب، فبعد بناء القصور والفلل التي ينزل فيها الأمراء العرب كلما زاروا المغرب بدأ الاستثمار العربي يتوسع تدريجاً ليشمل قطاع السياحة والنقل والمصارف والمطاعم والحدائق والمحميات في أغادير. ويقدر مجموع الاستثمارات العربية المبرمجة في المدينة بنحو 650 مليون دولار من مجموع بليون دولار حصلت على موافقة الحكومة المركزية في الرباط لمضاعفة الطاقة الايوائية في الفنادق المصنفة إلى 40 ألف سرير. ويلاحظ الزائر الى المدينة البربرية التي تقع بين المحيط الاطلسي وجبال الاطلس الشاهقة حركة غير معهودة من الورش والمشاريع تذكر بمطلع الستينات عندما اعيد بناؤها بعد زلزال عنيف دمرها بالكامل وكان المغرب يومها خارجاً لتوه من الاستعمار الفرنسي. ولا تزيد رحلة الطائرة من الدار البيضاء الى مطار المسيرة في اغادير والتي قام بها وفد إعلامي عن ثلاثة أرباع الساعة على متن "بوينغ 737"، لكنها مسافة كبيرة في الزمن والمكان لمن يجد نفسه في مدينة عصرية بالكامل تتفوق على بقية المدن المغربية الأخرى في الجماليات والعمران، وتكاد تتكلم كل لغات العالم ويختلط فيها الليل والنهار باختلاط زوارها وقاطنيها وتنوع العادات والثقافات حتى طقسها متنوع فهو معتدل نهاراً وبارد ليلاً يخضع لمنافسة ازلية بين قوة البحر وصمود الجبال. في الطريق من المطار إلى وسط المدينة يحدثك السائق عن المشاريع التي بدأ العرب تنفيذها في المدينة ويقول بافتخار إن "الطريق التي نسير عليها مولها الأمير سلطان بن عبدالعزيز ونحن نشكره على ذلك كثيراً ونرحب به كلما شرف مدينتنا". ثم يبدأ في الحديث عن مشاريع ينجزها مستثمرون عرب ويشير بيده الى جهات مختلفة من الاقليم يُتوقع ان ترتفع فيها الفنادق خلال السنوات الأربع المقبلة. سكان اغادير متواضعون على عادة برابرة جنوب المغرب وصادقون وعمليون، وتتفوق المدينة على مراكش في عدد السياح وعلى الدار البيضاء في صادرات المنتجات الزراعية والبحرية وعلى طنجة في امتداد الشواطئ ونقاوتها، وعلى عكس مناطق اخرى في البلاد، فإن اغادير تكاد تكون منطقة متكاملة في القطاعات الاقتصادية، فإلى جانب السياحة هناك الصناعات الغذائية والصيد البحري وهي لا تحتاج كثيراً إلى اموال الحكومة المركزية في الرباط، إذ تقوم بتشييد الطرق والتجهيزات والبنى التحتية عبر الاعتماد على الذات ومن خلال نظام الجماعة المتطور جداً في المنطقة، والذي يكاد يكون فريداً من نوعه في العالم. يشير السائق بيديه الى جبال بعيدة وصلت إليها الطرق والتيار الكهربائي وشبكة المياه عبر نظام التعاونيات، وأحياناً من دون حاجة إلى الحكومة، فيقول: "ما لا يعلمه الزائر ان جزءاً من تلك التمويلات تم تحصيله عبر مساعدات المهاجرين في الخارج لا سيما في فرنسا، فالاقليم يضم أكبر نسبة من المهاجرين في أوروبا لذلك فإن عشرات الاف المنازل الحديثة الانيقة البناء فارغة ومحكمة الاغلاق تنتظر قدوم اصحابها كل موسم صيف. ومن نتائج ذلك ان أسعار الايجار هي الأغلى من نوعها في المغرب وتكاد تتفوق على أسعار المدن الأوروبية مثل لندن او ميلانو او باريس". يضيف محدثي: "سكان المدينة يرفضون اقتصاد الريع ويخافون على ممتلكاتهم من المستأجرين، لذلك يفضل بعضهم تحويل بعض الشقق المفروشة الى منازل سياحية يضعها تحت تصرف شركات السفر الدولية". في فندق "شيراتون" القريب من البحر الذي يملكه رجل الأعمال الإماراتي سعيد العتيبة اجتمع ثلاثة رجال اعمال من اسبانياوتونس والمغرب، شاركتهم "الحياة" جلستهم، وكان الحديث حول مشروع "فونتي" السياحي الذي تنجزه أطراف عربية والمانية على بعد أمتار من البحر في أجمل مجمع سياحي منتظر في المدينة على طريقة "اتلانتك" سيتي الأميركية. فجأة انتقل الحديث من البناء والاسمنت المسلح واسعار العقار والجرافات ورمال البحر الى النقل الجوي وعدد الرحلات اليومية فالاسبان الذين ينجزون مشاريع لفائدة شركات عربية يواجهون صعوبة التنقل من طنجة الى اغادير عبر الدار البيضاء، كانت مطالبهم الوحيدة ان يتم اعتماد رحلات مباشرة من جنوباسبانيا لكسب الوقت وتوفير الجهد. أيده في ذلك المستثمر التونسي وطالب بدوره برحلات من تونس ضمن صيغة متقدمة لادماج المناطق السياحة في منطقة شمال افريقيا سيما وان زوار المدينة من السياح الميسورين في شمال أوروبا ومن الولاياتالمتحدة. لم يدم سرد المطالب واقتراح الحلول طويلاً، ان اقترب موعد عودة رجال الاعمال الى الدار البيضاء وكان للوفد الاعلامي موعداً آخر مع سلطات المدينة في نهاية المساء. مشاريع سياحية عربية ب650 مليون دولار في مكتبه الجميل داخل مقر "الشركة الوطنية لتجهيز خليج أغادير" حدثنا المدير العام للشركة محمد شفيق باسهاب وتفاصيل عن المشاريع العربية المبرمجة في المدينة التي تسعى إلى مضاعفة طاقتها الايوائية خلال السنوات الخمس المقبلة. من بين المشاريع الكبيرة التي شرع في انجازها مشروع "فونتي" البحري الذي يقع على مساحة 266 هكتاراً على بعد أمتار من البحر ويستهدف بناء 3800 سرير في المرحلة الاولى ونحو 18 الف سرير على مدى متوسط. وتقدر كلفة الشطر الأول بنحو 120 مليون دولار لبناء اربع وحدات فندقية منها "فندق قصر الورود الدولي" الذي تموله مجموعة "دلة البركة" التي يملكها الشيخ صالح كامل، وفندق آخر يموله الشيخ أحمد بن زايد بن نهيان رئيس شركة "أي. بي. اس" الاماراتية الدولية رئيس شركة "طيران الخليج" الذي صادف موعد توقيعه على المشروع وجود الوفد الاعلامي العربي في المدينة. وفندقان آخران تنجزهما شركتا "نيكرمان" الألمانية و"تيكيدة" المغربية. وستكون الفنادق الأربعة جاهزة في نحو سنتين وهي بتصنيف خمس نجوم وتضم تجهيزات عصرية وملاعب رياضية ونوادي للسباحة وقاعة للسينما وملاعب بولينغ ومراكز تجارية ومصرفية وطبية. وعلى طريقة الهولنديين الأوائل تم اقتطاع جزء من البحر وضمه الى مرافق الفنادق باعتماد تكنولوجيا حديثة ابعدت الماء بضعة أميال لاضفاء مزيد من الجمالية على المشروع. وتولت الدولة المغربية انفاق 37 مليون درهم لنزع الكثبان الرملية وإقامة معدات الأمواج بتعاون تقني مع البنك الدولي. ويضيف محمد شفيق ان منطقة فونتي السياحية ستضم كذلك مناطق خضراء على مساحة 130 هكتاراً تشمل حدائق عامة وحدائق بطول الممرات والطرق ومحميات للعصافير النادرة، لكن المنطقة الخضراء بامتياز ستقام داخل مشروع "تفنيت" السياحي الذي سيتحول الى اكبر منطقة احيائية في شمال افريقيا، واسندت تجهيزاته الى مجموعة "كلوب ميديتراني" الفرنسية بكلفة 300 مليون دولار سيتوجه الى السياحة الراقية على طريقة المنتجعات الغابية ويقدر كلفة الغرفة الواحدة في المشروع بنحو 100 ألف دولار. ومن بين أهم المشاريع العربية في أغادير مشروع تهيئة خليج تغازولت الذي فازت به مجموعة "دلة البركة" السعودية في منافسة قوية مع مجموعة "بيكتل" الأميركية لانجاز أكبر تجمع سياحي في كل منطقة شمال وغرب افريقيا على مساحة 686 هكتاراً لبناء فنادق تتسع ل30 ألف سرير بكلفة اولية حددت بنحو 500 مليون دولار. وقال محمد شفيق إن المشروع الذي رصدت له الحكومة المغربية نحو 27 مليون دولار في الموازنة الجديدة سيولد 36 ألف منصب عمل وسيمكّن اغادير من مضاعفة اعداد السياح الذين يمثلون حالياً مليون شخص سنوياً. كما يضم المشروع شقق ومنازل وفلل لسياحة الأسر التي تفضلها العائلات العربية التي تصطحب معها افراداً أكثر من مثيلاتها الأوروبية. كما تستعد اطراف عربية أخرى لبناء ميناء ترفيهي في شاطئ المدينة خاص باليخوت ورياضة الزوارق الشراعية وفنادق أخرى في منطقة اغرود على مساحة 594 هكتاراً تنجزها أطراف عربية ودولية لإقامة وحدات من 20 ألف سرير اضافي بين اربع وخمس نجوم. ويتوقع الساهرون على تلك المشاريع ان يغير وجه المدينة بالكامل بعد استكمال بنائها ويضعها على قائمة المدن السياحية العالمية. ويقول شفيق: "إذا سارت الأمور كما نتوقع فسنكون في مستوى برشلونة الاسبانية ولعل ما ينقص المدينة هو مدينة "وورلد ديزني" عربية للأطفال وهذا موضوع نفكر فيه كذلك". البنك العربي في اغادير ولمصاحبة تنفيذ هذه المشاريع المقدرة بمئات ملايين الدولارات افتتح "البنك العربي" فرعاً له في المدينة ليكون قريباً من رجال الأعمال والسياح العرب كلفته 12 مليون درهم. وقال رئيس المصرف في المغرب الدكتور صلاح الدين هارون، إن فرع اغادير سيكون واحداً من أكبر فروعنا في المغرب وهو موجه الى الشخصيات العربية بالدرجة الأولى وسيعتمد نظام الشبك الالكتروني الذي سيربطه بنحو 400 فرع عبر العالم من كوريا الجنوبية الى نيويورك عبر الدار البيضاء، كما سيقدم الفرع شباكاً الكترونياً للنقد السائل لخدمة السائح العربي. عند امتطاء الطائرة الممتلئة على آخرها صوب الدار البيضاء ادركنا لماذا جاء الامبراطور الألماني غيوم الثاني عام 1911 الى اغادير وهدد بضرب السفن الفرنسية والاسبانية الراسية في الميناء اذا لم تتراجع باريس عن رغبتها في احتلال المغرب. يومها كانت المدينة قرية كبيرة بنيت في القرن السادس عشر على يد البرتغال ويقصدها البحارة الذين يضيق بهم المحيط، ويفضلها أصحاب المغامرات والبحث عن الهدوء. وظلت كذلك بعد 90 سنة من ذلك التاريخ.