من النادر ان يبرز معد برامج تلفزيونية الى الواجهة الإعلامية، لكن جنان ملاط معدة "الشاطر يحكي" تردد اسمها مراراً على الألسن، في الأعوام التي عرض خلالها هذا البرنامج الاجتماعي الحواري عبر شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" لما طرحه من مواضسع جريئة كسرت التقاليد السائدة، وعولجت ونوقشت في حوارات مفتوحة ومباشرة على الهواء، ومنها موضوعا الجنس والماسونية. وقبل مدة عاد "الشاطر" يحكي بزخم، وأثارت الحلقة الأولى عن "الممنوعات" زوبعة في لبنان، لما تضمنته من مواقف فضحت تلفزيونياً ما يتهامسه الناس سراً. جنان ملاط تتحدث عن الانطلاقة الجديدة لبرنامجها بتواضع لافت، مشددة على أنها معدة "كسولة" على رغم امساكها بإعداد برنامجين في وقت واحد هما "يا ليل يا عين" و"الشاطر يحكي". وتقول: "لدي فريق عمل نشط يسهم في نجاح البرنامج. وكما أن "يا ليل يا عين" لا قيمة له من دون المخرج طوني قهوجي الذي يؤدي دوراً كبيراً في الإعداد، كذلك الأمر في "الشاطر يحكي" الذي يفقد نكهته من دون مقدمه زياد نجيم". وترى ملاط ان البرنامج الناجح تدعمه ركائز أساسية قوامها "فريق العمل والمقدم والمعد. إنها سلسلة مترابطة ولا ينجح عنصر من دون الآخر، علماً أن المؤسسة الإعلامية وطريقة البرمجة والتوقيت والترويج أمور مرادفة وأساسية لنجاح أي برنامج أيضاً". المواضيع التي يطرحها "الشاطر يحكي" والتي تتناول هموم الناس ومشكلاتهم في الصميم، يطرحها فريق البرنامج المؤلف من 15 شخصاً. "نجتمع أسبوعياً ونتبادل الأفكار ونناقشها ونبلورها مع أشخاص ذوي خبرة، فنحن في عملية تفكير مستمرة لتقديم ما يهم المشاهد". جنان ملاط تفضل البقاء وراء الكواليس، لإدارة اللعبة التلفزيونية في الخفاء، من دون أن يدغدغها حلم الظهور على الشاشة. "الامتناع عن الظهور سلاح قوي جداً لأن الأضواء تبهر ولا تعود رؤية الشخص الذي تحتها واضحة. حين نكون في العتمة نرى معظم الناس ويسهل علينا رؤية الأمور وتحليلها وتعديلها نحو الأفضل. لا أحب أن يعرفني الناس بل أن يقدروا عملي". الواقع أن ملاط لم تأت الى التلفزيون إلا مصادفة. فقد كانت تعيش في فرنسا حيث درست الأدب الفرنسي، وقصدت لبنان أسبوعين للراحة، وتعرفت الى رئيس مجلس إدارة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" بيار الضاهر الذي كان في صدد افتتاح المحطة الفرنسية C33 وطلب منها الاهتمام بالبرمجة، على رغم عدم خبرتها في هذا المجال، وما لبثت ان أثبتت نجاحها وانتقلت الى إنتاج البرامج الاجتماعية وانطلقت بقوة مع "الشاطر يحكي" ثم مع برنامج المنوعات "يا ليل يا عين". بعدما أوقفت ملاط البرنامج سنة ونصف السنة، عادت لتطلقه مجدداً. وهذه المرة في حلة جديدة ومع إضافة الكثير من الريبورتاجات التي تغنيه، ومع الاحتفاظ بالخطوط الحمر وهي "عدم التجريح بالآخر واللياقة وعدم تشكيل خطر على حياة انسان ومعالجة المواضيع بطريقة علمية". أخذ بعض النقاد على البرنامج الإطالة غير المبررة التي تتعدى الساعات الأربع أحياناً. وتعزو ملاط الأمر الى "أن الأشخاص في لبنان يحبون الإسهاب والشرح المطول، ولم نجد دواء للإسهاب بعد، وبعض المداخلات التي يقدمها الضيوف تتضمن إعادات لا يمكن ضبطها. أضف الى ذلك ان الناس لم يتكلموا منذ عامين، وهم يتهافتون على أول فرصة تتيح لهم التعبير عن انفسهم، وكلما تطورت سياسة الحكي والمشاركة، يعرف الناس التكلم بذكاء واختصار أكثر، لأننا نعاني مشكلة صمت مفروضة على اللبنانيين فرضاً". تحرص ملاط على طرح المواضيع التي تهم الناس وتطاول حياتهم. ومن عناوين الحلقات المقبلة: الإلحاد والغيرة والقرصنة وحقوق الملكية الفكرية. وتشدد على تضمين البرنامج نماذج عن اختبارات شخصية وإنسانية. "يهمني موضوع التعذيب في السجون اللبنانية وغير اللبنانية وهو ليس مرتبطاً بفريق من دون آخر، بل يتعلق بالإنسان المعذب. التعذيب مستمر في لبنان منذ أيام الميليشيات وحتى أيام الدولة، وينتشر أيضاً في دول مجاورة وهذا أمر مرفوض تماماً". لماذا توحيد آفاتنا؟ أما بالنسبة الى طرح البرنامج مواضيع تتناول العالم العربي، فتقول ملاط إن ما من موضوع "يستطيع ان يوحد كل العرب، والآفات الاجتماعية مختلفة بين مجتمع وآخر. يهمني التصوير على الأرض ومعالجة قضايا المجتمع اللبناني. "الجزيرة" مثلاً تحكي عن الأنظمة العربية كلها وتستثني قطر ومشكلاتها: لا أريد أن أقوّم الآخرين، ولكن أعتقد أننا يجب أن نبدأ بأنفسنا". ترفض جنان ملاط أن تسجن نفسها في قالب معين ولو جلب لها النجاح والشهرة، "خفت من أن ألصق ب"الشاطر يحكي" وأصبح أسيرة له، لذا جاءت فكرة "يا ليل يا عين"، ولا نظرة دونية لي إلى أي برنامج أعده، ومثلما لا تمكن مقارنة نشرة الأخبار ب"الكارتون"، لا يمكن المقارنة بين البرنامجين". طريفة هي شخصية ملاط. واللافت فيها عدم اهتمامها بحضور التلفزيون. وبعد مرور 12 عاماً على خوضها هذا المجال، لم تقتن جهاز تلفزيون إلا منذ ثمانية أشهر فقط! لكنها مغرمة بالسينما الأوروبية وموسيقى العالم الإتنية والتراثية المحلية. وبعدما كانت تطرب لأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب تعرفت عبر "يا ليل يا عين" الى الموسيقى "المودرن" والمغنين "الشباب". وهي تواظب على قراءة الأدب الفرنسي بعدما علمته أعواماً أثناء دراستها. حلمها؟ رؤية والدتها أوقاتاً أطول إذ لا يتيح لها العمل المستمر 17 ساعة في اليوم ذلك احياناً، وإعداد برنامج Teleton اجتماعي طويل على غرار ما يحصل في فرنسا لجمع المال لإقامة مشروع إنساني. أما شعارها في الحياة فهو: "لا للشعارات، لأنها جامدة وتحوي كلمات لا تلبث أن تصبح فارغة تفقد معناها مع مرور الوقت. الشعارات مرادفة للكذب وهي غزيرة جداً في العالم العربي ولبنان"!