منذ حلقته الأولى استطاع برنامج "يا ليل يا عين" أن يفرض نفسه كبرنامج جديد ومتقن يجمع بين الفنّ والترفيه ويتوجّه أكثر ما يتوجه الى الجيل الشاب. إلا أنّ جوّه المرح والحماسيّ والمفعم بالفرح يجذب للوهلة الأولى كلّ مَن يشاهده وأياً كان عمره وموقعه. وهي المرّة الأولى يشعر المشاهد أنّه أمام برنامج مسلٍّ وجذّاب، يحترم ذوقه وثقافته ويدخل الى قلبه الكثير من الفرح والمرح من غير أن يقع لحظة في الابتذال. وليس من المستغرب أن يحقق البرنامج مثل هذا النجاح منذ بضع حلقات، فوراءه تقف إعلامية شابّة ومثقفة هي جنان ملاط التي استطاعت أن ترقى ببرنامجها السابق "الشاطر يحكي" تقديم زياد نجيم الى مستوى الشاشات العالمية الصغيرة. وينبغي ألا ننسى أيضاً أن مخرج البرنامج هو طوني قهوجي هذا الفنان الشاب والمبدع والساحر بأجوائه الباهرة وأضوائه بل بلغته التلفزيونية غير المعهودة. فكرة البرنامج يقدّمه طوني أبو جوده وماريان خيّاط طريفة جداً وتقوم على مواجهة بين الذكور والإناث وجميعهم ينتمون الى عالم الأعلام والفن والرياضة وسواها... والمواجهة هي عبارة عن مباراة مفتوحة مقسّمة الى مراحل. وخلالها تقدّم أغنيات ورقصات يؤدّيها بعض الضيوف من أهل الفنّ. إلا أنّ اللافت هو سعي البرنامج الى مصالحة الجمهور العريض مع الفنّ الحقيقي موسيقى وغناء. فالمباراة أو الأسئلة تجري حول أغنيات مهمّة وجميلة كاد الجمهور أن ينساها بعدما عمدت البرامج العاديّة الى تهميشها وطمسها معمّمة الأغنيات التجارية الرخيصة والباهتة. وأعاد البرنامج الى الجمهور كذلك أهمّ الأصوات الغنائية التي صنعت مجد الأغنية اللبنانية والعربية من أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب وفيروز ووديع الصافي وأسمهان وعبدالحليم حافظ. وجوه جميلة وأليفة وشابة جداً تطلّ عبر البرنامج وتنقسم ذكوراً وإناثاً وتتبارى بمودّة خالقة جواً من الطرافة والسرور والبهجة. هذا الجوّ باتت تفتقده معظم البرامج التلفزيونية بعدما سقطت إمّا في الاستهلاك أو في الابتذال. واللافت أنّ ما من تصنّع في إعداد البرنامج ولا في تقديمه، بل بساطة وعفوية ومرح. لا كاميرا هنا تطارد "أفخاذ" الراقصات بغية الإثارة ولا سخرية من المشاركين ولا عمليات ترويج وربح على حساب الفنّ الأصيل ولا "تجارة" معلنة أو غير معلنة ولا عقود وفضائح. استطاعت جنان ملاّط فعلاً عبر شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" أن تفرض نوعاً جديداً من البرامج وأن ترتقي بالجمهور الى مصاف الفنّ الحقيقي لا أن تنزل اليه متنازلة - كما فعل البعض - عن القيم الفنّية والنوعية. وبرنامجها الجديد "يا ليل يا عين" فضح بحقّ برامج سيمون أسمر الذي هيمن فترة طويلة على البرامج المنوّعة. بل هو فضح ما يُسمّى "مدرسة" سيمون أسمر التي وقعت في الاستهلاك والسخافة والرداءة وبلغت حداً من الوقاحة وعدم احترام الجمهور لا أخلاقياً ولا فنياً. ومن معالجة شؤون الناس وهمومهم ومشاكلهم في برنامج "الشاطر يحكي" انصرفت جنان ملاّط الى زرع الفرح في قلوبهم وخلق جو من التسلية المثقفة والذكية جامعة العناصر الشابة في مبارايات أليفة وجميلة. ومن حلقة الى أخرى يزداد البرنامج متانة وتتبلور صيغته أكثر فأكثر. إنّه برنامج الجيل الجديد والجيل القديم على السواء. برنامج يتوجّه الى الجمهور التلفزيوني بروح جديدة ولغة تلفزيونية حديثة وجماليات غير معهودة سابقاً. حسناً فعلت المؤسسة اللبنانية للإرسال في تقديمها برنامج في هذا المستوى وهذه الطرافة والمهارة. فالجمهور بات يحتاج فعلاً الى برامج مماثلة تسلّي وتثقف وتطرب الأذن وتهذّب العين.